تعرف ظاهرة عمالة الأطفال في رمضان بالجزائر، تزايدا مستمرا، حيث وجدوا أنفسهم رغم صغر سنهم، وجها لوجه في مجابهة صعوبات الحياة، ورحلة البحث الطويلة عن لقمة العيش. فمن أجل إعالة عائلاتهم المعوزة والحصول على ''مصروف الجيب'' وتحصيل مصاريف شراء ملابس العيد، في ظلّ عدم قدرة أرباب العائلات على توفيرها لأبنائهم، يلجأ العديد من الأطفال للعمالة ولاحتراف مهنة التجارة وبيع مختلف المنتوجات الرائجة في شهر رمضان، حسب شهادات أطفال أدلوا بها ل ''الجزائر نيوز''. ''مجيد'' صاحب ال 15 ربيعا، قال إنه اضطر للعمل في رمضان كبائع لأدوات المطبخ في أحد دكاكين شارع ديدوش مراد، لمساعدة عائلته المكونة من 5 أفراد في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية القياسي في هذا الشهر الفضيل، إلى جانب رغبته في شراء ملابس العيد التي لا يستطيع راتب والده الذي يعمل في إحدى إدارات الجامعة بالعاصمة لوحده توفيرها، وهو نفس الأمر الذي دفع ''علي'' الذي يبلغ من العمر 15 سنة، لبيع الخبز والشربات في سوق كلوزال بالعاصمة، ''فنحن أطفال ومطلب شراء ملابس العيد مطلب مشروع، فإذا لم يستطع آباؤنا توفيرها، علينا مساعدتهم في ذلك''. ويختلف ''أمين'' ذو ال 16 ربيعا في الدافع إلى احترافه مهنة التجارة في رمضان ''فبعد أن غادرت مقاعد الدراسة، فإن عملي كبائع لمختلف أنواع الحقائب، يجنبني الوقوع فريسة الإجرام، التدخين والمخدرات''، وهو الأمر الذي وافقه فيه ''حمزة'' الذي يبلغ من العمر 15 سنة، ''فأنا تلميذ في السنة الثالثة متوسط عند بدء الموسم الدراسي، لا بد لي من شغل وقتي بشيء مفيد في رمضان''. في حين يبيع ''سفيان'' ''الديول'' منذ ثلاث سنوات بسوق كلوزال من أجل توفير مصاريف الدخول المدرسي، حيث كشف ل ''الجزائر نيوز'' أنه الإبن الثامن في أسرة متوسطة الحال، لموظف في القطاع العام، ''وليس أمامه إذا أراد مواصلة دراسته سوى هذه الطريقة، فالآن أصبح مطلوبا منا كأطفال أن نوفر مصروفنا بأيدينا بعدما عجز آباؤنا عن توفير كل ما نحتاجه، ورمضان فرصة ذهبية للربح، اغتنمناها كأطفال لتوفير مختلف احتياجاتنا''. إستغلال البراءة بأبخس الأثمان لدى تجولنا في أسواق العاصمة، لاحظنا وجود أم أمام ابنها ''العامل'' في بيع الخضر والفواكه في سوق كلوزال بالعاصمة، تنبّه إبنها ذو 16 عاما، وهو مطرود من المدرسة، إلى ضرورة الحرص وتذكير صاحب العمل بموعد دفع الراتب الشهري ''ففي العام الماضي، تنكّر صاحب العمل لابني ولم يدفع له راتبه الشهري''، مضيفة أنها تعرف من خلال إحتكاكها بعائلات تعتمد على أبنائها لتوفير ''مصاريف رمضان'' أن راتب الأطفال عادة ما يكون نصف راتب البالغين، وهو ما يشجّع التجار على تشغيلهم بأبخس الأثمان، كما قالت لنا الأخت الكبرى ل ''سمير'' وهو طفل في 15 من عمره، أنه بعد وفاة والديها، وعدم تجاوز التقاعد الشهري الذي يضمن مدخولا دائما للعائلة الحد الأدنى للأجور وهو 18 ألف دج، لم تجد أمام لهيب الأسعار في رمضان غير تشغيل ''سمير'' كبائع للديول في أحد أسواق العاصمة. إتحاد التجار يعترف بفشله في مواجهة الظاهرة واعترف رئيس إتحاد التجار والحرفيين الجزائريين صالح صويلح من جهته ل ''الجزائر نيوز'' باستفحال ظاهرة عمالة الأطفال في شهر رمضان خاصة فيما يخص مزاولتهم لنشاطات تجارية، مضيفا أنه على الرغم من قيام إتحاد التجار بعمليات تحسيسية كثيرة على مستوى التجار بضرورة عدم تشغيل الأطفال لأن ذلك مرفوض بصراحة في القانون التجاري الجزائري، إلا أن التجار على مستوى كامل التراب الوطني يقومون في رمضان بتشغيل الأطفال خارج دائرة القانون، مبررين ذلك بعزوف الشباب عن العمل في رمضان، وهو الأمر الذي يجعلهم يستنجدون بالأطفال للقيام بمختلف الأعمال التجارية ''فظاهرة تشغيل الأطفال منتشرة بكثرة في رمضان عبر كامل أسواق الجملة بالجزائر، كما أن رواتب هؤلاء الأطفال تكون في الغالب رمزية أمام حاجتهم لاقتناء ملابس العيد، ووجود عائلاتهم في عوز وفقر في هذا الشهر الفضيل''. الجزائر.. البلد المغاربي الأول في ظاهرة عمالة الأطفال وقد كشفت مؤخرا آخر دراسة حول ظاهرة تشغيل الأطفال في الجزائر قامت بها الهيئة الجزائرية لتطوير الصحة وترقية البحث ''فورام''، عن تواجد نصف مليون طفل عامل في الجزائر ويزيد هذا العدد ب 300 ألف طفل أيام العطل والمناسبات، في حين تشير منظمة العمل الدولية في أحدث إحصائياتها إلى أن الجزائر في مقدمة الدول التي بها نسب عمالة مرتفعة للأطفال، حيث يقدر عدد الأطفال الجزائريين العاملين ب 8,1 مليون طفل، بينهم 3,1 مليون تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 13 سنة، من بينهم 56 بالمئة من الإناث و 4,15 أيتام فقدوا سواء الأب أو الأم، معتبرة أن من بين أعظم الأخطار التي تواجه المجتمعات النامية، من بينها الجزائر، ظاهرة عمالة الأطفال التي تحرمهم من التعليم وتكوين الشخصية في هذه المرحلة من العمر، كما أنها تقف شاهداً على وجود ظواهر اجتماعية ذات أخطار أكبر، مثل الفقر والحرمان والتفكك الأسري وتفشي المخدرات والإدمان من ناحية، واعتماد الأسرة على أصغر أعضائها سناً دون اعتبار لمصيره أو مستقبله من ناحية أخرى. ويتعرض الأطفال العاملون لشتى أنواع الأخطار الجسدية والأخلاقية كالتعرض للفساد والانحراف مبكراً.