«أنا بطلة قصصية ولا أستطيع العيش في ظل امرأة من ورق، أنا هي الحقيقة الملموسة، أنا هي مريم الحروف، من يفضل الحرية الشخص الذي يخدم لأجل وطنه فهو أفضل له بكثير من اشتغال منصب وزير، المبدعون الجزائريون لا يكرمون في بلادهم إلا بعد موتهم، لا أحد من عظماء الجزائر أخذ حقه كلهم ماتوا في صمت، عندما صدفتنا المأساة وجدنا أنفسنا وحدين، أفضل البقاء مجرد امرأة تعشق الحياة..". هي مقاطع لمشاهد متناثرة لمسرحية “امرأة من ورق" للمسرح الجهوي لعنابة، دخلت أمس غمار المنافسة الرسمية بمهرجان المسرح المحترف. عاد إخراج “امرأة من ورق" للممثلة القديرة صونيا عن رائعة رواية أنثى السراب للكاتب واسيني الأعرج، الذي تم اقتباسها مراد سنوسي. أما شخوص العرض فقد تقمص أداءه كل من الممثلتين لعريني ليديا شخصية يمينة وهواري رجاء المتقمصة لشخصية المرأة الخيالية. تحكي مسرحية “امرأة من ورق" عن قصة كاتب يخلق قصة خيالية يريد أن يجعل منها بطلة أعماله وبصمة في أسلوبه حيث يطلب هذا الأخير من زوجته إعطاؤه اسما فتختار اسم مريم، بررت الزوجة أن هذا الاسم الجميل يذكرها بصديقة الطفولة التي ترعرعت معها في باب العسة واكتشفت بفضلها فحول الشعر الملحون وأعلامه كالشيخ عبد القادر الخالدي، وسيدي لخضر بن خلوف ومن هذا المنطلق أصبحت مريم الحروف بطلة رواياته وقصصه. استمر الأمر كذلك طيلة ربع قرن من الزمن إلى أن أصبح حضور مريم في حياة ويوميات الكاتب حضورا مثيرا لقلق زوجته وهكذا أخذت تراودها شكوك أنها تختبئ وراء مريم الحروف وكلمات مريم أخرى ليس لها علاقة مع الورق ولغة الإبداع وهذا ماجعل لوحات العرض تأخذ منعرجا آخر من التأزم بدخول كل من المرأة الحقيقة والمرأة الخيال في صراع حاد يكاد أن يكون عقيم الجدل، وهذا الأخير أطفأ على العرض نوع من السرّ خاصة وأن الممثلتين رحلتا بالجمهور إلى زمن الماضي باستحضار شخصيات بارزة كانت لها بصمة على المسرح الجزائري على غرار كاتب ياسين وإسياخم ومصطفى كاتب وعلولة أسد وهران الذي اغتيل برصاص الغدر وكذا أسماء أخرى تركت توقيعها بالمشهد الثقافي والفني الجزائري. العرض أيضا تطرق بصيغة مباشرة إلى الجروح العميقة التي خلفتها العشرية الحمراء وهذا ما جعل الجمهور لا يبرح أمكنته إلا بعد نهاية العرض. الشيء المميز بالعرض أن كل من مراد سنوسي والمخرجة صونيا وفقتا إلى أبعد الحدود في اختيار رائعة أنثى السراب وتحويلها إلى نص مسرحي وهذا حسب قول المختصين بالميدان، فمن اللغة الصامتة إلى لغة الحوار والجسد قطعتا الممثلتين ليديا ورجاء شوطا كبيرا للكشف عن المستور وتوضيح الرسائل المبهمة للمتلقي، حيث حضور الممثلين الجدي في العرض على ركح بشطارزي زاد من جمال العرض وأطفأتا عليه نوع من المتعة. المخرجة صونيا نجحت حسبما أكده لنا أحد المختصين في استعمالها لتقنية المرأة فالأسود والأبيض يبقى مميزا في ذاكرة الخشبة حتى ولو تطورت السينوغرافيا إلى أبعد الحدود، بالنسبة للسينوغرافيا التي وقع على بصمتها يحيى بن عمار رغم بساطتها كانت عبارة عن أوراق معلقة على سقف وأخرى مبعثرة بشكل عفوي غير أنها تماشت مع لغة النص.