بصراحة.. لا يشعر المسرحي العربي بوجوده وكينونته إلا حين يشارك في المهرجانات المسرحية؛ والعربية منها بخاصة؛ من حيث انحسر المسرح عن الحياة الروحية للمواطن العربي؛ وعن جدول اهتماماته اليومية؛ بفعل عوامل متشابكة.. تكاد مهرجانات المسرح في عالمنا العربي أن تكون الرئة الوحيدة التي يتنفس بها المسرحيون العرب.. فيما تتقلص رئته الثانية تدريجيا؛ وفيها.. يشاهدون تجارب الآخرين؛ ويناقشون راهنهم المسرحي؛ ويتبادلون الآراء والخبرات؛ بل.. تترسخ صداقات إنسانية قديمة وتبدأ صداقات جديدة. فهل بات مسرحنا العربي.. مجرد مهرجانات؟! مع تأكيدنا على أهميتها؛ وعلى استمراريتها وعلى تطويرها؟!. من المؤلم أن نقول: نعم.. بعد انحسار المسرح عن الناس؛ وبالضبط.. بعد الانقراض التدريجي للشريحة المتوسطة في عالمنا العربي؛ وبعد طغيان البطالة والأمية.. وبخاصة الثقافية منها؛ وبعد طغيان الصورة.. ومحطاتها الفضائية؛ بل.. إن الدراما التلفزيونية قد اختطفت أغلب المسرحيين العرب إليها: كتابة وتمثيلا وإخراجا؛ حتى بات المسرح لمن تبقى من نخبة النخبة العربية؛ وكنت أعرف قبل دخولي إلى أي عرض مسرحي أغلب من توقعت بأني سألقاه عند باب صالة العرض؛ كما سأعرف عند افتتاح أي مهرجان مسرحي عربي نصف من أتوقع وجوده على الأقل!!. لست متشائما بالمطلق؛ كما أني لست شركة توزيع للسوداوية؛ لكني مجرد متشائل على طريقة الروائي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي؛ ولهذا لم أتشاءم حين تأخرت الحافلة عن موعد انطلاقها إلى بجاية ساعتين ونصف فقط؛ بحسب تقاليدنا المتوارثة في كل عربستان الكبرى؛ ثم تفاءلت خيرا حين انحنى قوس قزح ما بين جبلين؛ ونحن في طريقنا إلى المهرجان الدولي للمسرح؛ فما كدنا نعبر قوس ألوانه حتى خلت بأن قلبي ينتظرني هناك على الركحِ.. خلف الستائر؛ وهو يرتجف كعصفور بللته أمطار الخريف.. طوال شوقه لجمهور المسرح ومبدعيه؛ ثم زاد تفاؤلي مع حفل الافتتاح الذي مزج بين فولكلور المنطقة الأصيل وبين تجريب الشباب ومعاصرته.. وللحديث بقية.