لم تكن حياة سيجموند فرويد، المتوفى سنة 1939 م، لوحدها كافية لإتمام مشروع التحليل النفسي، لذلك فقد وضع فرويد في حياته الأساسات الكبرى، هذا ما جعل هذا الاتجاه يتطور ويستحوذ على حيز أكبر في مجال علم النفس، وهنا نتحدث عن آنا فرويد المتوفاة سنة 1982 م، الإبنة الأخيرة لعالم النفس الشهير سيجموند فرويد، حيث تعد من أوائل مؤسسي التحليل النفسي للطفل، وأخذت عنه اتجاهاته العلمية واهتماماته السيكولوجية، شرحت “آنا فرويد" الاتجاه الجديد الذي أسسته في التحليل النفسي في كتابها “الأنا والميكانيزمات الدفاعية Ego and the Mechanisms of Defense"، حيث أكدت على دور الأنا في الحياة النفسية وفي العلاج النفسي التحليلي، وقالت إن التحليل النفسي لا يمكن أن يصدق عليه اسمه، إلا إذا اتجه إلى البحث في الأنا وعدم الاقتصار على الهو. وترى أن تحليل الميكانيزمات اللاشعورية التي يلجأ إليها الأنا يمكن أن تطلعنا على التحولات التي طرأت على الغرائز عند المريض. ويتلخص دور المحلل من وجهة نظرها في إزعاج الأنا باستثارة المكبوت، وتدمير ما قام به الأنا من أساليب توافقية مرضية ولكنها من وجهة نظر الأنا تمثل أنساقا دفاعية يحاول من خلالها أن يسيطر على الحياة الغريزية. وقالت فيما يتعلق بمنهج تحليل الأحلام، أن ترجمة الرموز وتأويلها قد يكشف عن كثير من محتويات اللاشعور دون أن يحصل الفهم العميق لشخصية الحالم، ودون معرفة ميكانيزمات الأنا اللاشعورية التي يستخدمها المريض، فإننا نكون قد عرفنا الكثير من محتويات الرغبات والخيالات الغريزية المكبوتة ولكننا لم نعلم إلا القليل، أو ربما لم نعلم شيئا عن التغيرات التي ألمت بهذه الرغبات والطرق المختلفة التي استطاعت بها أن تنفذ إلى نسيج الشخصية، ويتلخص دور المحلل في إزعاج الأنا لاستثارة المكبوب، وتدمير ما حوله الأنا من تكوينات تصالحية، وتعتبر مرضية، ولكنها تمثل من وجهة نظر الأنا أنساقا دفاعية يحاول بها أن يسيطر على الحياة الغريزية. والأخطار التي يحاول الأنا أن يدفعها عن نفسه ثلاثة: هي احتجاجات الأنا الأنا، والخشية من قوة الغرائز، والقلق الموضوعي من البيئة التي تتسيد على الطفل، ويخاف أنا الطفل من الغرائز لأنه يخاف العالم الخارجي ويتمثل ذلك في قلقه الموضوعي من البيئة التي تتسيد على الطفل، كما يخاف أنا الطفل من الغرائز لأنه يخاف العالم الخارجي ودفاعه ضد الغرائز يدفع إليه خوفه من العالم الخارجي، ويتمثل ذلك في قلقه الموضوعي، حيث ما يخافه الطفل في هذه المرحلة هو العقاب أو أن يحرم من عطف الآخرين، وبالإضافة إلى هذه الدوافع الثلاثة التي تنشأ عنها الميكانيزمات الدفاعية، تذكر آنا فرويد دافعا رابعا وهي تقول: “إن الراشدة تتطلب نوعا من الإلتزام بين مختلف الدوافع، ومن هنا يتولد عدد من الصراعات بين هذه الميول المتعارضة، مثل الميل إلى ذات الجنس، والميل إلى الجنس الآخر، والتعارض بين السلبية والإجابية. 2 - الاواليات الدفاعية: وتصف آنا فرويد في كتابها “خمسة أنواع من الميكانيزمات الدفاعية" وهي: 1. الإنكار عن طريق التخيل: كأن يكره الطفل أباه المستبد، فيتخيله أسدا مثلا، ويتوهم أنه صديقه، وأنه يأتيه ويلاعبه ويتبعه. والطفل بهذا التخيل أنكر واقعه وهو أنه لا يحب أباه، وحولها إلى صورة متخيلة محببة. وهذه الحيلة يلجأ لها الأطفال كثيرا. 2. إنكار اللفظ والفعل: ويتمثل في سلوك الطفل عندما يقول مثلا “أنا كبير مثل بابا" أو “أنا لا أكره الدواء، أنا أحبه جيدا" أو “المعلمة تحبني كثيرا". كل هذه العبارات هي أمثله لإنكار الواقع إنكارا يحمي به الطفل نفسه ضد عجزه وقلة حيلته واعتماده على غيره. 3. تقييد الأنا: مثاله طفلة في العاشرة ذهبت إلى حفلة استعراضية لأول مرة، واستعدت لها بملابس جميلة، وفي الحفلة شاهدت طفل جميل استأثر اهتمامها، إلا أنه نهرها وانتقد طريقتها في اللبس والرقص، ومنذ ذلك اليوم صارت تكره الحفلات ولا تتردد عليها، ولم تجهد نفسها في تعلم الرقص، وعوضت نفسها بتقييد أناها بأن حرمت على نفسها المباهج الأنثوية، وصارت تنهج في سلوكها منهجا تتحدى به الأولاد الذكور وتنافسهم في محاولاتهم وهناك أيضا. 4. دفاع التعيين بالمعتدي: يتم من خلاله السيطرة على القلق بامتثال خصال المعتدي واستدماج صفاته. ومثاله الطفل الصغير الذي تألم من خلع أحد أسنانه قد يلعب مع أخته بأن يمثل دور الطبيب ويجعلها تمثل دور المريضة. 5. الدفاع بالإيثار: شكل من أشكال الإيثار، ومثاله مربية كانت في طفولتها تحب الملابس الجديدة، وكانت تتمنى أن يكون لها أخوات، فقالت لها أمها مازحة: “إننا لا نستطيع أن نأتي لك بأخوات وملابس في الوقت نفسه فهذا مكلف، فإما هذا وإما ذاك". وكبرت الطفلة ولم تتزوج وامتهنت تربية الأطفال، وصارت تدافع عنهم أمام آبائهم كلما أرادوا ملابس جديدة، وتضرب آنا فرويد المثل التاريخي عن الدفاع بالإيثار بحكاية “إدمون روستان" مؤلف “تيرانودي بريج راك" فقد كان تيرانو قبيح الوجه بأنفه الكبير ولكنه كان موهوبا كشاعر ولما عرف الشاب الذي أحب محبوبته، صادقه وآثره على نفسه، وكان يكتب لها قصائد يهديها لمحبوبته وكأنه أي هذا الشاب هو كاتبها، ووصل به الأمر أن صار يتحدى خصوم الشاب ويتعارك معهم نيابة عنه ويحميه منهم. إن الوسائل التي يتخذها الفرد تجنب التعبير المباشر عن نزعاته، هي أوليات دفاعية وهي محاولات توثيق تسعى للحماية من التهديدات الداخلية والخارجية معا، هذه الآوانيات هي أوصاف لنوع من السلوك، يوجد لها منطق خاص بها متى فهمت دوافعها الدفينة، ومن العقبات التي تحول دون فهمها، أن الشخص الذي يسلك سلوكا غريبا لا يعرف في الغالب دلالة سلوكه، وآواليات الدفاع أساليب يتبعها الناس لمواجهة النزعات الخطرة التي تحتمل أن تؤدي بها إلى المتاعب، ولذلك فهي محاولات مختلفة للتوفيق بين المطالب الداخلية والحقيقة الخارجية، وتميز آنا فرويد آواليات الدفاع التي تنشأ من الشعور بالذنب والتي تكون بسبب الخوف من العالم الخارجي ومن قوة الغرائز ومن الصراع بين الغرائز.