أكد الدكتور محمود بودران أخصائي في الأمراض العقلية، أمس، أن المدرسة في حد ذاتها بنظامها التربوي والقائمين على تسييرها وكذا الأساتذة، تعد أداة لتفشي ظاهرة العنف بالوسط التربوي. وأشار محمود بودران على هامش الملتقى المنظم من طرف مديرية التربية بتيزي وزو بعنوان “مكافحة العنف في الوسط التربوي"، إلى أن العنف بالوسط المدرسي أضحى بمثابة ظاهرة جد خطيرة نظرا للأرقام التي يتم إحصاؤها سنويا، والتي تشهد ارتفاعا مستمرا، - حسبه- استنادا على الحصيلة التي قدمها المجلس الوطني للثانويات الذي كشف في دراسته المنجزة منذ بداية السنة الجارية إلى غاية شهر مارس الماضي، عن تسجيل 3000 حالة عنف بداخل المؤسسات التربوية، مضيفا في مداخلته بعنوان “أصول العنف التربوي" أن هذه الظاهرة المطروحة جد معقدة نظرا لتعدد الأسباب المؤدية إلى حدوثها، منها المتعلقة بالمحيط الخارجي المتمثل في المجتمع والعائلة، ومنها المرتبطة بالمحيط الداخلي للمؤسسة، حيث قال في هذا الصدد بأن المدرسة بحد ذاتها كهيئة إدارية وببرنامجها التعليمي المعتمد إضافة إلى الأساتذة، تعد من بين أكثر الأسباب المؤدية إلى انتشار ظاهرة العنف المدرسي سواء كان جسديا أو معنويا على حد سواء، وذلك لعدة عوامل حصرها أساسا في عدم استيعاب المؤسسات التربوية بالشكل اللازم للإصلاحات التي شهدتها المنظومة التربوية وجعلت التلميذ في نظر الأستاذ طفلا مستهلكا دون منحه حرية التعبير وكذا الإبداع التي تبقى كمكبوتات داخلية في نفسيته يترجمها مع مرور الوقت في ممارسات وسلوكات عنيفة سواء مع زملائه أو مع الأستاذ. كما أوضح أن نقص التكوين والتأطير لدى الأساتذة بسبب نمط التوظيف المعتمد عليه من طرف المؤسسات التربوية وعدم نجاعته في غالب الأحيان يؤدي إلى ظهور ما يسمى بمشكل احتقار التلميذ من طرف معلمه الذي يعطي دائما الأولوية لما يتكبده من مشاكل بسبب عنف التلميذ والاهتمام بنفسه دون التطرق إلى التلميذ ومحاولة معرفة الأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الفعل ومن ثم معالجته ومساعدته على التخلص من سلوكه غير العادي. وأضاف نفس المتحدث أن إدارة المدرسة في مجال تطبيقها للقانون الداخلي للمؤسسة قد تتسبب في حدوث ظاهرة العنف، وذلك على حد تعبيره من منطلق أن هذه الهيئة في بعض الحالات وأثناء تطبيقها القانون لا تكون دائمة صائبة وبالشكل الذي ينصف طرفي النزاع سواء كان الأمر بين التلاميذ أو بين المتمدرس والأستاذ، حيث أن شعور التلميذ بالظلم يدفعه إلى ترجمة ذلك في سلوكات عنيفة. هذا، وتطرق أيضا الدكتور بودران إلى مشكلة اكتظاظ الأقسام التي تؤدي إلى حدوث مشاكل بين التلاميذ للفوارق المسجلة في مستواهم التعليمي لكثرة عددهم ما ينتج عنه خلاف بين التلميذ النجيب والفاشل الذي يكرس في ممارسات فردية كالشجار والسب والشتم، مضيفا في السياق ذاته، بأن التركيبة النفسية والعقلية كذلك للتلميذ التي يستمدها من الأسرة والمجتمع تساهمان في تفشي الظاهرة، حيث أكد أن هناك علاقة جدلية بين المجتمع والأسرة، فكلما كان دور كل طرف إيجابيا، كلما تقلصت أرقام الظاهرة والعكس صحيح. وفي نهاية الملتقى، خرج الأخصائيون المشاركون في فعاليته بعدة توصيات تهدف في طياتها إلى التقليل من نسب ظاهرة العنف في المحيط المدرسي على غرار تجسيد لغة حوار بين التلميذ والأستاذ، والحد من القطيعة بينهما مع تجسيد برنامج تكويني للمعلمين بهدف اكتساب قدرات للتحكم في سلوكات الطفل عن طريق معرفة طبيعته الأخلاقية وحالته النفسية، إلى جانب فتح خلايا استماع على مستوى المدارس مشكلة من أخصائيين في علم النفس للاهتمام بانشغالات التلميذ ومعالجتها وفقا لتطلعاته، وكذا توسيع حيز النشاطات الثقافية والترفيهية والرياضية في البرنامج المدرسي وجعلها فضاء يسمح للتلميذ بالتقليل من درجة القلق النفسي والضغط الممارس عليه.