لا أحد يمكن أن يقول إن مصير مصر سيتحدد من خلال الصراع المقبل غدا، الثلاثين من جوان الحالي، انما يمكن القول بالتأكيد ان الصراع المقبل سيحدد مصير "الإخوان المسلمين". مصر باقية حتى لو لحقت بها هزيمة في الصراع ضد سلطة "الإخوان المسلمين". كم خاضت مصر من حروب وكم لحقت بها من هزائم ولكنها بقيت وانتصرت؟ أما "الإخوان المسلمون" فإنهم يخوضون أول صراع لهم في السلطة. قبل ذلك كانت صراعاتهم من أجل البقاء.. البقاء فحسب. الصراع المقبل بين مصر وسلطة "الإخوان المسلمين" هو صراع بين الثورة والثورة المضادة إذا أردنا اختصار التسميات. ذلك أن ثورة "25 يناير" 2011 تخوض هذا الصراع بجماهيرها التي تشكل أغلبية ساحقة من المصريين من أجل تأكيد وجودها ضد جماعة "الإخوان» التي استولت على السلطة في مثل هذا الوقت من العام الماضي وبرهنت خلال هذا العام الذي انقضى أنها هي الثورة المضادة. وفي تاريخ الثورات على مدى العالم كله، فإن الثورات تتعرض لما تعرضت له ثورة مصر على يد الثورة المضادة. قد يتحول الصراع المقبل بين الثورة المصرية والثورة المضادة إلى صراع مسلح أو إلى حرب أهلية، ستكون الأولى في التاريخ المصري الحديث كله، ولكن على الرغم من اقتراب موعد "30 جوان" الذي حددته الثورة بنفسها لانطلاقة جديدة لها، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يجزم بأن هذا الصراع سيتحول إلى صراع مسلح أو الى حرب أهلية. مع ذلك، فثمة ظواهر عديدة تحمل على الاعتقاد بأن الثورة المضادة هي التي ستقدم، إن استطاعت، على حمل السلاح ضد الجماهير السلمية غير المسلحة. ذلك أن "الإخوان المسلمين" تنظيم مسلح منذ سنواته الأولى. ويتحول إلى ميليشيات عند الضرورة. والدلائل تشير إلى أن جماعة "الإخوان المسلمين" مستميتة للاحتفاظ بالسلطة. ولهذا يميل كثيرون من المراقبين إلى الاعتقاد بأن "الإخوان" سيحملون السلاح ضد الجماهير المصرية في يوم "30 يونيو" أو بعده. ذلك هو في تقدير خبرائهم، السبيل الوحيد الى السيطرة على السلطة والاحتفاظ بها. فإلى اين تصل مثل هذه التطورات وهل تستطيع جماعة "الاخوان" أن تضمن الاحتفاظ بالسلطة بقوة السلاح؟ ليست هناك إجابة على مثل هذا السؤال إلا الإجابة القائلة: بعض الوقت. باستطاعة "الإخوان المسلمين" أن يحتفظوا بالسلطة بقوة السلاح لبعض الوقت، وما بعد ذلك متروك لارادة الجماهير التي لن تسكت على ممارسة الحكم عليها بقوة السلاح، حتى لو كان ذلك مشفوعا بمحاولة الاستناد إلى قوة الدين وحججه في مواجهة شعب يوصف بل ويصف نفسه بأنه شعب متدين. إن الدعوة التي أطلقها ثوار مصر بجعل يوم "30 يونيو" يوما لإسقاط نظام حكم "الاخوان المسلمين"، بما في ذلك رئاسة محمد مرسي، هي دعوة لاستعادة الجماهير المصرية سيطرتها على الثورة. دعوة لاستعادة سلطة الثورة من ايدي الثورة المضادة. هذا لأن الثورة المصرية لا تزال قائمة على الرغم من استيلاء "الاخوان المسلمين" - بالخداع والمناورة وحتى الكذب والتزوير، على السلطة، في ظرف التزم فيه الجيش المصري الحياد بين الثورة والثورة المضادة، لأسباب ليست واضحة بما فيه الكفاية حتى اللحظة الراهنة. هذا ما تؤكده حركة الجماهير المصرية في شوارع المدن منذ ان بدا بوضوح ان هذه الجماهير لا يمكن ان تقبل رئاسة مرسي لأنه، اولا، اثبت تبعيته لقيادات تنظيم "الاخوان المسلمين" في كل ما يصدر من قرارات وما يعبر عنه من آراء. وبالنسبة لجماهير الثورة فإن قرار محاكمة مرسي، بعد عزله على ما ارتكب من أخطاء وخطايا بحق الشعب المصري والثورة المصرية، هو قرار مؤجل إلى ما بعد قيام السلطة المؤقتة التي ستتسلم الحكم بسقوط مرسي والحكومة التي عينها ولم تستطع أن تثبت قدرتها على الحكم بأي حال. الدلائل تشير إلى أن رد فعل الشعب المصري على نجاح ثورته في مرحلتها الثانية يؤيد هذه المحاكمة ويؤيد عقاب مرسي وأعوانه. لكن الامر الذي يحتم معاقبة مرسي ويجعلها خطوة مؤكدة بعد سقوطه هو لجوء تنظيم "الاخوان المسلمين" إلى السلاح وبالتالي سقوط شهداء من الجماهير المصرية بهذا السلاح قبل إنزال الهزيمة بهذا التنظيم على أيدي الجماهير الثورية المصرية. قد لا يمكن الحكم بانتصار استعادة الثورة خلال ايام من يوم "30 يونيو"، ولكن الأمر المؤكد أنه اذا لم تنتصر هذه الحركة فإنها لا تموت، لا تنتهي، إنما تتراجع بانتظار لحظة الانطلاق من جديد. وسيكون حكم "الاخوان" خلال الفترة المقبلة، اذا استمر أسابيع أو شهوراً بمثابة انتكاسة أخرى للثورة، ولكنها انتكاسة مؤقتة لا تلبث أن تنطفئ في ضوء تحرك ثوري جماهيري جديد. وسيكشف حكم "الإخوان" خلال هذه الأسابيع أو الشهور المزيد من عوراته من خلال مزيد من الأخطاء والانتكاسات التي لا يستطيعون الإفلات منها بأي حال. * نقلا عن "السفير" اللبنانية - سمير كرم