ساد، أمس الإثنين، نقاش محتدم خلال اجتماع لعدد من ناشري الصحف الناشئة وممثليها احتضنه فضاء بلاصتي بمقر "الجزائر نيوز"، عندما تطرق الحاضرون بحماسة شديدة لعدد من المسائل التي لاتزال تعيق نمو الصحف الناشئة، على غرار فوضى التوزيع والغموض السائد في مجال الإشهار التجاري، وسط ما اعتبروه "هجوما" غير مبرر من جانب "لوبي" الصحف القديمة التي أنشئت في بداية التسعينيات بخصوص ما تعتبره: استفادة من إشهار عمومي وفق "معايير غير تجارية". ضم هذا الاجتماع، الذي ترأسه مدير جريدة الأحداث الإعلامي المخضرم، العيد بسي، أكثر من 20 من مدراء ومدراء نشر ومسؤولين ممثلين عن الجرائد، بعضها ناطق بالعربية وأخرى بالفرنسية، على غرار بشير شريف مدير جريدة "لاتريبون"، حدة حزام مديرة جريدة "الفجر"، ونبيه بوجمعة مدير قناة "الهڤار" وعدة جرائد من بينها يومية "المستقبل"، وأحمد درويش مدير جريدة "الجزائر الجديدة"، فضلا عن احميدة عياشي مدير"الجزائر نيوز". وبدا كأن "الهجوم" الذي شنه مؤخرا ما يطلق عليه "لوبي" الصحف القديمة الواسعة الانتشار، على طريقة منح الإشهار العمومي من طرف المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار لفائدة الصحف الناشئة، كان "فتيلا" أشعل النقاش الذي انصب على مسائل تعتبر في غاية الحساسية مثل فوضى التوزيع السائدة، والموسومة - حسب كثير من الناشرين - ب"الاحتكار والتمييز" لدى موزعي الصحف، فضلا عن المسائل المتعلقة بالإشهار، حيث أكد أحد الناشرين، في سياق دفاعه عن الاستفادة من الإشهار العمومي، أن الأمر يبدو منطقيا من ناحية أن غالبية الإشهار التجاري تذهب حاليا نحو القطاع السمعي البصري، وأن متعاملي الهاتف النقال الخواص لم يعودوا يمنحون الإشهار كما كانوا يفعلون في السابق وحصروا منحه للجرائد واسعة الانتشار، فضلا عن كون متعاملين خواص في مجالات أخرى يمنحون هم أيضا إشهارهم التجاري بصفة احتكارية للصحف الواسعة الانتشار، حيث أعطى مثالا بكون أحد متعاملي صناعة وبيع السيارات الفرنسية يمنح إشهارا يقدر سنويا ب 7 ملايين أورو، دون أن يعرف أحد المعايير المطبقة في منحه لهذه الصحف دون غيرها. ولم يتردد بشير شريف، مدير جريدة "لاتريبون" الناطقة بالفرنسية، عن وصف مجموعة الصحف القديمة ب "اللوبي" الحقيقي، مشيرا إلى كون الوصف الذي تطلقه هذه الأخيرة على مسؤولي الجرائد الناشئة التي تتلقى الإشهار العمومي، بكونهم "خدمة بوتفليقة" هو أمر - كما قال - غير صحيح، مضيفا بوجود أكثر من 100 جريدة في المشهد الإعلامي، 80 بالمائة منها تعاني من مشاكل، فضلا عن كون هذا العدد من الجرائد يضم حوالي 5 آلاف صحفي، وفق أرقام وزارة الاتصال، ما يجعل - حسبه - حوالي 4500 صحفي على الأقل معنيين بالموضوع وبأهمية الانخراط في مسعى يهدف إلى الدفاع عن المهنة ككل. واعتبر احميدة عياشي، مسير ومدير "الجزائر نيوز"، أن دعم الدولة للجرائد الناشئة هو مسألة موجودة في أكثر الدول ليبرالية وديمقراطية، ولكن "وفق آليات"، قبل أن يضيف أنه "لابد أيضا من أخلقة القطاع حتى لا يكون بيتنا من زجاج، وذلك من خلال منع الدخلاء من ولوجه والعمل في غماره، وكذا التفكير من جديد في المجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة". أما حدة حزام، مديرة جريدة "الفجر"، فقد أبدت امتعاضها من التجارب السابقة في مجال مبادرات إنشاء هيئات تجمع الناشرين، قبل أن تضيف بكون "الناشرين ليس لهم جميعا نفس المشاكل، وبعضهم يتحدث عن كونه لديه معارف قوية من دون البعض الآخر"، كما أشارت إليه. وتخللت النقاش قضايا أكثر تحديدا، تشمل في جوانب منها إحصاء المشاكل ذات الطابع الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية، وضرورة الابتعاد عن لغة "الاستثناءات والاتهامات" من أجل جذب أكبر عدد من الناشرين، فضلا عن عدم حصر الأهداف في الدفاع عن مصالح الناشرين، ولكن عن المهنة عموما باعتبارها تضم "الصحفيين الذين يشكلون جزءا مهما من المعادلة"، وفق ما أكده أحد الناشرين.. إلا أن النقاش استقر، في مرحلة من المراحل، على رأيين اثنين متجاذبين تقريبا.. بين من أراد أن يجعل من اللقاء تعارفيا وانطلاقة نحو لقاءات أخرى يتم الاتفاق بشأنها، وتشكيل لجنة تنسيق مؤقتة تتكفل بالاقتراحات ريثما يتم تقديمها وجعلها أرضية الانطلاق نحو خطوات أخرى أكثر فعالية خلال هذه اللقاءات المرتقبة، وبين من أراد أن يتم الإعلان عن هيئة تجمع ناشري الصحف الناشئة في انتظار التحاق ناشرين آخرين بها، بعد أن يتم إشراكهم في وقت لاحق ضمن هذا المسعى، كما هو الشأن بالنسبة للرأي الذي أبداه نبيه بوجمعة، مدير قناة "الهڤار" وجرائد أخرى في نفس الوقت، الذي أراد اتخاذ خطوة عملية في هذا الاتجاه من باب أن "القضية الجوهرية هي إيجاد هيئة وإطار على اعتبار أن جريدة لا تستطيع لوحدها إيصال صوتها". غير أن بشير شريف، مدير جريدة "لاتريبون"، أكد على عدم التسرع في الموضوع بحكم "تجاربه السابقة" في العمل على إنشاء مثل هذه الهيئات، وشدد على أن يسبق إنشاء أي هيئة تجمع مسؤولي الصحف الناشئة، عدة لقاءات وتقديم اقتراحات شاملة وملموسة، فضلا عن القيام بعمل تجاه الناشرين الآخرين من أجل إشراكهم وضمهم لهذا المسعى. وفي الأخير تم الاتفاق على عقد اجتماع مماثل ثان، في نفس المكان، يوم الأحد القادم، مع تشكيل لجنة تنسيق مؤقتة أطلق عليها اسم "اللجنة التقنية" تضم ثلاثة ناشرين هم احميدة عياشي مسير ومدير "الجزائر نيوز"، نبيه بوجمعة مدير قناة "الهڤار" وعدد من الجرائد الأخرى، بالإضافة إلى عزيري عبد الرؤوف مدير نشر جريدة "المسار العربي". وينتظر إلى غاية تاريخ عقد الاجتماع المقبل، الاتصال بناشرين آخرين، والقدوم باقتراحات تشكل أساس أرضية انطلاقة حقيقية، حيث أكد احميدة عياشي أن هذه الاتصالات ستشمل أيضا القطاع الإعلامي العمومي و"زملاء" في مختلف جهات التراب الوطني.