قال عمرو الوكيل منسق "تحالف ثوار مصر" إن الجناح الأكثر تشددا في السلطة قد تمكن من فرض رأيه وتغليب الحل الأمني في فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، مدعوما بجبهة التحريض المتمركزة داخل السلطة المؤقتة و وسائل الإعلام، مؤكدا: أن تحالفه دعا منذ فترة طويلة إلى تغليب العقل ولغة الحوار عوض الحل الأمني إلا أنه لم يجد آذانا صاغية، وحمّل الوكيل في حوار مع "الجزائر نيوز" هذا الجناح داخل السلطة، وقيادات الإخوان التي حرضت على العنف مسؤولية كل ما جرى يوم الأربعاء الماضي. كما دعا الرئيس المؤقت عدلي منصور إلى عدم الموافقة على استقالة الدكتور محمد البرادعي. نائب الرئيس والمكلف بالعلاقات الخارجية. المشهد مؤسف ودام، وهو ما ظللنا نحذر منه كتحالف ثوار مصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو، ونحاول التواصل مع كل الأطراف المعنية من أجل "تغليب لغة العقل والحوار" عوض تبني "الحل الأمني" في فض الاعتصامات. وكنا على تواصل مع "شباب الإخوان" الذين عملنا معهم منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكذلك قيادات كبرى في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومسؤولين حكوميين. لكن كما بدا واضحا أن الجناح الأكثر تشددا في السلطة قد تمكن أخيرا من فرض رأيه المتمثل في تغليب الحل الأمني، مدعوماً بجبهة واسعة دليل السلطة ووسائل الإعلام التي ظلت تضغط في اتجاه إنهاء الأمر بالشكل الذي بدا عليه الأربعاء ولا زلنا ندفع ضريبة تداعياته حتى اليوم. كما نجحت قيادات الإخوان المسلمين في "التحريض على العنف" ورفض جميع المبادرات المحلية والدولية "التي سعت لتجنيب البلاد تداعيات هكذا حلول". وها نحن الآن في لحظة نتابع ارتفاع حصيلة القتلى، وحصيلة الفوضى والانفلات الأمني الذي تمثل في حرق مقرات المحافظات والكنائس والمتاحف وأقسام الشرطة، حيث يبدو أن جماعة الإخوان قد قررت حرق مصر كرد على فض الاعتصام ووقوع ضحايا أكثر، تألمنا لموتهم وسعينا لتجنيب المجتمع المصري هذه الكارثة الإنسانية. كما ذكرت لك كنا على تواصل مع كل الأطراف نحاول تجنيب البلاد مزيدا من الدماء، كنا نتحدث مع القيادات الشبابية في الإخوان المسلمين، ونحذرهم من الاستمرار في نهج التحريض، وضرورة إيجاد حلول سياسية، عبر الحوار الوطني الشامل. لكن تلك القيادات لم تكن مؤثرة داخل الجماعة حيث صوت التحريض كان أعلى بكثير من صوت العقل. ولذلك رفضت الجماعة جميع المبادرات الوطنية والأجنبية، حيث لم يكن الأخوان أو قياداتهم في الصف الأول مستعدين للسماع لأي صوت. وهناك مبادرات من شخصيات مقربة من الإخوان ومحسوبة عليهم، كمبادرة الدكتور محمد سليم العوا، وكذلك من التيار السلفي كمبادرة حزب النور، وكانت هناك جهود إقليمية ودولية للتقريب بين وجهات النظر المختلفة طوال الشهريين الماضيين، إلا أن كل تلك المبادرات جوبهت برفض قاطع من قيادات "الجماعة" التي لا تسمع إلا لنفسها، ولا تشاهد إلا قناة واحدة، ولا تؤمن إلا بفرضية واحدة متمثلة في أن الجميع تآمر ضد الجماعة والإسلام واشترك فيما تسميه انقلابا عسكريا، هذه القيادات لا تريد أن تقتنع أن الشعب المصري انتفض بالملايين ضد حكمها الذي نحى بشكل واضح نحو الاستبداد والإجهاز على مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير. بل إنها (تلك القيادات) ليس لديها أدنى مشكلة في تحويل مصر إلى السيناريو السوري، عبر دعواتها المتكررة لانشقاقات داخل الجيش المصري وتشكيل "جيش حر" مواز، وعزفت طويلاً على وتر هذه الانشقاقات المتخيلة، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية كل ما حدث وما أريق من دماء، وما تبع ذلك من أحداث عنيفة، ولا أعرف كيف لم تتمكن وزارة الداخلية من إيقاف هذه القيادات حتى الآن. في الواقع لابد من الاعتراف أن الأزمة اليوم تعقدت بشكل لا يمكن تصور حلحلتها بيسر وسلاسة، أمام إنكار الجماعة لكل ما حدث في مصر منذ تاريخ الثلاثين من جوان، ومع نزيف الدم لا يمكن تصور حلول سريعة وعاجلة لهذه الأزمة التي قد يطول أمدها آكثر مما تصور أي طرف. خاصة وأنها تتعلق بأزمة فقدان الثقة، وهذه تتطلب جهدا طويلا للخروج من دائرتها المغلقة. فلو لاحظت معي أن "الإخوان" وبالرغم من علاقاتهم المتميزة مع دولة قطر فإنهم لم يستمعوا لها أيضاً. لأنهم لا يريدون الاعتراف بأن الشعب ثار ضدهم. وراهنوا على المواقف الغربية وخاصة الولاياتالمتحدة التي أضحت مرفوضة أضعافا مضاعفة في الشارع المصري سيما بعد محاولاتها للضغط على الحكومة المؤقتة من أجل عودة الإخوان للسلطة. هناك أيضاً محاولة أوربية تتمثل في سعي الدكتورة كاترين آشتون التي كما يبدو أنها تتمتع بعلاقة مميزة مع جماعة الإخوان، والتي نجحت في وقت سابق (أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي)، وتحديدا عند نشوب أزمة الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012. حيث التقت مرسي وأقنعته بتعديل حكومي، وبعد أن كان رافضا لمطالب الملايين التي خرجت للشارع، تمكنت زيارة آشتون من تغيير موقفه، حيث خرجت من زيارته وفور عودتها لبروكسل أعلنت عن اتفاقها مع مرسي على "التعديل الحكومي" وتصور معي أن يعلن مسؤول أروبي عن أمر سيادي كتعديل الحكومة قبل الرئيس مرسي الذي رفض هذا المطلب الذي رفعه ملايين المصريين أمام قصر الاتحادية، قد تكون المحاولة الأوربية هي الآكثر قدرة على ضمان المخارج. آشتون لم تكن تحمل مبادرة محددة أو معلنة الأجندة، يبدو أنها كانت تحاول استكشاف المواقف، واستمرار جهودها قد يكون مفيدا لأنها الوحيدة التي تتمتع بثقة لدى الإخوان المسلمين وقياداتهم، أمام علامات استفهام كبيرة تحاصر المبادرات الأخرى، سواء تلك التي يرفضها الإخوان جملة وتفصيلاً أو تلك المرتبطة بدول محددة تسعى إلى إطالة أمد الأزمة، لأهداف لا تخفى على أحد، كقطر والولاياتالمتحدةالأمريكية. شبح التدويل ظل قائما من وقت طويل، بل ظل مطلب "جماعة الإخوان" نفسها والتي ما فتئت منصتها الرئيسية في ميدان رابعة العدوية، تكف عن الدعوة للتدخل الدولي في مصر من أجل إعادة مرسي للحكم ! بل إن الخطاب في المنصة يتم إلقاؤه بلغات عدة لإسماع العالم ودعوته للتدخل، فضلا عن الرسائل التي تم الكشف عنها بين عدة دول وقيادات جماعة الإخوان، وجميع تلك الرسائل تدعوا لتطويل الأزمة في حين ترفض كل المبادرات الوطنية للحل. كما أن هناك تطورات كبيرة حدثت بعد فض الاعتصام على المستوى الدولي منها استدعاء كل من فرنسا وألمانيا لسفيري مصر ببلدانهم. وخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وسعي مجلس الأمن لعقد جلسة خاصة بمصر، كل هذه الخطوات بالفعل تؤكد سير الأمر نحو "التدويل"، كما ساهمت استقالة نائب الرئيس الدكتور محمد البرادعي في هذا الشأن لما يتمتع به من سمعة دولية كبيرة. أولا: دعنا نتفق أن الدكتور محمد البرادعي يمثل أحد رموز وأيقونات الثورة المصرية بموجتيها (25يناير و30 يونيه) وأنه يتمتع بسمعة دولية واسعة وتأثير كبير حول العالم ووجوده في هذا الموقع يمثل لمصر قيمة وإضافة حقيقية، واستقالته تخصم من هذه القيمة والمكسب. ونحن في تحالف ثوار مصر نكن للرجل كل تقدير واحترام ولا نشك أبدا في وطنيته وذكائه، لكن اختلفنا معه في توقيت الاستقالة لأن ذلك قد يؤثر على مصر في هذه المرحلة على الأقل على المستوى الدولي ويعطي إشارات سالبة بشأن ثورة الثلاثين من يونيه. ثانيا: الدكتور البرادعي ظل يواجه حربا شرسة منذ عودته إلى مصر في ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. واستمرت ذات الحملة إلى الآن، سواء من قبل فلول النظام السابق أو جماعة الإخوان المسلمين على حد سواء، ونحن نتفهم موقفه الرافض للفض بالقوة، ونفهم أيضاً أنه ظل خط السد الأول في السلطة ضد أي عنف مفرط في التعامل مع أي مظاهرات واعتصامات رغم علمه المسبق أنها غير سلمية، لكن مبادئ الرجل ومواقفه تمنعه من التعامل بالقوة وهذا يتسق مع شخصيته ونضاله، لكن ما توحي به استقالته أن الجناح الفلولي داخل السلطة انتصر على إرادة الدكتور البرادعي الذي يمثل قيم ثورة يناير داخل مؤسسة الرئاسة والسلطة ! لذلك بعثنا برسالة إلى البرادعي ندعوه للعدول عن الاستقالة والاستمرار في نضاله ضد هذا التيار داخل السلطة والإعلام، كما دعونا الرئيس عدلي منصور لرفض الاستقالة. يعني أن هناك شخصية نافذة في السلطة تمثل قيم ومكتسبات ثورة يناير، ويعني إمكانية الحفاظ على اللحمة الوطنية في وجه دعاة الحل الأمني والإقصاء، ويعني أيضاً مواجهة إمكانية العودة إلى نظام مبارك خاصة وأن هناك مخاوف حقيقية من تسرب الكثير من الشخصيات والسلوكيات المنتمية إلى ذلك العهد نحو السلطة من جديد، ونحن لاحظنا أجهزة كاملة ظلت تعمل بكل قوة ضد إرادة الدكتور البرادعي وما يمثله من قيم ثورية وسياسية خلال الشهرين الماضيين. الجيش أمامه مهام كثيرة منها حماية الدولة وضمان بقائها، وهو صمام أمان للشعب المصري، والمؤسسة الوطنية الوحيدة المتبقية للمصريين، التي تمثل قيم الوطنية المصرية بمفهومها الواسع، ودوره في هذه المرحلة هو ضمان الانتقال السلس للمسار الديمقراطي ثم العودة للثكنات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمان السنة القادمة، عبر تسليم السلطة للمدنيين المنتخبين. ليس هناك أي ضمان أكثر من الشعب المصري الذي فرض إرادته وأوصلت لها القوات المسلحة المصرية، حين لبت نداء الملايين، والضمان هو الشارع الثوري الذي لن يصمت في حال حدوث أي انحراف، الضمان هو إقامة نظام وطني ديمقراطي يبنى على التوافق وعلى بنية دستورية وسياسية سليمة، حينها سيحدد الدستور للجيش حدوده ومهامه الدستورية ، كما سيحدد للسلطات الثلاث حدودها ومهامها، هذه هي الضمانات الحقيقية لتجنب أي عسكرة للمشهد السياسي المصري. بالنسبة لجماعة الإخوان في اعتقادي عليها إجراء مراجعات فكرية وسياسية عميقة حتى تندمج في الحياة السياسية من جديد، على أن يسبق ذلك محاكمة ومساءلة كل القيادات المتورطة في العنف وفي إجهاض التجربة الديمقراطية المصرية، وأنا واثق أن هناك قيادات شبابية داخل الجماعة بإمكانها قراءة التجربة بعمق وإجراء مراجعات عميقة والخروج باستخلاصات مهمة تسمح لها بالاندماج في الحياة السياسية من جديد، فنحن ضد إقصاء أي فصيل سياسي، على أن لا يعمل خارج القانون المصري وأن لا تكون له ارتباطات خارجية مشبوهة وأن لا يمثل إرادة آخرين (أجانب) داخل المجتمع المصري، وذلك رغم مطالبتنا كتحالف ثوار مصر بعدم خلط الدين بالسياسة، وأن لا تكون هناك أي أحزاب قائمة على أسس دينية أو عرقية بأي شكل من الأشكال، لكن قد نقبل بوجودها في الفترة الحالية، ضمانا للانتقال السلس نحو المسار الديمقراطي، لكن قبل ذلك ينبغي على جماعة الإخوان تسوية وضعها القانوني فهي جماعة تنشط خارج القانون وليس لها صفة قانونية.