هي طيبة وطابة وهي الدار، هذه بعض أسماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما الدار فلأمنها والاستقرار بها، وأما طابة وطيبة فمن الطيب، وهو الرائحة الحسنة، فهي آمنة مستقرة وهي طيبة العيش حسنة المسكن، وهي دار هجرته وموطن ولايته، منها انتشر النور فعم الدنيا وجلل أركانها، أحبها النبي صلى الله عليه وسلم وأحبها أصحابه من المهاجرين والأنصار فغدا حبها دما يجري في دمائهم، ونفسا يتردد مع أنفاسهم ، اختصها الله عز وجل بفضائل من عنده، ومزايا من فضله فهي في الدنيا أفضل البقاع بعد مكة كرمها الله وشرفها، فمن فضائلها: 1- أنها دار هجرته صلى الله عليه وسلم وأصحابه: فهي الحاضن الأول والمستقبل الأوحد حينذاك، إذ أعرض عنه صلى الله عليه وسلم العرب قاطبة فجاء أهل المدينة فكانوا خير مستضيف لخير ضيف، فعرف الله لهم فضلهم، وبين في كتابه شأنهم، وغدت المدينة بفضل الله ومنِّه أفضل البقاع بعد مكة حرسها الله. 2- هي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاد : كيف لا وقد آوته ونصره أهلها فأحبها وأحبهم، بل وأحب جبالها وآطامها ، ففي صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام دعا ربه قائلا: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد)، وقال في جبل أحد: (هذا جبل يحبنا ونحبه) فأي حب هذا الذي غمر النبي صلى الله عليه فغدا يصرح به ولا يكتمه، أما حبه لأهلها فقد بلغ مبلغا عظيما، حتى صرح بمكنونه لهم فقال: (لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً، لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار). 3- أنها حرام بحرمة الله ورسوله إلى يوم الدين: فهي ليست كسائر البقاع بل لها من التعظيم والحرمة ما يقرب ما لمكة من ذلك ، ولئن حرم إبراهيم عليه السلام مكة فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فقد دعا عليه الصلاة والسلام ربه فقال: (اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها) رواه البخاري. واللابتان الحرتان وهي الأرض التي تغطيها الحجارة السوداء، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما. 4- من فضائل المدينة النبوية وجود مسجده صلى الله عليه وسلم ، وهو أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، لذلك كانت الصلاة فيه مضاعفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) متفق عليه، ويختص المسجد النبوي أيضا باستحباب شدّ الرحال إليه كما جاء في الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى) متفق عليه . 5- الروضة الشريفة: وهذه فضيلة أخرى للمدينة النبوية، وهي وجود الروضة الشريفة، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها أنها روضة من رياض الجنة ، قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة). 6- مسجد قباء: وهو أحد فضائل المدينة، ويختص بأن من أتاه فصلى فيه كانت له كعمرة، لما رواه النسائي عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى فيه كان له عدل عمرة) وفي سنن الترمذي عن أسيد بن ظهير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الصلاة في مسجد قباء كعمرة). 7- فضيلة العيش فيها، وتفضيلها عما سواها من البلاد بأحاديث صحاح ثابتة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تفتح اليمن فيأتي قوم يُبِسون - أي يزينون لهم البلاد ويحببونها إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها- فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يُبِسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يُبِسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) متفق عليه. بل حث صلى الله عليه وسلم على ملازمة العيش فيها حتى الموت، فقال عليه الصلاة والسلام: (من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها) رواه الترمذي، وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصبر على لأوائها، وألا تمنع المسلم شدتها من البقاء فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة) وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شديد التعلق بها حتى كان يدعو الله أن يجعل موته فيها، فكان من دعائه "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك" فاستجاب الله دعاءه. 8- بركة طعامها: فهي أرض مباركة، بارك الله في أقواتها وأرزاقها ومدها وثمرها، بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها، ففي صحيح مسلم أن الناس كانوا إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا أخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه)، فأي عيش طيب وأي مسكن هني، أطيب من عيش المدينة ومسكنها، وقد دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء المبارك؟. 9- مصانة من الطاعون والدجال: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) متفق عليه. والأنقاب هي الطرق والمسالك، وفي هذا الحديث فضل كبير للمدينة أنه لا يدخلها الدجال وهو رأس كل فتنة، ولا الطاعون وهو المرضُ العامُّ والوَباء الذي يُفْسِد الهواء فتفسُدُ به الأمْزِجَة والأبْدان، فالمدينة محفوظة بحفظ الله من أعظم الفتن في الدين وهو الدجال، ومن أعظم الأدواء في الأبدان وهو الطاعون نسأل الله السلامة والعافية. 10- المدينة تنفي خبثها: فعن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام فجاء من الغد محموما، فقال: أقلني فأبى ثلاث مرار، فقال: (المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها) رواه البخاري. وعن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها طيبة يعني المدينة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة) رواه مسلم. 11- مأوى الإيمان ومأرزه: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الإيمان ليَأْرِِزُ إلى المدينة كما تَأْرِزُ الحية إلى جحرها) متفق عليه. ومعنى يأرز أي: ينضم إليها ويجتمع فيها. 12- القبر الشريف: وهو مما ضمته المدينة النبوية، على صاحبها صلوات الله وسلامه الدائمين الشاملين، فينبغي لمن قصد مسجده بالزيارة أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضوان الله عليهما، وقد بينا ذلك في مقال آداب زيارة المسجد النبوي. هذه هي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك هي فضائلها، فلا عجب إذاً أن تكون لهذه البقعة المباركة مكانة في النفوس ليست لغيرها من المواطن.