الحالة الجدالية التي أثارتها الحلقة الأولى من برنامج الإعلامي المصري اللامع باسم يوسف، في موسمه الثالث، تشير بشكل واضح إلى الوضع النفسي والسياسي الذي وصل إليه الشارع المصري، جراء حالات الاستقطاب الحاد وغير المسبوق الذي يتعرض له ليلا نهارا، لاسيما بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت أحداث الثلاثين من جوان والثالث من جويلية الماضيين. باسم يوسف، الذي ظل يعتبره الكثير من المصريين (لاسيما من أنصار الأحزاب المدنية أوغير المنضمين لأي حزب سياسي) بمثابة الأيقونة التي حطمت أسطورة "حكم الإخوان" في عز تمكنهم من السلطة، ثم ساهمت بشكل جوهري في التحريض على سلطتهم من خلال تقديم نماذج كثيرة لحالات العجز والفشل الذي تميز به "حكم مرسي"، بل إن الكثير من الشبان الذين شاركوا في ما يسمى بثورة الثلاثين من يونيو/ جوان، كانوا بالأساس من الذين تأثروا ببرنامجه الساخر!. ولذلك فإن عودة "البرنامج" الأكثر شهرة وتأثيرا في الواقع العربي - هذه المرة - في موسمه الثالث، ظلت تمثل تحديا أو اختبارا للكثير من المتابعين لمعرفة شيئين: الأول مدى قدرة الإعلامي على تناول الوضع القائم وانتقاد القيادات وعلى رأسها السيسي، والثاني مدى تقبل الحكم القائم حاليا لمحتوى البرنامج الساخر ومدى اتساع صدره للانتقاد؟! لاسيما أنه أتى بشعارات الحرية والديمقراطية..الخ. لكن ما لم يكن في الحسبان أن ينجح برنامج تلفزيوني ساخر، (مهما كانت أهميته) في إثارة كل هذه الضجة، وفي خلط كل هذه الأوراق، وفي إشعال كل هذه الحروب، حيث فجرت الحلقة كل ما كان متوارياً عندما نجحت في توجيه سهام النقد والسخرية من النظام الحاكم ورموزه بذات طريقة تناول الاخوان ونظام حكمهم، وجعلت من الجنرال السيسي مادة للانتقاد والسخرية تماماً كمسي. وعدلي منصور ومبارك وغيرهم. لكن المثير للدهشة والعجب أن الجهات والأحزاب والمتطوعين الذين هرعوا لرفع دعاوي قضائية ضد باسم، لم يفكروا إلا في تهمة واحدة هي "الإساءة للسيسي وللجيش"، بينما البرنامج تضمن شخصيات كثيرة على الأقل من بينها "عدلي منصور" رئيس الجمهورية المؤقت!!. ذلك دون أن نتوقف طويلا لدى محطة أن "رافعي الدعاوي القضائية" هم أنفسهم الذين ظلوا يؤيدون باسم ويدافعون عنه أثناء فترة حكم مرسي، ذلك لأن النقد والسخرية كانتا موجهتين حينها لنظام يعارضونه وليس العكس..