وٌلد الدكتور شريف يشّار في اليونان من أبوّين مسلمّين، ودرس الثانوية الشرعية في معهد الفرقان بدمشق، ثم التحق بالجامعة الإسلامية، كلية الشريعة بالمدينةالمنورة. وبعدها انتقل إلى القاهرة للاستزادة في العّلم ، فدرس في الأزهر الشريف حتى حصل على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية ، وعن فترة مكوثه بالأزهر يقول أنه كان له زملاء كثر من الجزائريين. التقيت فضيلة الدكتور شريف ، هذا الألمعي الذي يتمتع بغزارة العلم ، وبذكاء حاد، وسرعة البديهة، وله أسلوبه الخاص في روح الدعابة من وقت إلى أخر، حيث مكثنا معا لأكثر من أسبوع كانت فترة كلها نقاش علمي، وكانت لنا السانحة لإجراء هذا الحوار. عند عودتكم إلى اليونان بعد الدراسة ، هل وجدتم صعوبة في التعامل مع مسلمي بلدكم ، وخاصة فيما يتعلق بالفتاوى؟ في الحقيقة نعم، لأننا تعلمنا الكثير، والحمد لله وتعبنا الكثير، إلا أننا عندما كنّا نقرأ في الكتب المسألة وفي نهايتها يكون الجواب بالجواز أو بعدمه، بفرضيته أو بحرمته، ونقبل هذا الأمر مباشرة. ولكن عندما خضنا الحياة ، وجدنا أن الأمور ليس كما كنّا نقرأها في الكتب، بل هناك من يعترض وهناك من يجادل، هنا يظهر الداعية، وهنا يحتاج إلى قراءة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حولّه. قبل الحديث مع فضيلتكم بصفة أشمل، نود أن نلقي نظرة عابرة عن اليونان، حتى تعم الفائدة؟ اليونان هي إحدى دول قارة أوروبا، وضمن دول شبه جزيرة البلقان، وهو عضو في سوق دول الأوروبية المشتركة، تبلغ مساحة أراضيها (131 ألف و944 كيلو متراً مربعاً)، والعاصمة هي مدينة "أثينا" والعملة المتداولة هي "يورو". ونظام الحكم في اليونان حالياً جمهوري، وقد انضمّت إلى الأممالمتحدة في (25) أكتوبر عام 1945 ميلادية. وعدد سكانها أكثر من (11) مليون نسمة - من بينهم أكثر من نصف مليون مسلم يعيشون في أراضي اليونان مع الجاليات الإسلامية والعربية، و مائة وخمسون ألف مسلم (150) أي واحد والنصف في المائة، من بقايا الدولة العثمانية المتمركزة في شمال اليونان. وحدود بلدنا كالتالي : يحده تركيا من الشمال الشرقي.. وبلغاريا ويوغوسلافيا السابقة من الشمال.. وألبانيا من الشمال الغربي.. ويحيط به البحر الأبيض المتوسط من الجنوب والغرب.. وبحر إيجة من الشرق. وقد عرفت اليونان الإسلام منذ وقت مبكر، في النصف الأول من القرن الهجري الأول ، وذلك عندما فتح المسلمون بعض الجزر اليونانية مثل جزيرة "رودس" وجزيرة "كريت".. ثم انتشر الإسلام في أغلب الجزر اليونانية.. وقد تأصل الوجود الإسلامي في اليونان خلال الفتح الإسلامي لشبه جزيرة البلقان.. إذ تم فتح مقدونيا في عام 782 هجرية (1380ميلادية).. ثم امتدت مسيرة الإسلام إلى وسط اليونان.. وخضع اليونانيون للحكم الإسلامي لعدة قرون.. تأسست خلالها حضارة إسلامية راقية، وشُيّدت مئات المساجد ودور التعليم والمكتبات الإسلامية.. ونشطت بها حركة التأليف في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية والإنسانية.. وظلت اليونان مقصد العلماء وطلاب العلم.. فتزايدت أعداد المسلمين حتى بلغت أكثر من 60% من إجمالي عدد السكان حتى عام 1913 ميلادية. أين يتمركز المسلمون الآن؟ في الواقع يمكن أن نقول: المسلمون منتشرون ويعيشون في جميع أراضي اليونان، من حيث العيش والسكنى، إلا أننا يمكن أن نقسمهم من جهة أخرى (من حيث الحقوق) إلى قسمين : القسم الأول: المسلمون الذين يعيشون في شمال اليونان والمعروف بتراقيا الغربية. والقسم الآخر: المسلمون الذين يعيشون ما بعد محافظة اكسانتي، كمدينة قاوالا ومدينة ثاسالونيكي وما حولها، والعاصمة أثينا وما حولها، والجزر، ومعظمهم من الجاليات العربية والإسلامية، وعدد لا بأس به من الشمال انتقلوا إليها لكسب أقواتهم. وهل هناك فرق بين القسمين ؟ نعم هم الذين لهم حقوق معاهدة لوزان العالمية للسلام والتي وقعت بين تركيا واليونان عام 1923م، وهذه الحقوق للأرض ولسكانها لا تنتقل مع أصحابها، وقد وقعت على هذه الاتفاقية كثير من دول العالم منهم: فرنسا، إيطاليا، يابان، رومانيا، انكلترا، ويبلغ عدد المسلمين الذين يسكنون فيها ما يقارب أو يتجاوز مائة وخمسون ألف مسلم. إذاً بما أنكم تعيشون في شمال اليونان حدثنا عن أحوال المسلمين هناك ؟ يجيب مازحا، وهل سيكون لنا حديث عن القسم الثاني؟ إن شاء الله ، نحدد لهم أيضاً؛ لأنهم يعيشون في اليونان وهم إخواننا أيضا ً! إذن، أبدأ بما بدأ به الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر إلى المدينةالمنورة، ووصل إليها بنى مسجده، فلنا من المساجد ما يزيد على مائتين وخمسون جامعاً، وبمثله من المدارس الابتدائية يدرس فيها الدين الإسلامي باللغة التركية، إضافة إلى تعليم القرآن الكريم، ولنا مدارسنا ما بعد الابتدائية (المتوسطة، والثانوية)، إلا أنه لا تلبي جميع طلباتنا، أما المرحلة الجامعية الإسلامية لا يوجد حتى الآن، وليست هذه الحقوق إلا لمن كان يسكن في هذه المنقطة، أما إذا هاجر عن هذه المنقطة فليس له هذه الحقوق، حتى ولو كان في اليونان ولو كان في العاصمة. هل يمكنك أن تحدثنا عن دور دار الإفتاء والقضاء في تلك المنطقة؟ أولاً ، الدين الإسلامي معترف به في الدولة كديانة، وكما هو معلوم أن المسيحية هي السائدة في الدولة، بل المذهب المسيحي الأورثودوكسي ، فالشعب اليوناني يحترم الأديان؛ لأنه يحب أن يٌحترم دينه ومٌعتقده. فمن بعض واجبات دار الإفتاء على سبيل المثال: توعية المسلمين بأمور دينهم، والنظر في الأحوال الشخصية على حسب الشريعة الإسلامية (عقد النكاح، إصلاح ذات البين، الطلاق، الوصي، النفقة، الميراث، ومسائل دينية أخرى). تعليم الأبناء العلوم الشرعية في المساجد، واختيار الأئمة من قبل أهل القرية والمدينة وتنصيبهم، والمشاركة في المناسبات الإسلامية، وتمثيل المسلمين في الأعياد القومية للدولة، وإعطاء شهادة اعتناق الإسلام للذين يهديهم الله حتى يغير اسمه ودينه في البلدية، وكذا القرارات التي تصدرها دار الإفتاء يصدق عليها المحكمة اليونانية والعدل اليوناني، و الدولة اليونانية لا تتدخل أبداً في الشؤون الإسلامية التي تقع تحت صلاحيات الدار، بل تساعد وتدافع عن القرارات إذا لزّم الأمر. وهناك أراض أوقاف في كل محافظة يشرف عليه رئيس الأوقاف والمفتي هو المشرف على رئيس الأوقاف. وهل يأخذ المسلمون حقوقهم؟ قانوناً ، المسلمون يأخذون حقوقهم، ولا يوجد ضغط ظاهري على أداء العبادات أو الآذان، فالأماكن التي لا يوجد بها غير المسلمين يؤذن فيها بمكبرات الصوت، والأماكن المختلطة يكون الصوت فيها أخف وفي المدن يكون الصوت أقل أكثر. المرأة المسلمة حرة في أن تتحجب أو لا تتحجب، والمسلمون مخيّرون في أن يأتوا إلى دار الإفتاء لقضاء أمورهم الدينية في العقود والزواج والطلاق والميراث، وبين أن يذهبوا إلى الجهات الرسمية (البلدية) في عقود النكاح والطلاق وإلى المحاكم القضائية، وإن كان في السابق ليس من حق المسلم أن يذهب إلا إلى دار الإفتاء، الا أن القانون تغيّر فساوى بين المسلم وغير المسلم في أن يذهب مباشرة إلى البلدية ، وهذا الأمر ساري لغيرالمسلمين.... ومن العادات عندنا أنه فى بداية الشهر الهجري محرم والعاشر من محرم ودخول شهور رجب وشعبان ورمضان هذه الشهور وأيام العيدين «الفطر والأضحى» وليلة القدر، هذه الأيام تكون فيها عطلة رسمية للمسلمين، والطلاب المسلمون لا يذهبون إلى المدارس في هذه الأيام، حتى وإن تصادفت مع الامتحان، يحدد يوم آخر للامتحان فيما بعد، وفي شهر رمضان يكون هناك إفطار جماعي في معظم المساجد، يجتمع بعض أهل القرية ويذهبون بالطعام إلي المسجد وإذا حضر ضيف يفطر معهم ويكثر الوعظ والإرشاد في رمضان. ومثال أخر، إذا مات من أراد أن يدخل إلى اليونان بطريق غير مشروعة، وكشفوا بأنه مسلم، تتكلف دار الإفتاء بتكفينه والصلاة عليه ودفنه. ما تقييمكم لاعتناق الإسلام في بلدكم، وما هي الخطوات التي يتبعها كل من يرغب في أن يعتنق الإسلام ؟ كما هو معلوم أن إخواننا في اليونان ينتمون إلى الديانة المسيحية وبالأخص المذهب الأورثودكسي، فهم متمسكون بدينهم ، فقليل من تجده ترك دينه واهتدى، حتى هم إذا أرادوا أن يصّفو مسلماً ملتزماً، يقولون بأنه المسلم الأورثودكسي، ولكن إذا بحث ووجد بأن الحق في الإسلام وأراد أن يغير دينه ويعتنق الإسلام، فنحن من ناحيتنا نقوم له بكل ما يتسير لدينا من الإمكانات، في شرح الدين الإسلامي وبيان حقيقته، فمثلاُ نذكر لهم بأن المسلم لا يمكن أن يكون مسلماً ، إلا إذا أمن بأن عيسى عليه السلام كان نبياً مرسلا، وأن عندنا سورة باسم أمه مريم العذراء عليه السلام.... الخ. حدثنا عن علاقتكم بالجزائريين أثناء الدراسة؟ رغم أنه معروف عن الجزائريين بأنهم عصبيين، ولكن كل من تعرفت عليه، وعاشرته وصادقته، أذكر أنه لم أر منهم مثل هذا الشيء البتة، علماً بأنهم كانوا يعترفون بأنفسهم بأن من الجزائريين من هم على هذه الصفة، وأعتقد أنهم لا يتحملون الظلم ولا يصبرون على أكل الحقوق. وهنا أذكر على سبيل المثال، الذي كان نعم الأخ، الأخ العزيز الدكتور عبد الباقي بدوي الذي شاركته في أستاذه حيث أشرف على كلاهما الأستاذ الدكتور العالم العلامة ما من دولة إلا وله فيها تلاميذ، المرحوم الشيخ أحمد فهمي أبو سنة. كلمتكم الأخيرة التي توجهونها إلى إخوانكم المسلمين وخاصة في الجزائر؟ نحبهم في الله، ثم أقول: المسلمون في اليونان يتألمون بشدة عندما يسمعون عن الخلافات والشقاق الذي يدب في العالم الإسلامي، وآمالهم في توحد المسلمين وأن يكون لهم كلمة واحدة، ويحزنون أشد الحزن عندما يحدث انفجار أو هجوم أو شيء من هذا القبيل في العالم باسم الإسلام. (*) إعلامي جزائري [email protected]