احتضنت دار الثقافة بالجلفة "ابن رشد" ندوة أدبية حول رواية "سييرا دي ميرتي" للروائي "عبد الوهاب عيساوي" حيث شهدت حضورا لمثقّفي الولاية ونقّاد وأدباء وشعراء وأساتذة جامعيين أمثال "قلولي بن سعد" و"السعيد بن موفقي" بالإضافة الى الجمهور المتعطّش للإبداع. الندوة الأدبية، التي أدارها الشاعر "أمجد مكاوي"، أعطت المجال واسعا أمام الروائي "عبد الوهاب عيساوي" لكي يحكي عن تجربته في رواية "سييرا دي مويرتي" التي حازت المرتبة الأولى في "مسابقة الرواية القصيرة" المنتظمة شهر ديسمبر الماضي بولاية واد سوف، والصادرة عن "الرابطة الولائية للفكر والإبداع والأدب بولاية وادي سوف". "عبد الوهاب" تناول في كلمته رحلته عبر تاريخ معتقلات الأسرى الجمهوريين من شتى الدول، لا سيما معتقل "عين الأسرار" كما سمّاه أو "عين اسرار" كما يُسمّى محلّيا وهو معتقل لم يكن للتعذيب، على حد قول عيساوي. وقد ذكر في هذا الصدد أنه قد اطلع على شهادات بلغات مختلفة وشاهد الفيلم الوثائقي الذي يحكي عن المعتقلات الموجودة بالجزائر. كما أشار أيضا الى اطلاعه على تقارير تاريخية مثل التقرير الذي صدر في 16 ماي 1942 حول المعتقلات الفرنسية خلال الفترة 1939-1946 والذي تطرّق الى معتقل الجلفة وقساوة مناخها الذي وصف بالحار صيفا والشتاء البارد وكذا خيم المرابطين "les marabots"، وكذا شهادة "بنيامين دافنسكي" المعنونة ب "على تخوم الصحراء" والتي حكى فيها صاحبها عن حياة الاسرى والتضامن التي تشكل بينهم. كما عاد الروائي بالحضور أيضا الى اطلاعه على الرصيد الأدبي لأهم أديب عرفه معتقل "عين الأسرار" وهو الكاتب العالمي "ماكس أوب" مشيرا الى مقال للأديب الفرنسي "برنار سيكو" حكى فيه تفصيلات مهمة حول الداعي وراء كتابة ديوان "يوميات الجلفة" الذي اعتبره "عيساوي مصدرا تاريخيا حوى شهادة حية من "ماكس أوب" عن المعتقل وظروف العيش فيه داعيا الحضور الى ضرورة اعادة قراءة هذا الديوان من وجهات نظر مختلفة واستكناه محتواه الأدبي. مثلما أشار أيضا الى الأمير الكمبودي "دون شاكر" الذي اعتقل في الجلفة طيلة 04 سنوات الى غاية وفاته في 15 مارس 1897 لتغادر زوجته الجلفة وهي أرملة مع ابنها الرضيع. وذكر "عيساوي" اطلاعه على سيرة الفيلسوف الفرنسي "روجيه غارودي" وقصة تحوله الى الإسلام بسبب رفض المجنّدين المسلمين اطلاق النار عليه رفقة باقي الأسرى في معتقل "عين اسرار". وخلال فتح باب النقاش فقد جاء كما هو متوقع حول ثنائية "المبدع-التاريخ". حيث وصف الناقد "قلولي بن سعد" رواية "سييرا دي مويرتي" بأنها "نص أدبي ليس جلفاوي الانتماء فقط ولكنه جلفاوي كنصّ" مشيرا الى مصطلح "المُتخيّل التاريخي" لدى الروائي. كما ذكر "قلّولي" أن الكتابة الإبداعية التاريخية هي مغامرة محفوفة بالمخاطر وحتى بالانزلاقات حينما يكون هناك جانب توثيقي وجانب ابداعي يتطلّبان من المبدع امتلاك القدرة على ملء الفراغات التي تركها المؤرخ. وفي ذات السياق جاءت تدخلات أخرى تصف أن العمل الإبداعي بأنه تكملة لثغرات العمل الواقعي. في حين تساءل آخر ان كان "عبد الوهاب" يبحث عن التأريخ أم الإبداع في "سييرا دي مويرتي"؟ أحد الحضور تساءل عن تعامل الروائي "عيساوي" مع الأحداث التاريخية محلّ الجدل مثلما قضية "المحرقة المزعومة" لا سيما وأن معتقل "عين اسرار" قد مرّ عليه يهود من بولونيا، فكان ردّ عيساوي بأن "سييرا دي مويرتي" قد حاكت فترة الحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939 ولم تدخل بصفة مباشرة الى تفاصيل الحرب العالمية الثانية 1939-1945. بالإضافة الى أنه استفاد من تجارب أدبية عالمية مختلفة لأدباء شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية وكتبوا عنها باللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية. ثمّ يعود "عيساوي" مرة الى هواجس الكتابة فيقول عن "الجلفةالمدينة" بأنها كانت تحتمل الاختلاف حينما كان فيها مسجد وكنيسة ومعبد يهودي على طول شارع واحد ليتأسّف عن "الصراعات الحالية" رغم غياب ما يمكن أن يفرّق بيننا. كما ردّ على سؤال أرسله عبر الفيسبوك الدكتور "أحمد خياط" حول السبب في اختيار العنوان "سييرا دي مويرتي" فكان ردّه بأن "مرتفعات هذه المدينة". أما أحد المثقفين ممن كان لهم الحظ في الإطلاع على الرواية قبل غيره، فقد قال بان أجمل شيء فيها هو المجموعة التي تم مصادرة كتبها في طريق سفرها فعادوا الى المدينة وقد حفظوا في الطريق نصوصا شعرية. ليبقى الأكيد في الأخير أن "عبد الوهاب عيساوي" قد امتلك تميّزا وقدّم خدمة ... قدّم خدمة للمؤرخين حينما بذل جهدا في التوثيق والتنقيب والبحث التاريخي أهّله الى تشكيل مُدوّنة متعددة (شهادات، تقارير، وثائق، تسجيلات ومؤلفات" يمكن أن يعود اليها كل مهتم بتاريخ معتقل الجلفة "عين اسرار" ومن مروا عليه مثل "ماكس أوب" و"روجي غارودي" ... وامتلك "عبد الوهّاب" التميّز لأنه أوّل "مبدع جلفاوي" استكنه هذا المكنون التاريخي ووظّفه ابداعيا ...