سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قراءة في القرار الوزاري الأخير المحدّد لمعايير انتقاء الأستاذ و الباحث الجامعي للقبول في برنامج تحسين المستوى في الخارج رحلات للسياحة و التسوّق وإهدار للنفقات المخصصة للبحث العلمي
صورة من الأرشيف لجامعة الجلفة هذا الموضوع حلقة أخرى من سلسلة المقالات التي نتطرق فيها إلى وضع الجامعة الجزائرية، و سنجتهد بحول الله قدر ما استطعنا في طرح هذه الحلقة بكل موضوعية وحياد، بعيدا عن كل فبركة للقضية وبعيدا عن أي نية ظاهرة أو باطنة في اختيار لتوقيت عرضها أو تنفيذا لوعيد مُبيّت، وبعيدا عن استعمال للأحاديث الشريفة أو الآيات الكريمة في غير موضعها لنلحق بالناس -جهلا منا- صفات شخصية كالإجرام أو عدم الصلاح أو غيرها أو بالإساءة لوجود الجامعة في حد ذاتها. ولكننا نعرض الحال السيئ كما هو وفق رؤيتنا أملا في إن يتم إصلاحه، ونطرح ما يمكن أن يحيد الجامعة أو الكلية أو الأستاذ أو الطالب عن الهدف الأصلي حرصا منا علي الرسالة السامية لتلقين العلم وتلقي العلم ومكانتهما علي حد سواء للمجتمع في جميع أوجهه و حالاته. و نعرض الحال الحسن كما هو وكما هي رؤيتنا له حتى نحافظ عليه فلا يضيع، ونبرزه لمن هو محجوب عنه أو غافل عنه أو جاهل له. وموضوعنا اليوم يتطرق إلى قضية مهمة و محددة تخص الأستاذ و الباحث الجامعي و بدرجة أقل طلبة الدكتوراه، وهي قضية برنامج تحسين المستوي بالخارج (أو ما يعرف بالتربصات قصيرة المدى و المشاركة في التظاهرات العلمية). وننبه هنا القارئ بان هذا الأمر لا يخص جامعة الجلفة لوحدها ولكنها قضية تخص الأستاذ و الباحث الجامعي و طالب الدكتوراه في الجامعات الجزائرية. نشير هنا فقط أننا سوف نأخذ بعض الشواهد من جامعة الجلفة لمعرفتنا لها. أصدرت وزارة التعليم العالي و البحث العلمي قرارا وزاريا تحت رقم 327 ، مؤرخ في 09 جويلية 2015 معدلا للقرار الوزاري رقم 2010 و المؤرخ في 29 ديسمبر 2014 الذي يحدد معايير الانتقاء للقبول في برنامج تحسين المستوي في الخارج، أين تم حذف نفس الفقرة كتابة ومعنى والتي تخص رسالة الاستقبال في المواد 10،7،5 و 12 المعدّلة!!! في حين كانت رسالة الإستقبال في القرار المعدّل، و الذي لم يصمد سوى 06 أشهر، إلزامية وقيمة الجهة المستقبلة محددة الشروط، حيث وردت ذات الفقرة في المواد المذكورة في القرار المعدل بالشكل التالي :" تقديم رسالة استقبال أصلية أو مصادق عليها محددة للأهداف، المنهجية و التأثيرات المنتظرة، مسلمة من طرف هيئة جامعية أو بحثية في الخارج ذات قدرات علمية و تكنولوجيا عالية، في مجال اختصاص المترشح ". إن إلغاء هذه الفقرة، والتي هي الأهم في نظرنا، سينتج عنه لا محالة التسيّب والتمييع وإهدار النفقات المخصصة للبحث العلمي في شقها الخاص ببرنامج تحسين المستوي بالخارج. فهذه الفقرة تحتوي علي ثلاث أمور تُمثل لب الاستفادة من التربص بالخارج، أولا: إثبات وجود الوجهة المستقبلة وتحديد فترة صلاحية الاستقبال، ثانيا: فحوى التربص والأهداف المنتظرة و ثالثا معرفة القدرات العلمية والتكنولوجية للجهة المستقبلة. فهل يعقل أن تتخلى الوزارة تحت أي طائلة عن هذه الفقرة التي تمثل نواة التربص؟. فمن الآن ولاحقا ليس لأحد الحق -مهما كان موقعه- أن يرفض طلب أي مترشح للمنح ابتداء حتى تخرج علينا الوزارة بسلّم لترتيب المترشحين أو تجتهد المجالس العلمية والإدارة على هواها كما كانت في كل مرة لإيجاد سلم ترتيب المترشحين. فمن الآن ولاحقا، ليفرح وليمرح الجميع من أساتذة وطلبة، فمن كانت وجهته إلي البلدان التي لا تشترط رسالة الاستقبال في طلب التأشيرة كالدول العربية، والدول التي تشجع السياحة فلا يهم خطة البحث ولا المنهجية ولا التأثيرات المنتظرة و لا اختصاص المرشح...إلخ . فهي أمور هيّنة مقدور عليها في ظل الزخم الهائل من التكنولوجيات الرقمية و تقنيات المسح الضوئي الحديثة ومعالجتها، وإن أريد بعث آليات للتحقق في الأمر سواء من الطرف المجالس العلمية النزيهة، أو الجهات الإدارية النزيهة فسوف نقع في المحظور الذي يعيدنا إلي رسالة الاستقبال وسيحدث الأمر غوغاء من أصحاب المصالح الهزيلة المتاجرين بضمائرهم و مهنيتهم للظفر برحلات السياحة والتسوق تحت طائلة البحث العلمي وعلى حساب الغاية النبيلة الأصلية لهذه المنحة التي تستنزف ميزانية البحث. وسوف يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بل قد يحرجون النزهاء للإذعان و الاستسلام للأمر الواقع تحت وطأة قرارات الوصاية التي ما فتئت تعدّل كل مرة وكل فترة. و الأمر المؤلم حقا، أن كثيرا من الأساتذة الباحثين ومن الفئتين قد استفادوا من منح تحسين المستوى بالخارج لمدة لا تقل عن العشرين يوما، ولكن وأسفاه.. على النخبة...وأسفاه... فهم لا يتوجهون إلى أي جهة جامعية أو بحثية ومهما كان مستواها، وان صادف و فعلوا حقا فإنهم لا يذهبوا إلا لأداء واجب الزيارة والتعارف، ثم يواصلون رحلتهم السعيدة للسياحة و التسوّق طبعا في إطار البحث العلمي وتحسين المستوى في الخارج. و إن المشرفين على طلبة الدكتوراه، في كثير من الحالات التي لا حصر لها، لا علم لهم أصلا بحصول طلبتهم على هذه المنح، ونتساءل هنا: من كتب خطة التربّص ومن صادق عليها بامضائه!؟ فلو أرسلت الوزارة لجان تحقيق لكل الجامعات، لسقط القناع، فمنهم من لم يُكمل الأسبوع، ومنهم من لم يكمل العشرة أيام ومنهم من ذهب في فترات العطل وأعياد رأس السنة..ومنهم...ومنهم..ومنهم من لم يذهب أصلا. ولنا في جامعة الجلفة الكثير والكثير من الحالات التي يندى لها الجبين وفي كل الكليات..ولكن المجالس العلمية والإدارة تتهاون في محاسبتهم وتتستر عليهم. ومرة أخرى لو دقّقت الجهات المعنية من مجالس علمية وإدارية لأزيل قناع رسائل الاستقبال المفبركة، ناهيك عن حُزم رسائل الاستقبال التي يجلبها الزملاء من الأساتذة وغير الأساتذة ثم يوزعونها أو يبيعونها في الجامعات، بل الأمر الغريب إن هناك أساتذة متخصصون في جلب رسائل الاستقبال وفي أي اختصاص. دعنا نشير هنا إلى أمر مهم و واقعي، وهو أن هذه الحالات تخص الجهات التي لا تشترط رسائل الاستقبال في طلب التأشيرة. وطبعا فان القرار الوزاري الجديد لشهر جويلية المنصرم قد حل مشكلة هؤلاء. و حتى لا نبخس الناس أشياءهم فهناك نخبة نزيهة وما أحوجنا إليها للنهوض بالبحث العلمي بريئة من كل ما تقدّم. إن شرط تقديم رسالة الاستقبال في رأينا لا يُنظر إليه من جانب إهانة الأستاذ من طرف الجهات المستقبلة مهما كان شكل الإهانة، فهذه المؤسسات لا نعتقد أنها ذات مستوى عال يتحتم علينا طلب وجهتها، بل من طلب وجهتها ابتداء قد قبل على نفسه الاهانة عن طواعية هذا من جهة، من جهة أخري، فالدول التي تشترط رسالة الاستقبال الموثقة للحصول على التأشيرة كدول أوروبا، والأميركتين، و جل دول آسيا، فلأمر محسوم لهم ابتداء، ورسالة الاستقبال الموثقة لا مفر منها حتى وان استغنت قرارات الوزارة عنها لأنه بدونها لا يمكن الحصول على التأشيرة للدخول إليها. و أيضا لا نعتقد مطلقا أن هذه الجهات الجامعية والبحثية ذات المستوي العلمي والتكنولوجي العاليين تستقبل الباحث الجزائري بشكل عشوائي أو أن تُهين الأستاذ الباحث بأي شكل من الأشكال، شريطة أن يكون المرشح هو نفسه له قدرات بحثية علمية تواكب مستوي الجهات المستقبلة، فباختصار هذه جهات موثوقة القدرات العلمية ولا تقبل على نفسها زيارات مفبركة أو لتضييع الوقت أو السياحة، فكل أستاذ باحث أجري تربصا لدى هذه الهيئات يفهم يقينا ما نعنيه. أما ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة السابعة فقد تم تغيير الشرط الأول المحرر في قرار سنة 2014 كتالي :"التسجيل بانتظام في الدكتوراه (ابتداء من التسجيل الثاني)"، ليصبح في القرار المعدل لسنة 2015 كما يلي:" التسجيل بانتظام في الدكتوراه، أو الماجستير، أو الماستر، أو الإقامة في العلوم الطبية (ابتداء من التسجيل الثاني)". وأول سؤال يتبادر لذهن الطالب أو الأستاذ : كم رصدت الوزارة ضمن الميزانية المخصصة لهذا الغرض أمام الكم الهائل من عدد طلبة الماستر المسجّلين بانتظام في السنة الثانية . فعلى سبيل المثال لا الحصر، عدد طلبة الماستر المسجلين بانتظام في السنة الثانية بجامعة الجلفة يتجاوز الثلاثة ألاف (3000) طالب على اقل تقدير، وأساتذة جامعة الجلفة يعلمون كم يتكبدون من العناء للحصول علي هذه التربصات بسبب النقص الفادح في الميزانية المخصصة وتعسّف المجالس العلمية وتعليمات الإدارة على حد سواء، ناهيك عن التفضيل غير المبرر للأساتذة من مصف الأستاذية (الأستاذ، والأستاذ المحاضر)، وكأن هذه الفئة هي أحوج ما يكون لهذه التربصات من الفئة المتبقية من الأساتذة (الأستاذ المساعد الذي هو في طور تحضير رسالة الدكتوراه). ومن باب الإنصاف فقد شمل كل من القرارين الأمر الايجابي للقضاء على تسلط الأساتذة من الفئة الأولى في الحصول على التفضيل و بتواطئ من الإدارة والمجالس العلمية، بحكم أن هذه الأخيرة اغلب أعضائها من الفئة الأولى بحكم القوانين المسيّرة ضمن المراسيم الخاصة بها. فقد جاء في المادة الثالثة ما نصه (وهي مادة غير معدلة): و تمنح الأولوية للمسجلين في الدكتوراه كما يلي: - على الأقل 50% بالنسبة لطلبة الدكتوراه الأجراء وغير الأجراء - 50% تخصص لباقي أنواع تحسين المستوى. ونأمل في هذا الإطار أن تقوم اللجان العلمية والمجالس العلمية والإدارة بتحيين هذا الجانب، فالمقصود بطلبة الدكتوراه الأجراء الأستاذة المساعدون، وطلاب الدكتوراه الأجراء ضمن قطاع التعليم العالي. ونتوقع أن هذا القرار الوزاري سيفتح الباب علي مصراعيه لكم هائل من عدد المرشحين لمنح تحسين المستوي في الخارج مع الدخول الجامعي الجديد فقد يشارك الأستاذ وطالب الدكتوراه و طالب الماجستير و طلبة الماستر وهذا سيلقي بضلاله على الرداءة في استغلال هذه النفقات الموجهة للبحث العلمي دون رقابة فعلية و انعدام لترشيدها. أما بالنسبة للمادة رقم 18 التي تضمنها القرار المعدّل رقم 2010 فكانت على الشكل التالي: "يستفيد المرشحون للتظاهرات العلمية من منحة تحدد نسبتها طبقا للتنظيم الساري المفعول. تتكفل المؤسسة المعنية بمصاريف تسجيل الأساتذة الباحثين و الأساتذة الباحثين الاستشفائين الجامعيين و الباحثين الدائمين المشاركة في التظاهرة العلمية في حالة عدم تكفل الهيئة الأجنبية المستقبلة بالمرشح". فقد تم تعديل هذه المادة في القرار رقم 327 لتصبح على النحو التالي :" يستفيد المرشحون للتظاهرات العلمية من منحة تحدد نسبتها طبقا للتنظيم الساري المفعول. تتكفل المؤسسة المعنية بمصاريف تسجيل الأساتذة الباحثين و الأساتذة الباحثين الاستشفائين الجامعيين و الباحثين الدائمين و طلبة الدكتوراه غير الأجراء و الطلبة المقيمين في العلوم الطبية المسجلين لتحضير شهادة الدراسات الطبية المتخصصة المشاركة في التظاهرة العلمية في حالة عدم تكفل الهيئة الأجنبية المستقبلة بالمرشح". و بهذا أصبح طالب الدكتوراه لديه الحق في الحصول على مصاريف المشاركة في التظاهرات العلمية في الخارج. فمثلا في جامعة الجلفة، نلاحظ أن المجالس العلمية تخيّر الأستاذ الباحث من الفئة الثانية بين حصوله على منحة واحدة خلال كل سنة جامعية على الأكثر (إما تربص أو المشاركة في تظاهرة علمية) وطبعا هذا لا يتوافق إطلاقا مع قرارات الوزارة الوصية بل هو تعسف من قبل المجالس العلمية والإدارة. وأخيرا، هناك أمر يحيّرنا في جامعة الجلفة، فالمجالس العلمية في مختلف الكليات، بل حتى المجلس العلمي للجامعة لا يحمى وطيسها ولا تستعرض مهامها ولا تشتد نبرتها إلا حينما تعقد من اجل دراسة ملفات الترشح لمنح تحسين المستوى في الخارج متناسين مهامهم الأصلية التي هي محددة أساسا ضمن قوانين مضبوطة في مراسيم الجريدة الرسمية، ولا سيما ما تعلّق بالجانب البيداغوجي الذي ما زال اعوجاجه يراوح مكانه. نأمل أن نكون قد عرضنا الأمر بموضوعية، ونأمل أن تشارك الأسرة الجامعية النزيهة في إثراء النقاش حول هذا الموضوع قصد الإصلاح لا غير. الحلقة الأولى : كفى فضائح ! صرخة غيور على كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة زيان عاشور بالجلفة