محمد الصغير داسة، هذا الكاتب القاص الذي نعتز كثيرا بحضوره المميّز في جريدة ''الحوار'' وفي غيرها من المواقع الأدبية الراقية كموقع أصوات الشمال، فهو يبدع ويعلّق على أعمال المبدعين بشكل لافت للانتباه، حاولنا النيل منه فنال منا عبر هذا الحوار. في مقدّمة مجموعتك القصصية ''من هزائم الرجال'' كتب الحاج بونيف: ''محمد الصغير داسة يكتب في صمت كالشمعة يفضّل أن يحترق لينير دون إثارة صخب.'' هذا الصمت هل هو جزء من رسالة المربّي التي حملتها سنينا ومازلت؟ يقول الله تعالى وهو خير القائلين {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) في البداية دعيني أشكرك الأستاذة جميلة طلباوي على الالتفاتة الطيبة وتخصيصك جزءا من وقتك الثمين لمحاورتي... فيما يتعلق بالسؤال الأول سؤال ذكي ومفتوح يحمل الكثير من المعاني والأفكار، من خلاله تواردت إلى الذهن طائفة من الذكريات الباهتة عن مسار تربوي طال أمده {44} سنة من الجهد المضني المتواصل، وأجوبتنا قد تلامس بعض الحقائق، ونحن نشعر بالغربة والوحشة في معسكر المتقاعدين.. العنصر الأول من السؤال: هل الصّمت جزء من رسالة المربي؟ أجل.. في الصّمت فوائد.. المربي صاحب رسالة، يقود قوافل الأجيال إلى النجاح في الحياة، فحريّ به أن ينصرف بجميع اهتماماته وتطلعاته إلى الغد، وينفق بسخاء ما يملك من معارف وقيّم وخبرات وتجارب، وليس هذا معناه أنه منغلق على نفسه بل هو يستجيب لجميع المؤثرات، ولديه قدرة على التكيف مع مستجدات الحياة، باعتباره كائنا بشريا يساهم في صناعة الوعي، والتكيف البشري يستمر مع الإنسان باستمرار الحياة، وهذا يكسبه قيمة عظمى، ورسالة التربية حمل ثقيل، والذي يتولى أمرها هو كمن يحمل هموم الدنيا وأتعابها على كتفيه، والمربي لا يكون مربيا إلا إذا كان واعيا بحمل الرسالة ومستعدا للقيام بها كاملة غير منقوصة، فينزل إلى عالم البراءة ليصعد بهم في فضاءات المعرفة، ويلج دروبها لينير أدغالها ويفتح مسالك النجاح، أجل..المربي شمعة يحترق وفي الاحتراق يكمن سر النجاح، وهذا يستوجب منه سعة الصدر وجمال الصمت لأنه رجل الصمت والحكمة، فهو يرسل السلوك والقيم والمعارف في برقيات الصمت الأخاذ، التي تتحول إلى درر رفيعة ونفائس قيّمة من الحقائق، فهو أولى الناس بالاتصاف بحسن السمت والهدي والأدب باعتباره قدوة، والعملية التربوية استعداد ومواقف، والصمت في المواقف يولد الاحترام والتقدير ومن خلاله نمنح غيرنا فرص المساءلة والتفكير والبحث، إذ الصمت يمنح المرء {معلما ومتعلما} القدرة على التفكير والتركيز بعقلانية تفيد السائل والمتلقي، والتربية علمتنا الإصغاء والعمل في صمت، وفي الكون كائنات كثيرة صامتة ولكنها غير ميّتة بل تنتج ما لذ من الثمار، فالصّمت هو الوعي ومعرفة الحقيقة، وأحيانا يكون أبلغ من الكلام، ونعني بذلك الصمت الايجابي، ليس صمت الجبناء وليس صمت المهزومين {فالساكت عن الحق شيطان أخرس} ورسالة المربي وعي وصبر وسعي دؤوب بعيدا عن الضجيج والصّخب (شعاره أمسك عليك لسانك) محمد الصغير داسة هذا النبيل الذي يشيع الطيبة في الموقع من يكون؟ محمد الصغير داسة من مواليد البيرين ولاية تيطري سابقا الجلفة حاليا في 26-01-1946 والده الإمام العالم العامل المكافح الزاهد الشيخ داسه بلخضر الإدريسي الحسني من أشراف الهامل نشأة ومولدا ومرقدا، إذن نشأ محمد الصغير في أسرة محافظة وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم في زاوية والده، التحق بمدرسة النجاح التي أسسها الشيخ عبد الحفيظ القاسمي عام 1958 تلقى علوم اللغة والمنطق، والتراجم والسير والفقه وأصول الدين وأجيز، ومع فجر الاستقلال قضى أشهرا في المعهد القاسمي بزاوية الهامل، التحق بدار المعلمين في ماي 1963 وعمره لايتجاوز 17 سنة، وكان ضمن الكوكبة التي انتدبت للعمل في الميدان مباشرة، عمل معلما وتدرج في الوظائف المهنية من معلم إلى معلم اختصاصي، ثم مستشارا تربويا فمدير متوسطة ثم مفتشا في التعليم الابتدائي والأساسي خريج المركز الوطني لتكوين إطارات التربية، انتظم في الجامعة إلى السنة الثالثة حقوق ولم يكمل، حصد الكثير من الجوائز والشهادات، منها شهادة الاستحقاق التربوي، ووسام الاستحقاق التربوي، وشهائد أخرى وتشجيعات ورسائل من الوزارة الوصية، قرأ كتبا كثيرة لطه حسين -الرافعي-أحمد أمين-العقاد، المعلقات والأدب الجاهلي، ومتون اللغة والأدب.. قرأ القصص الإسلامية .. وقرأ لجورجي زيدان نجيب محفوظ وغيرهم، كان مولعا بالعربي وروز اليوسف والمصور، مفتونا بشعر الشابي وأدب المهجر وبالتاريخ والسياسة، قرأ الأدب الحديث، كتب في جريدة الشعب وفي ملحقها الثقافي بأسماء مستعارة، وأعد قصصا للأطفال كان يوزعها على مستوى المقاطعة لتعويض النقص في حصص المطالعة، كان زاهدا في الاحتفاظ بما يكتب ويصمم أعمالا بيداغوجية.. انصبت جهوده البحثية على التربية، وعمل في لجان تابعة للمعهد التربوي، وأنجز الكثير من البحوث حول المدرسة الريفية، وتعليم الرحل، والأقسام المدمجة، والمذكرات والدلائل، وعمل في لجان التكوين على مستوى جهوي ووطني، وساهم في تكوين المعلمين على مستوى الورشات والمعاهد التيكنولوجة للتربية،وفي تكوين المديرين وفي تدريبات المفتشين المتخرجين وشارك في الجامعات الصيفية مؤطرا.. وحتى نتجرد من العواطف ولا نرتدي لباس الفخر والتباهي،أقول :نحن سرنا في دروب الفضل والفضيلة وعملنا بعصامية وفي صمت طيلة حياتنا المهنية وأعمالنا شاهدة على ذلك ، ولم نطلب في جزاء ولا شكورا. كرجل تربية كتبت العديد من المقالات والدراسات، ماذا أردت أن تقول من خلالها؟ إن الذي عاشر المدرسة أكثر من أربعة عقود وواكب جميع إصلاحاتها، لا شك انه يعرف كيف يتحدث عن التربية، وإن كتب عنها يكون قاسيا عن الوضع الذي آلت إليه وصيّر المدرسة تخالف المبادئ التربوية وتناقضها، كتبت عن رغبة ووعي مطالبا كغيري من رجال التربية بالإصلاحات التي تجعل أبناءنا سعداء كغيرهم، وليس لسعادة الحياة وسيلة غير التربية، التي تهيؤهم للحياة ولخوض معتركاتها بوعي، كتبنا لأن المشاعر والأفكار صارت بداخلنا تتصارع وتتزاحم تبحث عن منفذ لأوضاع باتت بحق كارثية، وكتبنا لنشارك الناس همومهم ولنمارس فعل البحث عن الذات، كتبنا بلغة تربوية توجهنا بها إلى ضمير الأمة، الكل يعلم أن الناشئة هم رجال المستقبل صغار اليوم هم كبار الغد، وكتبنا بخاصة للذين هم في الخط الأمامي من العملية التربوية، المشرفين على الحواضن التي تحضن الناشئة، وتوجهنا بالخطاب إلى الثالوث البيت المدرسة المجتمع، والى وسائل الإعلام لنجنب أبناءنا ثقافة الصورة في جوانبها السلبية وضلوعها في بعض الانحرافات، دوافع كثير وأسباب جعلتنا نكتب لنساهم في ثقافة النقد، ونرتقي بمنظوماتنا التربوية والفكرية والبيئية والصحية والخدماتية لترتقي إلى مستوى الإثراء، وخلع لباس التعالي والغرور، شعارنا "رحم الله امرؤا أهدى إلي عيوبي"... كانت أهم المواضيع التي تطرقنا إليها..سلسلة من المقالات، من هنا يبدأ الإصلاح التربوي.. الإصلاحات التربوية الجديدة قراءة في المناهج، لجنة الإصلاح بن زاغو.. والسيدة قريفو عندما هاجمت المفتشين (وفي طرح السيدة قريفو ..ألف ديفو وديفو). الاهتمام بمنظومة التكوين، رسالة المدير، طبيعة العمل التربوي..الأوراق الخفية في الجامعات الصيفية، الحلقات المفقودة، في الإصلاحات التربوية المنشودة.. ظاهرة التسرب.. العنف في المدارس، ضعف التحصيل، ضعف الأداء التربوي.. أدب الأطفال، وتعليمية المواد والمقاربات بالأهداف وبالكفاءات، ونشاط الطفل، ومراحل النمو والفوارق والنمو عند الطفل والمراهق.. وفي مجالات أخرى والكثير من المقالات لا يتسع المجال لذكرها.. ومشكورة هي الجرائد التي احتضنت كتاباتنا اليوم.. البلاد ..الشروق.. كواليس.. الفجر.. و''الحوار'' .. هذه الأخيرة خصتني مشكورة بتكريم .. أنت في الأصل مبدع تكتب القصة القصيرة ألا يحدث تقاطع بين بحثك في مجال التربية وبين كتابة القصة القصيرة؟ التربية رسالة تدخل في يوميات المربي كالخبز والماء والهواء، تهدف إلى تنشئة مقصودة للأجيال، وإعدادهم للحياة، وترمي إلى غرض حيوي.. دعائم من القيم المثلى، بينما القصة نموذج بشري متكرر، والحياة قصة والقصة درس من دروس الحياة، وتعبير عن مواقف في الحياة، تعتمد توظيف الأحداث وتعمل على تحريك مواجع الحياة بجراح تكون بحجم البحر، لتكون تعبيرا عن مواقف ومتكآت، فهي مجال واسع للتحرك، تتعامل مع الدوافع والنوازع، وتعتبر الحدث أمرا مفتوحا، والمبدع يتحرك في سردياته بوجهة نظر، وإذا كان المربي صاحب رسالة، والمبدع يسيّر الرسالة، ويهذب معانيها وهو غير مقيد بشيء، فكلاهما خادم ومخدوم، والتلاقح والتقاطع والتكامل بينهما واضح، ولذلك فالبحث التربوي لا يتعارض مع الكتابات الإبداعية، بل يعتبر مغذيا لها لأنه رؤى تشع الأمل في النفوس.. فعندما نكتب في التربية نلتزم بأدبيات المهنة وضوابطها وعندما نكتب القصة نمتطي صهوة الخيال، ونرحل بعيدا وبدون قيود، ليس هناك انقطاع وإنما تقاطع وتكامل، فالبعد التربوي نجده جاثما في ثنايا نصوصنا السردية شئنا أم أبينا، وحتى الأسلوب المبسط يلاحقنا، نسترسل أحيانا ولربما أكثر من اللازم لنقترب من الحياة ومن المتلقي بالخصوص، وقد نستغرق في الخيال لنرسم صورا بريئة طاهرة تبعث في النفوس الشوق إلى الفضائل، فقلما تجد قصة من مجموعتنا لا تتضمن توجيهات تربوية بطريقة مباشرة أو بأسلوب عرضي، لقناعتنا أن القصة وسيلة تربوية وتعليمية ذات تأثير عظيم.. عندما يبدع المعلّم ويكتب هل يكون للحبر والورق طعم آخر؟ ؟من الأهداف التي نروم تحقيقها في العملية التربوية التعليمية جنس الإبداع، باعتبار أن في التربية إبداعا، وأن أدب الإبداع يؤكد على أنه شكل من أشكال النشاط العقلي الذي يمارس لدى المعلمين، فعندما يبدع المربي وفي ذات الوقت يكتب يكون للحبر والورق طعم مستساغ، لأن المربي بطبيعته وطبعه ذوّاق وفنان ومفكر هذه خصائصه وتلكم صفاته التي جبل عليها، فكلمة مربي توحي إليك بعظم الأمانة، وهموم التربية هاجس يلاحق كل المربين أينما كانوا والكتابة بوح بوجع يسكنهم، وتربية الأطفال والتحصيل الدراسي لديهم هاجس حتى أنه يعاب عليهم المبالغة في الخيال والأحكام، ونحن نراه تطلع مدرك وواع للأمور، وتقييم حصيف للقدرات والإمكانات، عندما نكتب نساهم في إصلاح الأوضاع التربوية، والعمل على زحزحة المعوقات وإبعاد شبح اليأس من يوميات المربي والتي تحد من نشاطه وتميزه، وفي ذات الوقت نهيئ الظروف النفسية والبيداغوجية للمتعلم، وعندما نبدع نعبر عن حالات ومشاعر تسكننا، نكوّن منها صورة ذهنيّة ونعطيها تلوينا، وليس لنقول كلاما موثقا أو نقدم نظريات وأقوالا، إذ الهموم تلاحقنا كالظل سواء في العمل الكتابي أو الإبداعي، لكن هموم التربية أكثر لأنها مرهقة وذات تبعيات .. من ''هزائم الرجال'' عنوان مجموعتك القصصية الأولى هل لنا أن نعرف هذه الهزائم التي طالت الرجال؟ الهزيمة تعني انتصار القهر، ومحاصرة الفرحة، وتعني كذلك قتل الابتسامة واقتلاع شجرة الحلم وإنهاء نشوة الانتصار، مجموعتنا القصصية {من هزائم الرجال} حملت هذا العنوان، وهو لواحدة من القصص، وفي التقديم تعبير على ما تضمنته هذه القصص{19} التسع عشرة : ''..إن أقلام التاريخ تكتب بمداد الفواجع والهزائم ولا تخجل من تدوين هزائم الرجال، ولربما تجعل من المهزومين أبطالا تشيد بخصالهم، وقد تجعل من النهايات المرعبة فرحة، إن أجمل ما في عصرنا أنه يسمح لنا بالبكاء وبدون سبب، وبالضحك على أنفسنا وبدون وعي، والاعتراف بهزائمنا ومباركتها وبدون خجل... ''فهزائم الرجال تشبه إلى حد كبير هزائم الشعوب والمجتمعات..''.. حضورك مميّز على الإعلام الورقي والإلكتروني، تساهم بمواضيعك وإبداعاتك وتعاليقك ، ماذا أضاف لك النشر الالكتروني؟ نحن جيل تعاركنا مع الحياة، وتعلمنا في مدارس حرة وفي الزوايا بطرق تقليدية، واحتضننا التعليم فاحتضنا همومه، وتكيفنا مع المستجدات وأثبتنا وجودنا بتوفيق من الله وبجهد ذاتي، لذلك فكل جديد يستهوينا، انجذبنا إلى النشر الكتروني، فأفدنا واستفدنا، ومن خلاله أخذنا نعمل على إكمال رسالتنا خدمة للأجيال وللقارئ، أفادنا النشر الكتروني في 1- سرعة النشر والتواصل مع الآخر. 2- التعايش مع الكتاب الالكتروني المفتوح. 3- الاطلاع على أعمال الزملاء والاستفادة من كتاباتهم وقراءاتهم وتعليقاتهم الناقدة حتى وان كانت انطباعية. 4- في العمل على تطوير أعمالنا وتحديث الفعل الإبداعي والكتابي.. وبالمختصر المفيد النشر الالكتروني جعلنا نقيم أعمالنا قبل نشرها ورقيا.. وهذا مهم.. لك أن تقول ما تشاء. أسئلتكم الأخت جميلة فاقت أعمالي المتواضعة إبداعا، فلا أجد الكلمات المناسبة لأعبر لك عن سعادتي الغامرة بهذا الحوار المثير والالتفاتة الطيبة..فتقبلي تحياتي ومودتي وعظيم الإجلال. أعمال الكاتب الأدبية : في أدب الطفل: علولة بن دلولة (10قصص) أطفال أوفياء(تحت الطبع) أطفال سعداء ..مقترحة للطبع قصص.. الرحلة المباركة {30}قصة مقترحة للطبع. القصة القصيرة: 1- ونهر الحكاية يروي 2- من هزائم الرجال تحت الطبع : من عيون الزمان...و له بحوث تربوية و مقالات و أوراق من الذاكرة التربوية.