احترام القانون من خلال الحوار المستمر مع مراعاة الواقعية ثار لغط كبير حول الشراكة العمومية الخاصة التي تضمنها ميثاق وقّعه الشركاء الاقتصاديون والاجتماعيون وأرباب العمل والحكومة. وقصد توضيح الرؤى حول المسألة أشار الأستاذ عبد الرحمان مبتول الذي يحرص على تسمية الأمور بمسمياتها إلى أن الشراكة عام / خاص تعني فتحا جزئيا لرأسمال مؤسسة عمومية وبالتالي هي خوصصة جزئية، داعيا الى عدم الخلط بين الخوصصة التي تعني تنازلا عن جزء من المؤسسة او كلها ورفع الاحتكار الذي يعني تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في فروع جديدة، مما يسمح بالانتقال إلى اقتصاد سوق ذي طابع اجتماعي. وبعد أن أشار إلى تصريح وزير المالية الأسبوع الأخير قائلا: إن «ميثاق الشراكة لا يعني خوصصة المؤسسات العمومية وانه لن يكون هناك تسريح للعمال، مطمئنا أن مساهمة القطاع الخاص في المؤسسة العمومية لن يتجاوز 34 بالمائة دون استبعاد اللجوء إلى القاعدة 51 / 49»، أوضح مبتول انه حينما يندرج هذا التوجه في نطاق البلدان المتطورة، حيث أغلبية النشاطات التجارية في الصناعة والفلاحة تندرج ضمن الشراكة عام/ خاص يوجد من حيث المصطلحات الانجلوسكسونية ثلاث أصناف للشراكة هي أولا، الشركات المختلطة، ثانيا، المشاريع المشتركة (صنف تقوم فيه المؤسسات الخاصة بنصح وتقديم استشارة للأشخاص العموميين لتثمين أملاكها) وثالثا، عقود مبادرة التمويل الخاص والصنف الذي يعتبر أكثر رواجا، كونه يختلف عن تفويض الخدمة العامة الذي يتمّ بقيام مرفق عمومي بتوكيل تسيير خدمة عامة عن طريق التفويض للعام أوللخاص نظير اجر وفقا للنتائج المحصلة من الاستغلال، ويتلقى المتعاقد أجرا مختلطا يتشكل من تسبيق ثابت وتحفيزات تناسب تحسين جودة الخدمة ومستوى الاقتصاد المنجز والناتج المالي للاستغلال. وفي شرحه للموضوع، أضاف مبتول أن عقد هذا الصنف من الشراكة يكون بأجل طويل من 10 إلى 35 سنة أو أكثر بحيث يقوم شخص معنوي بمنح لمؤسسة مهمة شاملة لتصور وانجاز وتمويل وصيانة و/أو استغلال منشأة. ويتلقى المتعاقد أجرا من الشخص العمومي طيلة مرحلة اهتلاك الاستثمارات الأولية. ويختلف عقد الشراكة هذا عن منح الامتياز الذي يمنح للمتعاقد حقّ الاستغلال فقط وليس تسيير المنشأة على اعتبار انه قائم على التوزيع الأمثل للمخاطر، حيث إن خطر الاتجار هو من مسؤولية الهيئة العامة، ويتحمل الطرف المقابل خطر البناء والأداء. كما لا ينبغي تشبيه الشراكة عام / خاص بالخوصصة التي تعني بيع او تنازل من الدولة للقطاع الخاص عن جزء او كل المؤسسة العمومية. وفي اطار شراكة عام /خاص تدفع الدولة مبلغا للقطاع الخاص مقابل عرض الخدمة والتكفل عند الاقتضاء بالبناء وتسيير المنشآت، فيما تقتضي الخوصصة أن يكون القطاع الخاص يكون المسؤول الوحيد عن ضمان الخدمات بينما في الشراكة تحتفظ الدولة بدورها كمسؤول تجاه المواطنين وتبقى حاضرة في المشروع باعتبار أنها جزء من العقد. في حالة البلدان التي توجد في مرحلة تحول إلى اقتصاد السوق بطابع اجتماعي بتشجيع رفع الاحتكار أوالخوصصة الجزئية أو الشاملة، أشار مبتول الى مختلف التجارب التي تمت في بلدان أوروبا الشرقية سابقا. وحدد ثمانية طرق للخوصصة التي تعرف في التطبيق تركيبة ضمن دراسة حالة بحالة ويتعلق الأمر ب : -إعلان عرض عمومي لبيع أسهم يصطدم بصعوبة غياب سوق رؤوس أموال. – بيع خاص لأسهم. – مساهمة مستثمرين خواص في رأسمال مؤسسة عمومية بعد تسوية دفع الالتزامات. – تجزئة أو تفريع أوإعادة هيكلة مؤسسة الى عدة عناصر تباع على حدى. – توزيع سندات بيع إلى مجمل افراد المجتمع بما يسمح بتأسيس صندوق للاستثمار شريطة تنظيمه من خلال لجان للمراقبة. – كل حل آخر للخوصصة مع نقل للملكية بخوصصة مؤسسة عن طريق اقتنائها تماما من طرف الأجراء (غير أن هذا النوع من المؤسسات يعاني من نقص في الأموال وتواجهه مشكلة الرفع من قيمة الرأسمال إلى جانب مشكل المناجيريالية ولذلك تحتاج إلى بنك للمخاطر لضمان ديمومتها). – تحويل المديونية الخارجية إلى مساهمات. – خوصصة بدون نقل للملكية للشركات الكبرى بحيث توكل الدولة للقطاع الخاص الوطني أو الأجنبي أوالمختلط تسيير هذه المؤسسات دون التنازل عن الملكية فورا. ويذكر مبتول بكتابين ألفهما في بداية الثمانينات حول الحوكمة والإصلاحات والخوصصة، ومن ثمّة يؤكد أن فتح رأسمال مؤسسة عمومية أيا كانت النسبة واستنادا لكل الخبراء يعتبر خوصصة، موضحا أن العملية ليست تقنية، إنما هي مسار سياسي تسيّره الحكومة ضمن علاقة مع كافة المكونات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من أجل تفادي أي فشل محتمل، ولذلك يتطلّب دعما من المجتمع كون العملية معقدة وحساسة كما يشير إليه بالنظر للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية، مما يستدعي دوما احترام دولة القانون من خلال حوار مستمر واتصال نشيط ومراعاة الواقعية.