استغلال الفرص وتقديس العمل لمواكبة التطور السّريع اليوم النص الكامل لرسالة الرئيس بوتفليقة بمناسبة ذكرى يوم الطالب بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أمس، رسالة بمناسبة إحياء ذكرى يوم الطالب المصادف ل 19 ماي من كل سنة هذا نصّها الكامل: «بسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيّتها السيّدات الفضليات أيّها السّادة الأفاضل إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نحتفي باليوم الوطني للطالب الذي اتخذته الجزائر سنة دأبنا عليها تخليدا لذكرى مجيدة لمحطّة أضافت إضافة حاسمة لسابقاتها من محطات كفاحنا من أجل التخلص من نير الاستعمار البغيض. اليوم هذا مناسبة ترفع فيها الأمة الجزائرية دلائل العرفان إلى أولئك الطلبة الجامعيين والطلبة الثانويين الذين مع تعطشهم للعلم والتعلم أبت عليهم نخوتهم الوطنية، إلاّ أن يؤثروا عزّة الجزائر وحريتها ويقدّموا في 19 مايو من سنة 1956 على مقاطعة الدراسة، فغادروا مدرّجات الجامعة وأقسام الثانويات وانتشروا في ربوع الوطن مجاهدين في صفوف الثورة لتخليص الأمة ممّا كانت فيه من قهر الاستعمار. إنّهم استبدلوا قاعات الدرس بكهوف الجبال ومغاراتها، والأقلام بالبنادق والرشاشات وهبوا مستجيبين لنداء الواجب الوطني وخارجين بلا رجعة عن عهد أقسموا ألا يستمر وألا يمعن في تسليطه القهر والظلم والتعذيب والاستغلال على شعبهم. فكانت هبتهم محطة تحول فارقة في مسار الثورة بما أمدوها به من كفاءة علمية ومعرفية، وما أبلوه من كفاح واستبسال في ساحات الوغى والنزال، وما صالوا وجالوا به على جبهات الدبلوماسية والسياسة والإعلام والثقافة. لقد كان ذلكم التوثب الثوري الذي صدر من الطلبة الجزائريين بلا تردّد ولا اكتراث لعواقبه على مصالحهم الفردية خير تجسيد لمستوى وعيهم الوطني ونضجهم السياسي وقناعتهم العميقة بقيم الإباء والشرف. إنّهم هبوا إلى صفوف جيش التحرير الوطني، وانضمّوا إلى الكفاح المسلّح في المدن والأرياف وضحّوا بدراستهم ومن ثَمَّ بطموحاتهم وآمالهم الشخصية لأنّهم كانوا مقتنعين تمام الاقتناع بأنّه لا وجود لحياة العزة والكرامة في ظل الخضوع والعبودية ولا للشّعور بالانتماء لوطن من غير أداء ما يقتضيه هذا الوطن من واجب استرجاع حريته وسيادته كلف ذلك ما كلف من التضحيات. وبهذه المناسبة نقف وقفة ترحّم بخشوع وإجلال على أرواح أبناء وبنات الجزائر من طلبة ومتمدرسين، الذين سقطوا شهداء في ميدان الشرف أو تحت تعذيب المستعمر الغاشم لكي تحيا الجزائر ولكي يعيش شعبها في كنف الحرية والاستقلال. أيّتها السيّدات الفضليات أيّها السّادة الأفاضل إنّ الاحتفال بذكرى وثبة 19 ماي كيوم وطني للطالب اتّخذناه إجلالا وتعظيما لأرواح أولئك الفتية الخالدين، ومصدرا للفخر والإلهام لأجيالنا الحالية والآتية ليساهم في تعزيز حب الوطن والحرص دوما على وحدته وسيادته. إن طلاب اليوم مثل طلاب الأمس يعرفون كيف ينهلون من تلك القيم التي آمن بها أسلافهم، وكيف يجسّدون الآمال المعقودة عليهم ويصنعون حاضرا ومستقبلا يسودهما الرفاه والاستقرار. إنّهم يعرفون أن الحفاظ على الجزائر فرض عين عليهم، وأن لا سبيل إليه من دون اكتساب المعرفة والتفاني في تفعيلها في الميدان حتى يكون للجزائر نصيبها من منافع العلوم والمعارف العصرية والمكانة اللائقة بها في محفل الدولي، ومن ثم يتم تحقيق حلم الشهداء وما نص عليه بيان أول نوفمبر. أيّتها السيّدات الفضليات أيّها السّادة الأفاضل رصد ملايير الدينارات سنويا لتمويل البحث العلمي يحق للجزائري في مثل هذا اليوم المشهود أن تقف لحظة للتمعن في مسيرتها في مجال نشر العلم والمعرفة منذ استرجاع السيادة الوطنية. فمن أقل من 500 طالب في سنة 1962 وصلت بلادنا اليوم والحمد لله إلى ما يقارب الآن مليوني طالب وطالبة عبر جامعات ومراكز جامعية ومدارس عُليا منتشرة سائر ولايات البلاد. كما أنه بعد أقل من 10 أساتذة جامعيين غداة الاستقلال باتت الجزائر تملك اليوم ما يقارب 100 ألف أستاذ ومساعد يؤطّرون مرافقنا الجامعية بشتى أشكالها. بالموازاة مع ذلك تسهر الجزائر على ضمان الخدمات الجامعية لفائدة أغلبية طالباتها وطلابها، كما تسهر في نفس الوقت على رصد ملايير الدينارات سنويا لتمويل البحث العلمي على المستوى الجامعي. من خلال هذا التقييم الوجيز نحيّي ما قدّمته أجيال ثم أجيال من خريجي الجامعة الجزائرية عبر العقود الماضية من مساهمات نوعية في بناء الاقتصاد الوطني، وتأطير الدولة الجزائرية المعاصرة والمساهمة في بناء جيش وطني شعبي حديث المناهج والقدرات ووفي قلبا وروحا إلى جيش التحرير الوطني. نعم لئن كانت الجزائر قد عرفت قفزة نوعية في بنائها وتنميتها بفضل سواعد أبنائها وبناتها كافة، يجب أن نعترف كذلك بالدور المتميز للطليعة المثقّفة المتخرّجة من مدرّجات الجامعة الجزائرية. أيّتها السيّدات الفضليات أيّها السّادة الأفاضل المدرسة والجامعة ليستا فضاءً للصّراعات والمصالح أو الايديولوجيا إنّ الوقفات التّاريخية تستوجب جميعها التمعن في مثل الأسلاف وتوجيه رسائل إلى الأجيال الصاعدة. ومن ثم أريد في هذه الوقفة بمناسبة يوم الطالب أن أوجّه بعض الرسائل إلى طلبة بلادنا. فأولى هذه الرسائل هي أن يستغلّوا الفرصة الثمينة التي منحتهم إياها بلادهم للاكتساب العلمي، والسهر على عدم تضييع أي يوم كان من مسارهم الطلابي خدمة لمستقبل بلادهم. فالمدرسة والجامعة ليستا فضاءً للصراعات أو المصالح أو الإيديولوجيات ولا للمنافسة السياسية. فعلى الجميع أن يحترم حرمة الجامعة، وخاصة أن الأمر يتعلق بمستقبل أجيالنا الصاعدة. وعلى أبنائنا وبناتنا الطلبة من مختلف فئات الشعبي أن يحمدوا الله اليوم على ما تمكّنت الجزائر من توفيره لهم في ظروف صعبة، وأن يساهموا من خلال تفانيهم في تحضير ظروف أحسن للدفعات اللاحقة من طلبة في جزائر تنجز المزيد من التقدم. ذلك هو تعاقب الأجيال في خدمة الوطن من أجيال التحرير إلى أجيال البناء. أما رسالتي الثانية لأبنائنا وبناتنا الطلبة هي مناشدتي إيّاهم أن يقدسوا العمل لكي يستجيبوا لحاجيات بلادنا في جميع المجالات ضمانا للتقدم المستمر. فهناك العديد من المجالات الاقتصادية من فلاحة وصناعة على سبيل المثال تبحث عن القدرات والمعارف، في الوقت الذي نسجّل فيه مع الأسف وجود البطالة في صفوف حاملي شهادات جامعاتنا. فلنوظّف قدرات كل منظوماتنا التكوينية لكي تستفيد الناشئة المتخرّجة من الجامعة من فرص الرسكلة كما هو الحال في بقية دول العالم. أما رسالتي الثالثة والأخيرة فأتوجّه بها إلى السّاهرين على منظومتنا الجامعية. فبقدر ما يحق لنا أن نفتخر بما بلغته الجامعة الجزائرية من تقدم نوعي، ومن مساهمة فعالة من خرّيجيها في تقدّم البلاد بقدر ما يجب علينا أن نسهر على جعل جامعتنا تواكب التطور السريع للعلوم في عالم اليوم. فلنا من الهياكل ومن التأطير ما يجعل من أهدافنا المشروعة إدخال المزيد من التكنولوجيات، ومن ترقية فروع العلوم الدقيقة، ومن تفتح على اللغات الأجنبية ومن تعاون مع جامعات أخرى من العالمي لكي نضمن للجامعة الجزائرية مكانتها في هذا القرن الجديد. صحيح أنّ بعض الأصوات المتشائمة والهدّامة ترتفع من حين إلى آخر بانتقاد للجامعة الجزائرية ونتاجها البشري انتقادا عابثا، أحسن رد عليه هي المكانة التي اكتسبها العديد من خريجي جامعاتنا في دول غربية عندما اختاروا خيار الهجرة. أيّتها السيّدات الفضليات أيّها السّادة الأفاضل إنّني على يقين من أنّ أجيال اليوم هي امتداد طبيعي لأجيال الأمس، وأنّ الذين قدّموا أرواحهم فداءً لاستقلال الجزائر ومهرا لحريتها وسؤددها تاركين مقاعد الدراسة لهم اليوم أمثال يعدون بالآلاف والآلاف في عهد الجزائر المستقلّة. إنّ قناعتي هذه تستلهم من دليل ملموس قدّمته الشبيبة الجزائرية والجامعية منها خلال المأساة الوطنية من تضحيات جسيمة بغية بقاء الجزائر شامخة مستقلّة وموحّدة من جديد بفضل المصالحة الوطنية. وفي هذه اللّحظة أهيب بطالباتنا وطلاّبنا أن يستلهموا من هؤلاء الأسلاف والأمجاد والأبطال ليتجنّدوا بدورهم من أجل اكتساب العلم، ومن المساهمة في استمرار بناء جزائر العزّة والكرامة».