نقل جوي: السيد سعيود يبرز الجهود المتواصلة لتعزيز أمن الطيران المدني    حوادث المرور : وفاة 5 أشخاص وإصابة 465 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    الحماية المدنية تنظم بولاية جانت مناورة في الأماكن الصحراوية الوعرة    غياب المخزن مؤشّر على عزلته القارية    عرض النسخة الأولى من المرجع الوطني لحوكمة البيانات    العمل بمنحة السفر الجديدة.. قريباً    جيبلي يعتزم التصدير    بوغالي يستقبل بالقاهرة من قبل رئيس البرلمان العربي    صِدام جزائري في كأس الكاف    بوغالي يؤكّد ثبات مواقف الجزائر    عطاف يلتقي لافروف    قفزة نوعية في توفير المياه بوهران وما جاورها    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات البلاد ابتداء من مساء اليوم السبت    تفكيك عصابة إجرامية حاولت بث الرعب بالأربعاء    وزير المجاهدين العيد ربيقة يشارك في تنصيب القائد الأعلى للجيش و القائد العام للشرطة بنيكاراغوا    جائزة "الرائد سي لخضر" تحتضن توأمة تاريخية بين الزبربر وسي مصطفى    شباب بلوزداد يضيّع الصدارة في سطيف    تكييف عروض التكوين مع احتياجات سوق الشغل    الحقد الفرنسي أصبح يطال كل ما هو جزائري    لا مصلحة لنا في الاحتفاظ بالجثامين لدينا    القضاء على إرهابي خطير بالمدية    بيتكوفيتش يحضّر لبوتسوانا والموزمبيق بأوراقه الرابحة    2025 سنة تسوية العقار الفلاحي بكل أنماطه    قرية حاسي مونير بتندوف... منطقة جذب سياحي بامتياز    الانتهاء من ترميم القصبة بحلول 2026    توالي ردود الفعل المنددة بطرد الاحتلال المغربي لوفد برلماني أوروبي من الاراضي الصحراوية المحتلة    عطاف يجري بجوهانسبرغ محادثات ثنائية مع عدد من نظرائه    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    بوغالي بالقاهرة لترؤس أشغال المؤتمر ال7 للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    الدورة الافريقية المفتوحة للجيدو: سيطرة المنتخب الوطني للأواسط في اليوم الأول من المنافسة    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يترأس بسطيف لقاء مع مسؤولي القطاع    تنظيم الطبعة ال21 لنهائي سباق سعاة البريد في اطار احياء اليوم الوطني للشهيد    ترسيم مهرجان "إيمدغاسن" السينمائي الدولي بباتنة بموجب قرار وزاري    تدشين مصنع تحلية مياه البحر بوهران: الجزائر الجديدة التي ترفع التحديات في وقت قياسي    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    جائزة سوناطراك الكبرى- 2025: فوز عزالدين لعقاب (مدار برو سيكيلنغ) وزميليه حمزة و رقيقي يكملان منصة التتويج    الرابطة الأولى: شباب بلوزداد يسقط في سطيف (1-0) و يهدر فرصة تولي صدارة الترتيب    فرنسا تغذّي الصراع في الصحراء الغربية    غزّة تتصدّى لمؤامرة التهجير    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    لقاء علمي مع خبراء من "اليونسكو" حول التراث الثقافي الجزائري العالمي    مبارتان للخضر في مارس    الرئيس تبون يهنيء ياسمينة خضرا    هذا زيف الديمقراطية الغربية..؟!    "فيات الجزائر" تشرع في تسويق "دوبلو بانوراما"    أدوار دبلوماسية وفرص استثمارية جديدة للجزائر دوليا    أيوب عبد اللاوي يمثل اليوم أمام لجنة الانضباط    احتفالات بألوان التنمية    إثر فوزه بجائزة عالمية في مجال الرواية بإسبانيا رئيس الجمهورية.. يهنئ الكاتب "ياسمينة خضرا"    "حنين".. جديد فيصل بركات    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    سايحي يواصل مشاوراته..    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال أمانة في الأعناق

منذ أن وطِئت أقدام المحتل الفرنسي بلادنا، وإبرام معاهدة الاستسلام في 05 جويلية 1830بين الدّاي حسين وقائد الحملة العسكرية دي بورمون DeBourmont وانقلاب هذا الأخير على بنودهاوتنصله مما تم التوقيع عليه بعد ذلك، وشروع المحتل في التهام مختلف أنحاء البلاد والتوسع في أرجائها واستغلال خيراتها.. جُوبِه الغزاة بثورات شعبية مسلحة وانتفاضات شرسة، شملت ربوع التراب الوطني برمته، بالرغم من عدم تكافؤ القوتين في العدد والعُدّة والعتاد والخبرة العسكرية والتدريب والتكوين ونوعية الأسلحة ..
فصول من المقاومة الشعبية ببشار :
كان لأبناء بشار دور متميز في هذه المقاومات وتدوين فصولها بتضحياتهم ودمائهم وصبرهم، حيث تصدّوا ببسالة لحملة دوكولمب Decolomb الأولى في جانفي 1855، الذي رجع يجرّ أذيال الهزيمة، لكنه عاود الكَرّة من جديد في حملة عسكرية ثانية في مارس 1857، إلا أنها مُنيت بفشل ذريع !
دروس في الشجاعة
كما لقّن هؤلاء البواسل العدوَّ دروسا في الشجاعة والإقدام في عديد المواقع والمحطات، على غرار معركة 16 مارس 1866، وما نتج عنها من خسائر نوعية في صفوف المعتدين، وفي معركة مقطع الرومي ب (أم ضرابين ) بنواحي العبادلة خلال شهر أفريل 1870، والتي تُعرف في التقارير الفرنسية بمعركة ( بحريات )، لتتواصل بعد ذلك معارك المقاومة، وكانت من أبرزها معركة ( الزعفراني ) التي يسميها الفرنسيون ب (المنقار الصغرى ) في جويلية 1900 بنواحي تاغيت، ومعركة المنقار الكبرى في 02 سبتمبر 1903، التي اعترف فيها العدو بهزيمته النكراء من خلال التقرير العسكري المقتضب الذي أرسله الحاكم العام للجزائر جونارJONNART إلى وزير الشؤون الخارجية الفرنسية آنذاك، والمؤرخ في 7 سبتمبر 1903، والذي ذكر فيه عدد القتلى الفرنسيين في معركة المنقار ب ( 37 قتيلا و47 جريحا )، كما أشار التقرير إلى مقتل بعض الضباط. كما أرّخت الكاتبة الصحفية إيزابيل ابرهاردت لهذه المعركة بعد التقائها بالجرحى من الجنود الفرنسيين . دون أن ننسى معركة قصر العجوز في 1903 ...
وبالرغم من هذه البطولات التي شهد بها العدو نفسه، إلا أنه تمكن من احتلال مدينة بشار واقتحام قصرها والسيطرة على واحاتها الغَنّاء في 12 نوفمبر 1903 بقيادة الرائد بيرون Pierron، بتوجيه من قائد قسمة عين الصفراء العقيد ليوتي Lyautey .
تكريما للجنرال السفاح دوكولب Decolomb الذي قاد أول حملة عسكرية دنّست المنطقة، فقد أضيف اسمه إلى اسمها، في تركيب هجين، لتصبح: ( كولمب بشار Colomb Bechar)، بأمر من الحاكم العام جونارJonnart بتاريخ 29 نوفمبر 1903 .
إلا أن جذوة المقاومة المسلحة ببشار ظلت متّقدة في نفوس أبنائها وأخذوا يتحيّنون الفرص والظروف لإضرامها من جديد؛ وقد تجلى ذلك حسب العديد من المراجع الفرنسية في معارك : زوزفانة 1908، وتبلبالة 1909، ومعركة الحميدة في عام 1909 التي انتصر فيها رجال المقاومة الشعبية وكبدوا العدو خسائر، وفي 1910 بالعبادلة، وفي 1912 في معركة قرزيم .. وصولا إلى مصرع الجنرال فرانسوا هنري لابرين في 1920، والعملية البطولية التي استهدفت الجنرال كلافري القائد العام للإقليم العسكري عين الصفراء، الذي لقي مصرعه بنواحي تاغيت في 08 ديسمبر 1928، لتنشب بعد ذلك معركة ( الجيهاني ) ب 40 كلم جنوب مدينة بشار في أكتوبر 1929، وبعد عشرين عاما يُقتل الجنرال فيليب فرانسوا ماري الشهير ب ( لوكليرك ) في 28 نوفمبر 1947 بنواحي موغل، الذي هلك رفقة مجموعة من الضباط الفرنسيين في حادث سقوط الطائرة .
معارك خالدة
بعدما ظن العدو وأقنع نفسه أن المقاومة قد انطفأ لهيبها وأن الجزائريين قد ركنوا إلى الدّعة والاستسلام ! وغيرها من المعارك والاشتباكات التي خاضها أبناء الساورة ضد الغزاة الفرنسيين خلال النصف الثاني من القرن ال 19 والنصف الأول من القرن العشرين، والتي لا يمكن حصرها في مقال كهذا .
كما كان لأبناء المنطقة حضور متميز ومشاركة فعالة في عديد المقاومات الشعبية الأخرى ؛ كمقاومة أولاد سيدي الشيخ بداية من عام 1864، ومقاومة الشيخ بوعمامة التي اندلعت في 1881 واستمرت إلى 1908 .. وغيرها . وما تخللها من عمليات تنصير ممنهج استهدفت أبناء الساورة من خلال عديد المنصّرين، كان أبرزهم الأب شارل دوفوكوCharles de Foucauld ببني عباس وما جاورها، إلا أنها باءت بالفشل ..
الحركة الوطنية في عاصمة الساورة
وبالرغم من قلة عدد سكان منطقة بشار وبعدها عن العاصمة، وعن بعض الحواضر الجزائرية التي كانت تحتضن نهضة إصلاحية ووطنية، وصعوبة التواصل معها ومع قياداتها، نتيجة لخضوع هذه المنطقة للحكم العسكري المحكم، إلا أنها عرفت أنشطة عدة في إطار الحركة الوطنية ؛ من خلال الأحزاب السياسية، ممثلة في حزب الشعب الجزائري الذي حلت محله حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام 1946، وكذا حركة أحباب البيان والحرية التي أضحت عام 1946 تحمل اسم الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بقيادة المناضل الرمز فرحات عباس، إلى جانب نشاط الكشافة الإسلامية والفرق الرياضية، والمدارس الحرة وزوايا العلم والقرآن ..
كما استقبل مناضلو بشار عددا من قادة الصف الأول للحركة الوطنية في اجتماعات سرية، في إطار الهيكلة والتكوين والتأهيل القيادي والتحضير للثورة المسلحة، كما تؤكد ذلك عديد التقارير الفرنسية، على غرار التقرير السري المؤرخ في 1953 الذي أرسله بيجو حسب الدكتور محمد برشان من جامعة بشار
وضمن هذا السياق التاريخي فقد عمد قادة المنظمة الخاصة المسلحة LOS إلى إنشاء مركز للتدريب العسكري ببشار خلال شهر أكتوبر 1954، كما يؤكد ذلك المجاهد عمار بن عودة عضومجموعة 22 عبر إحدى الفضائيات الوطنية .
ملحمة نوفمبر تزيد الساورة وهجا
وعند انطلاق شرارة الثورة المجيدة ليلة غرة نوفمبر 1954، كان أبناء بشار في الموعد، حيث أضحت ضمن المنطقة الخامسة ( وهران ) التي تضم الغرب والجنوب الغربي الجزائري، وبعد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، وما انبثق عنه من مقررات أصبحت بشار ونواحيها في نطاق المنطقة الثامنة ( ذات المساحة الشاسعة ) بالولاية الخامسة . كما كان ترابها مسرحا لعديد المعارك والعمليات العسكرية والاشتباكات بحسب التقارير التاريخية التي قامت بإنجازها الأمانة الولائية للمنظمة الوطنية للمجاهدين ببشار خلال ثمانينيات القرن الماضي أشهرها معارك : الميزاب الأولى 1956، لمراح في 17 سبتمبر 1956، العرق 1958، شعاب الجهالة بوادي قير 1958، الميزاب الثانية 1958، ومعركة حاسي تيمكناس بنواحي بوكايس في 20 أوت 1958، معركة العرجة بوادي زوزفانة 1959، اشتباك إقلي في فيفري 1959، وحصار موغل في 31 ماي 1959، ومعركة وادي قلمون في1960، إلى جانب المعارك والاشتباكات العديدة التي شهدتها منطقة مَنّونات وجبل بشار وجبل قروز...
جبل بشار شاهد على التضحية
إلا أن أبرزها كانت معركة جبل بشار في 27 مارس 1960، التي استشهد فيها قائد الولاية الخامسة بن علي دغّين (العقيد لطفي ) ومحمد لوّاج ( الرائد فَرّاج) ورفقاؤهما، وغيرها من المواقع الفاصلة والعمليات الفدائية النوعية التي تحتاج إلى أعمال مستقلة ( سمعية وسمعية بصرية ومكتوبة ) مع ضرورة إحياء ذكراها ومناسباتها بصفة دورية ومنتظمة .
كل هذه العمليات البطولية، يضاف إليها بسالة أبناء المنطقة وخطورتهم على الوجود الاستعماري، أدّى بالعدوإلى تطويقها بالأسلاك الشائكة والملغمة والمكهربة، ضمن إطار الخطوط التي أقامها على حدودنا الشرقية والغربية، والتي عُرفت في تاريخه الحربي وجرائمه ضد الانسانية بالجزائر ب ( خطي شال وموريس ) .
وفي الأخير .. وبالرغم مما عرفته ولاية بشار من أعمال بطولية ونوعية، وما قدّمته من إنجازات وطنية تخللت مسيرتها على درب المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1954 المجيدة، وتقديمها خيرة أبنائها في سبيل الله والوطن، إلا أن هذا الرصيد مازال لم يُعط حقه في مجال البحث والتأريخ والتوثيق والتسجيل، ضمن أعمال بحثية وأكاديمية تكون في مستوى هذا التاريخ الناصع، ويحتاج إلى من ينيط عن مراحله اللثام وينفض عن فصوله الغبار أكثر، وتقديمه للأجيال حتى لا تنسى جرائم المحتل التي لا تسقط بالتقادم، ولا تنسى كذلك أمجادها وما صنعه الآباء والأجداد في سبيل تحرير الوطن واسترجاع السيادة الوطنية، ولتهتدي بهذا الزخم التاريخي في بناء ( الجزائر المحروسة ) كما أرادها الشهداء والمجاهدون . .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.