سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاقتصاد الليبي قادر على الصمود 15 سنة بفضل تواجد احتياطات ب 140 مليار دولار. الدكتور عبد السلام الدغيس أمين مركز البحوث الاقتصادية بأكاديمية الدراسات العليا ل «الشعب»:
كشف الدكتور عبد السلام الدغيس: أمين مركز البحوث الاقتصادية بأكاديمية الدراسات العليا، أن ما يحدث من ثورات في البلدان العربية خطّة غربية تهدف إلى خلق الفوضى الداخلية لتبرير تدخّلها، ومنه السيطرة على المجال الاقتصادي والثروات والطاقة، موضحا بأن الاقتصاد الليبي قوي بما فيه الكفاية لمواجهة الأزمة. وتحدّث الدغيس عن الأموال الليبية المجمّدة والعمالة الأجنبية في ليبيا، وعن الدروس المستخلصة من الأزمات العربية، وأمور أخرى نكتشفها في هذا الحوار الذي خصّ به جريدة »الشعب«. ❊ الشعب: كيف تعلّقون على سعي الغرب وما يسمى المجلس الوطني الانتقالي للاستحواذ على الأرصدة الليبية المجمّدة في الخارج؟وهل هناك سند قانوني يسمح لهم بذلك؟ ❊❊ الدكتور عبد السلام الدغيس: هي قرارات عادة ما يفرضها القوي وليس القانون، ونحن كدولة لنا أمانات واستثمارات في الخارج كأوروبا، أمريكا، وبعض الدول الإفريقية والعربية على غرار تونس ومصر والمغرب، وحتى في بعض دول العالم الثالث من باب أن الجماهيرية كانت دائما ترغب في تعزيز التعاون الإقليمي والعربي لتحقيق التقدم الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. وبحكم وجود مراكز وحاجات للاستثمارات الضخمة، توجّهنا للاستثمارات في أوروبا وأمريكا الشمالية، وبأجزاء كبيرة من أموالنا الموجودة في الخارج التي تبلغ بين 120 و140 مليار دولار. وأؤكّد أن الأموال والأرصدة هي أمانات وأصول سيادية أو استثمارات تابعة لصندوق استثمار الأرصدة السيادية الليبية، أو من خلال استثمارات اقتصادية في هذه الدول، وتتبع هذه الأموال كذلك المؤسسة الوطنية للنفط أو مصرف ليبيا المركزي وليست تابعة للزعيم العقيد معمر القذافي مثلما يدّعيه الغرب أو تروّج له مختلف وسائل الإعلام. وبمحاولات استحواذهم على أموال ليبيا من خلال تجميد الأرصدة يهدفون إلى توفير غطاء معين لعصابات تسرق الأموال لصالح فئات معينة، وأعتبر ما يحدث قرصنة للأرصدة الليبية أو محالة للقرصنة، وهو ما يخالف كل القوانين والأعراف الدولية. وقد بيّنت الأزمة الليبية أن القانون غير موجود أساسا، وإن وجد فهو غير مطبّق، وما يحدث هو قانون للغاب تفرضه الدول الكبرى . ❊ الشعب: هل اتّخذتم إجراءات قانونية لحماية الأرصدة الليبية من عمليات القرصنة، وما هي الأهداف الخفية؟ ❊❊ الدكتور عبد السلام الدغيس: إنّ ما ينطبق علينا ينطبق على باقي الدول في حماية أموالنا، وما يحصل لنا من تجنّي على أرصدتنا يجب أن ينطبق على باقي الدول الأخرى التي تملك آلاف المليارات في الخارج. وما يحدث حاليا هو حتمية لفائض الأموال الكبير الذي نملكه وتملكه دولا أخرى والاقتصاد، يحثّ علينا التوجه لكبرى مراكز الأموال في العالم للأسف. وأؤكد أنه لو كان سند قانوني لمنحت الأرصدة الليبية للعصابات المتمردة من اليوم الأول، وهذا ما يحبط مؤامرة الدول الغربية التي اعترفت بكثرة مشاكل تحويل الأموال التابعة للدولة الليبية للعصابات. وبطبيعة الحال، فالغرب يسعى في الأخير إلى استعمال ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي مطية لنهب الأموال، ولكن أطمأنهم من الآن بأنهم لم يحصلوا على شيء إلاّ الفتات كما يقولون. والواضح أن رهانهم هو الاستيلاء على ليبيا بأكملها وثرواتها الطاقوية، والموقع الجيو استراتيجي الذي تتميز به ليبيا، فطول الساحل الليبي الذي يمتد على 1900 كلم يهمهم الاستيلاء عليه لتوسيع نفوذهم والسيطرة على المتوسط ومنه القارة الإفريقية، وحتى الاحتياطات الباطنية تهمهم. وفي سياق متصل، هم يعملون كل ما في وسعهم لإثارة الفوضى الخلاّقة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية حتى تتآكل البنى الاجتماعية والاقتصادية ويشتغلون على المتناقضات، ومنه السماح لإسرائيل من التحكم في الأوضاع من الفرات إلى المحيط الأطلسي. ❊ الشعب: هل تعرّضت الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات بليبيا لضغط غربي حتى تنسحب من ليبيا؟ ❊❊ الدكتور عبد السلام الدغيس: هو واقع بالفعل وقد اشتمل الأمر على الجميع، ولكن هناك أمر مهم يجب الإشارة له قبل انسحاب الشركات الأجنبية من ليبيا، فالسلطات الليبية اتخذت العديد من الإجراءات التحررية في الشق الاقتصادي تسبّبت في الكثير من الحساسية على مستويات الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية، فالسلطات قرّرت اللجوء إلى المناقصات الدولية لإنجاز المشاريع الكبرى والعملاقة بعيدا عن العواطف، وفي آخر المناقصات تأكد الغرب من انتهاء الهيمنة على النفط، وحظيت شركات من الجزائروروسيا وصينية برصيد الأسد بالنظر لقوة المنافسة وضعف العروض الغربية. كما أن ليبيا عن طريق الشركة الوطنية للنفط، قرّرت مراجعة حصة الأجنبي في المشاريع النفطية والتي نزلت إلى 10 بالمائة، وهو ما جعل الغرب يصطدم ويستغل أول فرصة للتآمر على ليبيا، لأنهم تخوّفوا من اقتداء الدول النفطية بما قامت به ليبيا، وعليه فحتى الشركات التي انسحبت دون ضغط أجنبي طمعا في الاستفادة من التعويضات الكاذبة التي وعدت بها أوروبا من أموال ليبيا المجمّدة، وحتى الشركات الأخرى تخوّفت من تعميم نسبة 10 بالمائة على باقي المجالات، ومنه استغلالها الفرصة للتخندق مع العدو. وكان الأمر متوقعا، فما حدث في ليبيا أعتقد أنه حدث في مختلف الدول التي شهدت ثورات، فالفوضى الخلاّقة التي تحدّثت عنها قد تكون وراء هذا الانسحاب، وقد يكون تآمرا من الغرب للسيطرة على العالم وحتى روسيا والصين تحت رحمة الغرب وهم يتنازلون للحفاظ على السلم الاجتماعي، والصين أكبر مستثمر في أمريكا من خلال السندات التي تمتلكها، والصين لا يمكن فصلها عن المجتمع الغربي من حيث لو قارنّا مصالحها الاقتصادية مع الغرب أو مصالحها الاقتصادية التي قد توعد بها في حال تغيير النظام في ليبيا، حتى في ليبيا فإنها تفوق ما ستجنيه من ليبيا، وعليه فليبيا تتعامل مع الأصدقاء لكن لن تتنازل عن حقها مع أي كان. والصينيون أو الروس أو العالم ككل واقع تحت الهيمنة الغربية، ولاحظ ألمانيا واليابان وغيرها من الدول، وبالنسبة للصين كذلك هي قارة وهي قضية وعلاقتنا فيها الكثير من التوازنات ولنا الكثير من أوراق الضغط، كما أن عروضنا الاستثمارية المستقبلية ستجلب كل الشركات بالنظر للوضع العالمي الاقتصادي المتأزم، وليبيا معروفة بصمودها أمام الهزات المالية والاقتصادية، وأنقذت الكثير من الدول في سنوات الثمانيات، وعليه فنحن مرتاحون من جهة المستقبل، وحتى رؤوس الأموال ليست لها جنسية، وعليه فكل المؤشرات توحي بتجاوزنا الأزمة بسلام لأننا ندير أموالنا بحكمة ورشادة وبعيدا عن الفساد. وأقول أنّ ما يحدث في ليبيا قد رفع أسعار النفط، ولكن للأسف العائدات ستكون من نصيب الدول الغربية والشركات الكبرى التابعة في ظل الفساد الذي ينخر العلاقات الدولية، لهذا نحن نخسر بعض الشيء ولكن صمودنا مكسب أكبر من عائدات النفط. ❊ الشعب: هل يملك الاقتصاد الليبي الإمكانيات للوقوف في وجه الحصار على المدى المتوسط والبعيد؟ ❊❊ الدكتور عبد السلام الدغيس: نحن لنا علاقة بالدول النفطية على غرار السعودية والجزائر والدول الأخرى، وبالتالي فنحن اقتصاد غير منتج ونعتمد على الريع، فحتى الحروب عادة تؤثر على الاقتصاديات المنتجة، وبالتالي فالقصف لن يطال وسائل الإنتاج، وبالتالي فالدول النفطية رهانها في مثل هذه الظروف هو توفير لقمة العيش للمواطن. ومن هذه الناحية وحتى وان استولوا على جزء من أموال ليبيا، ففي عز الحركة الاقتصادية الواردات تتراوح بين 8 و10 ملايير دولار، ومنه فنحن قادرون على الصمود 15 سنة. هذا إذا استمرينا على نفس وتيرة الاستهلاك، ويمكن لهذا المجتمع الريعي الذي يعيش مسرفا الإنقاص من الإسراف، وبالتالي نستطيع أن نقتصد أكثر لرفع سنوات المقاومة الاقتصادية من خلال تقليص الواردات إلى النصف. والمواطن الليبي يعتبرها حرب كونية سابقة، لأنه لم تجتمع دول كبيرة على دولة صغيرة مثلما يحدث معنا، ونحن كمجتمع احتياجاتنا بسيطة ونحن لنا توسع قاري وقادرون على العيش من الإبل التي تأتي من التشاد والسودان، وأضيف أن إخواننا من الشرق لن يفرّطوا فينا في أسوأ الأحوال. ❊ الشعب: كيف أثّرت الأزمة الليبية على اقتصادها واقتصاديات دول الجوار؟ ❊❊ الدكتور عبد السلام الدغيس: أكيد فيه تأثيرات وقد يكون الاقتصاد التونسي أكبر مستفيد من خلال تمكين قدراتها الإنتاجية الخاصة بالمواد الغذائية والنسيجية على التوسع والرفع من قدرات الإنتاج للتصدير إلى ليبيا، كما أن خدماتها الصحية ستكون مستفيدة من إقبال الليبيين عليها، كما أن ثورة الشعب التونسي ستكون في صالحنا، وسنساهم في التقليل من غضب الشارع التونسي، ونحن سيعترف بنا العالم بمرور الوقت لأن من يقف وراء الثورات معروف، وما حدث في تونس هو انعكاس إعلامي ولن يؤثر فينا، لأن ليبيا تراهن على المجتمع التونسي وليس الفايسبوك الذي تحرّكه أمريكا، وتونس معنا أمة واحدة بحكم التاريخ، فالتضامن فيما بيننا في أوقات الاستعمار أكبر من أن تفسده الدول الغربية. وهنا أشير إلى حكمة ووعي الجزائر بالمشاكل والأزمات، ومواقفها تبنيها دائما مما عاشته وخاصة في التسعينات، فهي تعرف ما هي التحديات، وانظروا إلى كيفية تصدي الجزائر لتنظيم القاعدة الذي يتحالف مع الغرب لبسط الهيمنة وتحذيرها من مغبة مواصلة التآمر على ليبيا، لأن الفوضى ستعود بالفائدة على الغرب. ونحن سنستفيد كثيرا مما حصل لنا خاصة من خلال الاعتناء بالموارد البشرية، حيث كان يعمل في ليبيا 3 ملايين عامل أجنبي، ويشتكي المواطن الليبي من البطالة وهو تناقض بسبب العقلية الريعية التي تميز الشاب الليبي، سنعمل على تداركه لتشجيع الشباب بحوافز مالية ومناصب هامة لتجاوز ما حصل لنا، ولكن ما يعيشه المواطن الليبي من بحبوحة من خلال دعم جل الأسعار الاستهلاكية، ولكن المستقبل وتحديات الاقتصاد والتحولات العالمية تفرض علينا تغيير الذهنيات خاصة لسوق العمل. ❊ الشعب: هل تعتقدون أن الأزمات وإثارة الحروب هي وسيلة من تجار السلاح لنهب أموال العرب والمسلمين؟ ❊❊ الدكتور عبد السلام الدغيس: حقيقة تجار السلاح في الدول الغربية هم من يتحكّمون في كل شيء، فالحروب باتت مخرجا للأزمات الاقتصادية من خلال الحصول على تمويل للحروب من دول نفطية لها أرصدة مالية كبيرة يستقطبها الغرب، ففي حرب الخليج ما جنته الولاياتالمتحدةالأمريكية من أرباح لا يمكن تصديقه، فقد جنّدت جميع شركاتها الناشطة في التأمين والنقل والصناعات الغذائية، وغيرها من المجالات. وما تتخبّط فيه اقتصاديات أوروبا وأمريكا من إفلاس اقتصادي، يجعلها تستنجد بإثارة الحروب للتقليل من الخسائر لأنهم فقدوا الأمل في كل شيء، وأستبعد أن تكون ليبيا بؤرة لسماسرة الحرب، لأن خسائرنا لن تكون كبيرة وتجنيد قوى أخرى مستبعد، وعليه فسلوكهم العدواني لن يتوقف خاصة في ظل الفساد الذي ينخر العلاقات الدولية.