ما تزال تشكل فاتورة استيراد الحبوب في الجزائر هاجسا مقلقا بالنسبة للسلطات العمومية، وهذا عندما يسجل ذلك الارتفاع في واردات القمح بنسبة 135 ٪ في 10 أشهر من السنة الجارية، وماليا فإنّها بلغت 42 ، 2 مليار دولار، وكميا 35 ، 6 مليون طن. والقراءة الأولية لهذه الأرقام، تؤكد بأننا تجاوزنا سقفا معيّنا في استيراد الحبوب، وكذلك تراجعنا في تقليص الفاتورة. هذه المقاربة البديهية ما هي إلاّ انعكاس لاعتبارات جوهرية، أهمّها أنّ فرع إنتاج الحبوب بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية لم يوسّع المزيد من مساحات الإنتاج الحالية والمقدر ب 2 ، 3 مليون هكتار، والتي تنتج ما قدره 45 مليون قنطارا سنويا، وهذا يعني أن الهكتار الواحد لا يزيد عن 30 أو 35 قنطارا، في حين وصل في السنوات الماضية إلى 60 قنطارا في الهكتار الواحد، وخاصة في الشرق الجزائري. والاعتبار الآخر، هو أن استهلاك القمح اللين في الجزائر ونعني به “الفرينة”، بلغ رقما قياسيا أي تمّ استيراد 95 ، 4 ٪ مليون طن بقيمة 78 ، 1 مليار دولار ،زيادة تقدّر ب 98 ، 159 ٪ على غرار السنة الفارطة، في حين كانت الطلبات في القمح الصلب 39 ، 1 مليون طن بقيمة 001 ، 633 مليون دولار. ويبين هذا الفارق بأن القمح اللين يتجاوز بأضعاف القمح الصلب من حيث الكمية المستوردة، ويتوقع تخصيص ما بين 700 و800 مليون دولار لاستيراد الفارق دون إقحام في ذلك واردات المتعاملين الخواص. وتبعا لذلك، فإن النسب المسجلة يلاحظ بأنها تفوق ال 100 ٪، وهذا يعود إلى حركية أسعار الحبوب في الأسواق العالمية، وعدم قدرة التحكم فيها لأنها خارجة عن نطاق الجميع، وخضوعها للسرعة الفائقة والجنونية في التوقف عند سعر معين. وهذا العامل كله يؤدي إلى تسجيل فارق معتبر في السعر الذي يدفع في عملية الشراء الأولى والثانية وغيرها. هذا يتطلب علاقات تجارية خاصة مع الأسواق العالمية، والكل يعاني من هذا الجانب والمتعلق بالكيفية التي يتم التحكم أو متابعة أسعار الحبوب في هذه الأسواق. ويتذكر الجميع الأزمة التي مرّ بها العالم مؤخرا، ورفض روسيا بيع منتوجها من الحبوب وأبقته في إطاره الاستراتيجي، وبعد أيام تمّ تسريح عملية البيع. كل هذا زاد في السعر زيادة هامة أثّرت كثيرا على البلدان التي تستورد هذه المادة الحيوية بالشكل الذي تراه كافيا لشعوبها، بالرغم من أن المتعاملين الأجانب مع الجزائر هم فرنسا، كندا، ألمانيا، الولاياتالمتحدة، إسبانيا والمكسيك أي 6 بلدان ثلاثة من أوروبا واثنان من أمريكا الشمالية وبلد واحد من أمريكا الجنوبية كلّها معروفة في إنتاج الحبوب، وعوامل مناخها لا تختلف عن الجزائر، يبقى فقط قدراتها التكنولوجية في استعمال نوعية الحبوب والمكننة وحماية المساحات وإمكانيات التخزين، وغيرها من التطورات الهائلة في هذه المادة الاستراتيجية.ومهما تكون المقارنات حول ما استورد بين سنتي 2010 و2011، وفارق الأموال الموصودة، فإن ما صدر من تقرير عن المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصائيات التابع للجمارك، يظهر بأن هناك تذبذبا في استيراد الحبوب من ناحيتي الكمية والقيمة المالية الباهضة، وما على وزارة الفلاحة والتنمية الريفية إلا إعادة قراءة جدية لهذه الأرقام، وهذا من خلال تحريك فرع الحبوب لديها، والتواصل معه من خلال تحسيسه بحجم التحدّي الذي يتطلّب الأمر رفعه خلال المرحلة القادمة، وهذا من جميع النواحي الضرورية لتقليص كميات استيراد القمح اللين خاصة وهي الكمية التي بلغت حدا لا يطاق. ويجب أن يؤخذ هذا الأمر مأخذ الجد من طرف المسؤولين لفرع الحبوب بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، لأن موسم 2008 2009 عرف إنتاجا ب 23 ، 61 مليون قنطار، وموسم 2009 2010 سجّل فيه 5 ، 45 مليون قنطار، وهذا يعني بأن هناك تراجعا ملحوظا يصل إلى قرابة 15 مليون قنطار.ونعتقد بأن الجزائر من البلدان التي تؤمن إيمانا راسخا أن الرهان كل الرهان اليوم هو الاعتماد على الأمن الغذائي، ويمكن أن تحقّق هذا الهدف إن انتهجت شعار “الصرامة” في الأداء الفلاحي، وتستطيع أن تصدّر منتوجها بكل سهولة إلى الأسواق العالمية. وفرع الحبوب من المواد الاستراتيجية التي بإمكان وزارة الفلاحة والتنمية الريفية أن تعيد النظر في كل هذه المنظومة الحيوية، بإدخال عليها تعديلات جوهرية تتجاوز طرق التسيير البالية، لأن الدولة بصدد تقديم دعم فلاحي قوي، ويجب أن يلمس الجزائريون ذلك التحوّل المراد تحقيقه في هذه الشعبة الفلاحية. ولا يمكن أن تمرّ تلك الأرقام مرور الكرام، وكأنّ شيئا لم يحدث، لابد أن نشعر بأنّ 45 مليون قنطار من الحبوب المنتجة حاليا غير كافية، ونستورد الفارق المقدّر بحوالي 6 ملايين قنطار (45 قنطار قمح لين، 5 ، 1 قنطار قمح صلب)، يجب أن يبذل المزيد من الجهد لسدّ على الأقل جزءا من هذه الفجوة.