يعرف كل من درس النقد الأدبي أن الأديب إبن بيئته، يصدق هذا في الأدب العربي وفي الأدب العالمي، منذ الزمن القديم إلى اليوم. فكما تفاعل الشاعر العربي في زمن الجاهلية مع أصوات القبيلة وعبر عن قيمها ومصائرها، كذلك عبر الأديب في كل فترة من فترات المجتمع الذي ينتمي له عن لحظات الفرح والحزن. وقد قرأنا الكثير من التصنيفات الشكلية والمضمونية للآداب، ومنها مثلا: الأدب القديم والأدب الجديد، الأدب التراثي والأدب الحداثي، الشعر العمودي والشعر الحر... ويمكن أن نذكر أدب الاعترافات، أدب السجون والمعتقلات، أدب المنافي، أدب الرحلة، الأدب الشعبي، أدب البوليسي، الأدب الغرامي، أدب الخيال العلمي... وفي الجزائر نجد بعض التصنيفات الأدبية التي واكبت المجتمع الجزائري، مثل أدب الثورة، أدب الاشتراكية،الأدب النسوي، أدب الإرهاب والعنف، أدب الحراك الشعبي... ويشهد العالم اليوم اكتساحا مخيفا مرعبا لوباء كورونا، وتحول لجائحة خطيرة، تهدد الدول والشعوب، فهل نقرأ مع وباء كورونا أدبا جديدا، يمكن أن نسميه أدب الكوارث؟؟ لقد كتب الأديب عن الكوارث، كما نقلت الفنون مشاهد عن صراع الإنسان ومقاومته للكوارث. وتجلت القيم والروح والأفكار، سواء في زمن البراكين أو الزلازل أو الفيضانات أو الحروب أو المجاعات... وعندنا في الجزائر، هناك بعض الروايات والنصوص الشعرية التي تحدثت عن الكوارث الطبيعية المختلفة، فكتب مثلا مفدي زكريا عن زلزال أصاب بنزرت التونسية، وكتب المبدع والدكتور عبد الغني خشة رواية «الزلزلة» عن زلزال حل بمدينة جزائرية، وهناك نماذج أخرى قليلة العدد، وهي تنبّهنا لضرورة فتح صفحات البحث العلمي لدراسة أدب الكوارث. إن هذا النوع من الأدب يتطلب مجموعة من الشروط، كما أنه صعب وليس بالسهل، فهو يحتاج معرفة بالكون وتحولات الطبيعة، كما يحتاج لمعرفة بانقلابات النفس البشرية وطرق تأثرها بالكارثة، وعلى المبدع امتلاك القدرة على كشف الجمالي والعاطفي للمستفيدين من الكوارث، أولئك الذين ينهبون الأوطان ويحتكرون البضائع ويسرقون قوت الشعوب. كما على المبدع نقل صور التضامن والتكافل والتضحية ومأساة العائلات ولحظات الألم لدى الأفراد والجماعات... دون أن ننسى أهمية نقل مشاعر الأطفال في زمن الكارثة، وتحركهم داخل أمكنة الموت والحياة، ونقل عواطف الحب وأحاسيس فقدان الأهل والأحبة والأصدقاء... وأدب الكوارث نراه معبّرا عن الارتباط بين الإنسان وخالقه، وتحضر فيه قيم الحب الإلهي والإيمان الروحي ولحظات انتظار الموت، وهنا نقرأ- كما هو في الأدب العربي والعالمي - ضعف الإنسان وهوان سلطانه، وكيفية تراجع بطشه وطغيانه وظلمه أمام قوة الله، وهنا تختلف طرق التناول بين أدباء ينتمون لحضارات وديانات وثقافات مختلفة. قد نقرأ مستقبلا أدبا كثيرا عن هذا الوباء العالمي الذي نبّه الإنسانية لكثير من القيم والتصورات، وكشف النقاب عن انهيار الحضارة الغربية وتفكك علاقات الاتحاد الأوربي، كما بين للجزائريين أن الوطن يتوفر على الشرفاء والمتطوعين والمخلصين، كما يتوفر على المحتكرين والسرّاقين و»الباندية»، وسيلتقي الجميع في روايات، قصائد أفلام، مسرحيات... وكل الفنون، بعد أن تمر هذه الأزمة الفيروسية بسلام على وطن الشهداء. اللهم احفظ الوطن ونجّه من كل بلاء ووباء.