الإنسانية تعيش أخطر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية وأخطر وباء منذ ما يقارب القرن «الأنفلونزا الإسبانية 1918»، ويمكن اعتبارها حرب عالمية ضد وباء كورونا، تسببت في حجر صحي على أكثر من نصف سكان العالم وشلل تام للاقتصاد العالمي، وتوقف شبه كلي لحركة الطيران والنقل عموما وانهيار أسعار البترول والبورصات العالمية. استغلال الموقع الاستراتيجي للجزائر في قلب المثلث الصيني - الأمريكي - الألماني كبوابة لإفريقيا؛ لأن تحرر إفريقيا من القوى الاستعمارية التقليدية (فرنسا وبريطانيا وايطاليا والبرتغال واسبانيا) سيجعلها محور صراع القوى العظمى الجديدة لبسط النفوذ ويجب أن تلعب الجزائر دورا رياديا من خلال الاتحاد الإفريقي وتوحيد المواقف بما يمكن من الاستفادة من هذا الصراع وتوظيفه لصالح القارة السمراء ولصالح شعوبها، التسريع في إحداث مركز للذكاء الاقتصادي، والتنسيق مع مركز للدراسات الاستراتيجية الشاملة (رئاسة الجمهورية) والمجلس الاقتصادي والاجتماعي (الحكومة) ومعهد الدبلوماسية والعلاقات الدولية (وزارة الخارجية)، وبالتعاون مع الكفاءات الجامعية لبلورة أوراق وتصورات واستشراف التوجهات السياسية والاقتصادية والأمنية المستقبلية، بما يساعد السلطة التنفيذية من أخذ القرارات السليمة على الصعيد الديبلوماسي، عشرة نقاط نعتبرها جوهرية في تحويل الأزمة العالمية إلى فرصة حقيقية للجزائر وإدخال إصلاحات عميقة يكون المواطن الجزائري جوهرها والإنسان هدفها الأسمى، وهذا في إطار شراكة حقيقية بين كل الأجهزة النظامية والمواطنين، خاصة من خلال الرابطة القوية التي أكدها النموذج الجديد في العلاقات المدنية-العسكرية التي تؤكد على الالتحام التام بين الجيش والشعب، هذا إلى جانب الدور البارز الذي تلعبه المؤسسة العسكرية كمؤسسة عالية الاحترافية في مهامها السيادية للحفاظ على أمننا الوطني بمفهومه الشامل والمتكامل (الأمن الصلب والأمن اللّين) وعلى كل المستويات الجهوية وفي شتى المناحي. ثالثا: الفكر الاقتصادي والمشروع الوطني المستقبلي هذا الطرح ليس وراءه إيديولوجيا شيوعية أواشتراكية، بل محاولة لاستعادة الجانب الإنساني والأخلاقي في الفكر الاقتصادي وإعادة الإعتبار لدور الدولة في تأمين الحد الأدنى من الخدمات ما يحفظ كرامة الإنسان وإعطاءه وسائل الانطلاق في الحياة على قدم المساواة من صحة وتربية ومسكن، ثم ما زاد على ذلك فليتنافس المتنافسون في كل المجالات والقطاعات، فليفجّر الشباب طاقاته وإبداعاته وابتكاراته واختراعاته وطموحه داخل رحاب الوطن وخارج أسواره. فالهدف ما بعد النيوليبيرالية المتوحشة والتطرف اليميني والنظام العالمي الحالي، ليست الشيوعية أوالاشتراكية المقيتة أوالأنظمة الشمولية أووقف التجارة الدولية أوالتطرف اليساري، وإنما المحافظة على ديمقراطية ضمن دولة قوية، دولة القانون والمؤسسات منفتحة على العالم، تعطي فرصة لجميع المواطنين سواسية لتفجير أحسن وأرقى ما في الإنسان. الجزائر التي أبهرت العالم بحراك سلمي مبارك العام 2019 وتحقيق نجاح سياسي من خلال العزم على انتخاب رئيس جمهورية في كنف الشفافية والنزاهة، وهي تجربة فريدة من نوعها ديمقراطيا وسياسيا، بإمكان الجزائر الخروج من هاته الأزمة العالمية أقوى وهذا يتطلب أن تكون الجبهة الداخلية صلبة سيادية غير مخترقة، لبلورة المشروع الوطني الديمقراطي والاجتماعي على أرضية أخلاقية يكون محورها الإنسان في إطار رؤية استراتيجية واضحة ومحددة المعالم والتوجهات داخليا وخارجيا وفق أجندة زمنية متوسطة المدى وتصور مستقبلي ممكن. تنتظر الجزائر مرحلة ما بعد كورونا لإطلاق ورشات مهمة للإصلاح العميق، لأن بلادنا تجتاز فيها فترة تاريخية تميزها العديد من السيرورات الانتقالية: ديمقراطية وسياسية وديمغرافية ومجتمعية واقتصادية وحتى ثقافية، إنها مرحلة التساؤلات العميقة القادرة على بلورة المشاريع الكبرى وعلى تجديد المشروع الوطني وتسريع وتيرة التنمية في بلادنا(8). وفي هذا الصدد، ينبغي أن يستحضر المشروع الوطني الأبعاد المحددة للتنمية الإنسانية التي تعتبر بدورها محددة ليس فقط بالرهانات والاختيارات السياسية، ولكن أيضا بالسياقات المختلفة والظرفيات الداخلية والخارجية التي تشترط هذه الاختيارات، وهكذا فإن محاولة القيام بقراءة لماضينا وتاريخنا في ضوء المرجعية القانونية والمفاهمية المتداولة اليوم دون مراعاة الطابع النسبي للسياسات العمومية، بالنظر إلى مختلف سياقاتها وتياراتها التنموية المعتمدة حين بلورتها؛ إن الأخذ في الاعتبار كل ذلك كان من الممكن أن ينزلق بنا في اتجاه عدم الإنصاف والوفاء بالأمانة إزاء الفاعلين في تلك الحقبة. وتتمحور ورشات الإصلاح اليوم حول مفهوم «بناء الإنسان»، الذي يعد في الوقت ذاته محرك التنمية وغايتها، وفي ضوء ذلك لا يمكن إغفال ما حققته بلادنا، دولة ومجتمعا من تقدم وما اعتراها من نواقص، وذلك من خلال قراءة استرجاعية لمسار الجزائر حول تطور التمكين الإنساني للجزائر كشعب، والعمل على تحريره للجزائر كدولة، ومن تثمينه باعتباره حياة وتجليات وكذا تعبئته من حيث قوة عمل وإنتاج للثروات، هذا دون أن نهمل الإمكانات المادية والطبيعية، بوصفها إطارا وموردا للتنمية الشاملة والمستدامة، تقف العديد من التساؤلات الكبرى المطروحة اليوم على الجزائر، وتقف على الاتجاهات الوازنة لتطورها الحالي، والتي سيكون لها تأثير على مستقبل البلاد، كما تحدد «بؤر المستقبل» التي تحمل العديد من الإشكاليات الكبرى التي تستدعي انعطافات حاسمة من أجل تشييد جزائر أفضل، وبحسب مدى قدرتنا على إنجاح الانتقالات الحالية والإنخراط الموفق في الإصلاحات الجديدة التي ما أحوجنا إليها من أجل الدخول في الجمهورية الجديدة وتأسيس مشروع مجتمع حقيقي يضع في قلب تصوره بناء الإنسان الجزائري، لتحقيق مستقبل أفضل(9) . الخاتمة علينا أن نجعل من هذه الفرصة الذهبية، وقفة تاريخية لتقييم الأشواط التي قطعتها بلادنا على درب التنمية والبناء والتشييد، خلال ما يقارب الستة عقود، بنجاحاتها وصعوباتها وطموحاتها وإخفاقاتها، مستخلصين العبر من اختيارات هذه المرحلة التاريخية، والمنعطفات الكبرى التي ميزتها، مستهدفين من ذلك ترسيخ توجهاتنا المستقبلية على المدى البعيد بكل ثقة ووضوح، مبرزين بكل تجرد وإنصاف الجهود الجبارة التي تبذل لوضع الجزائر على سكة بناء دولة قوية تتماشى والمعطيات العصرية، وتلكم خير وفاء لصانعي استقلال الوطن. وعليه، تتمثل الغاية الأولى من هذا الموضوع في تغذية النقاش العمومي وفتحه على أوسع نطاق حول السياسات العمومية التي يتعين تفعيلها في المستقبل القريب والبعيد، وذلك في ضوء الدروس المستخلصة من أزمة كورونا، وقد خلصت هذه الورقة للقناعات الثلاث التالية: - إن مصير بلادنا يوجد بين أيدينا، فبلادنا في مفترق طرق، وتتوفر اليوم على وسائل انخراطها الحازم في طريق طموح وطني كبير يتقاسمه الجميع ويتمفصل حول التنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة والقطاعية، وللقيام بذلك يتعين على المجموعة الوطنية اعتماد اختيارات منسجمة وتسريع الوتيرة وتعميق ورشات الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتحقيق القطيعة التامة مع الممارسات والسلوكات التي ظلت تعيق التنمية في بلادنا؛ - إن فضائل النقاش العمومي لا تقدر بثمن، ولا شيء يمكن أن يعوض في مجال تدبير الحياة السياسية جدال وتلاقح الأفكار والمفاهيم والتحاليل، طالما كان الهدف هوخدمة المشروع الوطني المتقاسم بين الجميع؛ إن الممارسة الديمقراطية الموطدة، هي وحدها التي يمكن أن توجه بلادنا نحوالسير الثابت على طريق النجاح، فممارستها بمثابرة مدعمة بتحمل كل واحد منا لمسؤوليته، مع تحلي الجميع باليقظة، يجعل منها مجرد ترف فكري أوحلما يستحيل تحقيقه. الهوامش 1 - محمد عبد الله يونس، كيف ترسم المفاهيم المتداولة ملامح «عالم ما بعد كورونا»؟، دراسات خاصة، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 02، 29 مارس 2020. 2 - إدريس عطية، ديمقراطية كورونا: السياق العالمي والدروس المستفادة، جريدة النصر، العدد 16181، ص.17. ErolYayboke, Five Ways COVID-19 Is Changing Global 3 -Migration, Center for Strategic and International Studies, March 25, 2020. Sarah Boseley, Boris Johnson has coronavirus. Why do 4 - politiciansseemprone to it?, The Guardian, March 27, 2020, accessible at:https://bit.ly/34g45XI 5 - إدريس عطية، ظهورنظام عالمي جديد بعد «كورونا»والقوى الدولية سوف تتغير… جريدة الشعب، 17 مارس 2020، أنظر على الرابط التالي؛http://www.ech-chaab.com/ar/D D8/AF/D8% %80%A6.html With Boris Johnson in Intensive Care, UK Faces a Leadership 6 - Quandary, The New York Times, April 8, 2020, accessible at:https://nyti.ms/2Rnk0ht Mélissa Godin, Why Are So ManyPoliticiansTesting Positive With 7 - COVID-19?, Time, March 11, 2020, accessible at:https://bit.ly/34hXITx 8 - إدريس عطية، أسئلة ما بعد وباء كورونا في الجزائر: هل تكون فرصة لتصحيح الأخطاء ؟، جريدة الشعب، 25 مارس 2020، أنظر على الرابط التالي؛ http://www.ech-chaab.com/ar/%D8%A1-%D8%9F.html 9 - إدريس عطية، كورونا ودول الجنوب: أي تأثير؟ وأي مستقبل، مجلة العرب الدولية (لندن)، العدد 17843، ص ص. 34-37. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. الحلقة الثانية والاخيرة