ترى الدكتورة لوني نصيرة، أستاذة القانون الدستوري بجامعة البويرة، أن مشروع تعديل الدستور الجديد، من شأنه إرساء دولة الحق والقانون، وتحقيق طموحات الشعب الجزائري، كما يسمح بتجسيد فكرة «الدولة تستمد مشروعيتها من الإرادة الشعبية». «الشعب»: ما مدى أهمية عرض هذه الوثيقة للاستفتاء الشعبي، وعدم الاكتفاء بمصادقة البرلمان بغرفتيه عليها؟ الأستاذة لوني نصيرة: حقيقة المكتسبات والإجراءات التي تضمنها التعديل الدستوري الجديد جاءت استجابة لمطالب الحراك الشعبي المبارك كونه كان مسارا أساسيا في بناء الجمهورية الجديدة. والدستور الساري ينص على أن رئيس الجمهورية يستدعي الشعب للاستفتاء عليه بعد مصادقة البرلمان عليه في غضون خمسين يوما، حيث تنص المادة 08 من الدستور على أن السلطة التأسيسية ملك للشعب الذي يمارس سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها. ويمارس أيضا عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين وتخول ذات المادة لرئيس الجمهورية أن يلتجأ إلى إرادة الشعب مباشرة. وحسب نص المادة 91 من الدستور، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى من الدستور بعدة سلطات، وصلاحيات من أهمها أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء. وهكذا يعد الاستفتاء الشعبي أحد صور السيادة الشعبية وطريق لممارستها، وهو مظهر الديمقراطية التي يقوم عليها بلادنا الى جانب المواطنة، والإرادة الشعبية، وسمو الدستور باعتباره بطاقة تعريف للدولة، وعليه الاستفتاء الشعبي سيمنح الشرعية للمراجعة الدستورية. - ما هو انطباعكم حول آفاق الحريات الفردية والجماعية لما بعد الدستور ؟ رأينا في موضوع حقوق الإنسان مستقبلا، أنه ينطلق من دستور توافقي ذو توجه مستقبلي يؤسس لدولة ديمقراطية عصرية وحديثة جديدة، قوامها يرتكز على مبادئ المواطنة والمساواة وسيادة القانون، وكذلك دستور يحمي ويعزّز ويصون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في المستقبل في إطار احترام القانون الأسمى في البلاد والقوانين المعمول بها في هذا المجال. وعلى هذا الأساس، فإنه بموجب التعديل الدستوري، يجسد أكبر قدر ممكن والحقوق والحريات العامة، وذلك على اعتبار أن الديمقراطية في الدول الحديثة أصبحت تقاس بمدى توفير الجو الملائم لممارسة الحق واحترام الحريات. المشكل ليس في كتابة الدستور، وإنما في مدى تحقيق القفزة والنهضة المأمولة والمنتظرة لبلادنا المستقبلية، التي لا ترتبط بالنصوص بل بالإرادة الحرة الفاعلة، والإرادة كذلك في النفوس. - الدستور الجديد كرس مبدأ الفصل بين السلطات، لكنه قد يؤدي إلى هيمنة سلطة على أخرى، كيف يمكن التوفيق والتكامل بينها؟ أملنا الوحيد في هذا الدستور الجديد، دستور مؤسسات وليس أشخاص، يؤسس لدولة حديثة قوية عصرية متطورة، يكون فيه الفصل بين السلطات فعلا وليس قولا، لأن مبدأ الفصل يعد أحد أهم الضمانات القانونية، وأبرزها في مجال المحافظة على نفاذ القواعد الدستورية، وضمان ذلك. ويقوم هذا المبدأ على دسترة اختصاصات كل سلطة على حدة، ويعمل على تكريس الرقابة المتبادلة بينها، وذلك في سبيل تحقيق التوازن والتكامل المنشود، الذي نتفادى به تعسف أي سلطة أو تغولها على حساب السلطات الأخرى. إذ يتجلى مبدأ الفصل بين السلطات من خلال استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والتنفيذية، إذ أن القاضي لا يخضع إلا للقانون، والقاضي محمي من كل أشكال الضغوطات والتدخلات والمناورات، التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه، والنصوص تؤكد على استقلالية القضاء من الناحية الوظيفية. - هل هناك آليات لتعزيز الرقابة على الجهاز التنفيذي؟ هناك تغيير في الدستور الحالي بالعودة إلى تسمية رئيس الحكومة، وسيكون من الأغلبية الفائزة في الانتخابات التشريعية التي تقدم الشخص الذي يترأس الحكومة أي تقوم بتقديم مجموعة من الشخصيات، والرئيس يختاره من الأغلبية البرلمانية. والأهم هو أنه لأول مرة الحكومة ستكون ملزمة عند تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان، أن ترفقها بالنصوص التطبيقية لأنه في السابق عندما كانت النصوص التطبيقية، لا ترفق مع المشروع، على سبيل المثال: قانون الإعلام لسنة 2012 إلى غاية يومنا، هذا لم يصدر نص تطبيقي خاص بالإعلام الإلكتروني رغم إشارة القانون إليه. - ما هو دور المجتمع المدني بالجزائر مستقبلا؟ نؤكد على أن المجتمع المدني يلعب دورا بارزا في المجتمع خاصة في تعامله مع المشكلات التي تعاني منها، والتي يصعب على المؤسسات الرسمية معالجتها، وبالتالي مؤسسات المجتمع المدني تعمل جاهدة على غرس قيم الثقافة المدنية المعاصرة، بالإضافة إلى ما يشكله من ضوابط احترام الدستور والقانون. فالجزائر من الدول التي تبنت الخيار الديمقراطي وعملت على دعمه، ومنها على سبيل المثال الأحزاب السياسية، والتنظيمات الثقافية والجمعيات والحركات الجمعوية، إلا إن الواقع يترجم عكس ذلك، حيث نجد معظم مؤسسات المجتمع المدني تعاني من القيود مثلا لدورها في الوقاية من الفساد ومكافحته. من جهتنا، نثمن جهود لجنة الخبراء المكلفة بصياغة اقتراحات مراجعة الدستور، حيث تم الأخذ باقتراح الاتحادية الوطنية للمجتمع المدني، كاملا في نص المادة 74 من المشروع التمهيدي بخصوص حرية الإبداع الفكري، فيما يخص المادة 78 من التعديل لتصبح المادة 74 تنص: حرية الإبداع الفكري بما في ذلك أبعاده العلمية والفنية مضمونة. لا يمكن تقييد هذه الحرية إلا عن المساس بكرامة الأشخاص أو المصالح العليا للأمة أو القيم والثوابت الوطنية. يحمي القانون الحقوق المترتبة عن الإبداع الفكري. في حالة نقل الحقوق الناتجة عن الإبداع الفكري يمكن للدولة ممارسة حق الشفعة لحماية المصلحة العامة. وفي الوقت الراهن أصبح المجتمع المدني قوة ضغط فعالة، وشريكا لا غنى عنه في تحقيق الكثير من المشاريع التنموية، وذلك من خلال عدة فعاليات يمكنه أن ينخرط فيها كالإعلام والتوعية والمطالبة بالشفافية في التسيير.