ورشات كبرى..صعابٌ ومواصلة الحرب على الفساد تكتمل السنة الأولى على انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، هذا السبت..سنة أطلق خلالها ورشات كبرى، في السياسة والاقتصاد والإدارة العمومية، وواجه فيها صعوبات جمة، كتفشي جائحة كورونا، انهيار أسعار البترول، والمقاومين للتغيير. «بالتغيير ملتزمون وعليه عازمون»..بهذا الشعار الذي يتصدّر وثيقة من 54 التزاما، دخل عبد المجيد تبون سباق رئاسيات 12 ديسمبر 2019، رفقة 4 مترشحين آخرين، ليفوز في النهاية بنسبة 58.13 بالمائة من الأصوات المعبّر عنها. وفي سابقة في التاريخ السياسي للبلاد، لم يعترض أي من منافسيه على النتيجة النهائية للاقتراع، الذي جرى لأول مرة تحت الإشراف الكامل للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وحضر جمعيهم حفل تنصيبه رئيسا للجمهورية في 19 من نفس الشهر. انتخاب تبون، لم يكن مجرد انتصار سياسي لمرشّح أطلق على نفسه «مرشح المجتمع المدني» و»مرشّح الشباب» و»مرشح الطبقات الضعيفة والمتوسطة»، وإنما انتصار للمسار للدستوري الذي اختارته البلاد للخروج من معضلة شغور منصب رئيس الجمهورية منذ الثاني أفريل 2019. فالجزائر ورغم الضغوط الشديدة، لم تقع في نفس الفخ الذي وقعت فيه سنة 1992، وتفادت المرحلة الانتقالية بمجاهيلها واستقطباتها الخطيرة، وتشبّثت بالمخارج التي يقرها الدستور في مواده 07، 08، 102 و104، لتكتسب مناعة مؤسساتية مكنتها من التصدي لتقاليد الدول الفاشلة التي لا تملك قرارها بيدها. واستعادة القرار السيادي وتملُكه، هو الإطار الذي وضعه الرئيس تبون، عند الشروع في تجسيد برنامجه، حرصا على السيادة الوطنية، ومراعاة للمصالح العليا للدولة بدل الأشخاص أو الجهات التي استسهلت لسنوات التأثير على القرار السياسي الوطني. وعبّر تبون عن ذلك في عديد المناسبات بقوله: «إن السيادة الوطنية خط أحمر، لن نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية أو في قراراتنا من أي كان، وهذا أمر لن نتنازل عنه ومستعدون للمستحيل من أجل ذلك». ماذا تريد الجزائر الجديدة؟ بعد خطاب التنصيب وما تبعه من حوارات إعلامية شهرية متتالية، قدّم رئيس الجمهورية إجابات متناغمة عن السؤال الكبير: ماذا تريد الجزائر الجديدة؟ وينبع هذا السؤال من المطالب الشرعية التي رفعها ملايين الجزائريين في المسيرات السلمية التي انطلقت في 22 فيفري 2019، والتي يصفها بالحراك المبارك الأصيل. ولأن ما تطمح إليه أية دولة لا يقل أهمية عن الجهر به أمام الرأي العام الوطني والدولي، اعتمد الرئيس تبون خطابا مباشرا، لإعلان الأهداف المستعجلة الواجب تحقيقها لينسجم حاضر البلاد مع شخصيتها التاريخية ومكانتها كأكبر دولة في إفريقيا. ولأول مرة منذ أزيد من 20 سنة، تتخلى الجزائر عن دبلوماسية الموقف، لصالح دبلوماسية الدور، وأكدت في جانفي الماضي وأمام تعدد اللاعبين الدوليين وحجمهم، أنها «لن تسمح بسقوط العاصمة الليبية طرابلس»، وشدّد على «أنها خط أحمر». وأكدت الجزائر في قمة برلين أنها لن تقبل بحل في هذا البلد النفطي لا يخدم أمنها القومي، وطرحت تصورها للحل على الأطراف الليبية وكانت وراء اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين حكومة الوفاق وقوات حفتر شهر فيفري. الرئيس عبد المجيد تبون، أكّد أن الجزائر لن تغض الطرف عن مفتعلي الفوضى على حدودها، وأعلن أنها معنية بلعبة الصراع الإقليمي الجاري في كل من ليبيا ومالي، وانتقل في النصف الثاني من نوفمبر الماضي إلى الصحراء الغربية. كذلك، لم يتردّد رئيس الجمهورية في الأشهر الستة الأولى، للسنة الجارية، في إثبات استعداد البلاد للخصومة الدبلوماسية، دفاعا عن السيادة الوطنية ورفضها للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، والابتزاز الإعلامي الذي طالما استخدم في ليّ ذراع السلطات السياسية السابقة. واستدعت الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي السابق، ثلاث مرات في ظرف شهرين، واستعدّت سفيرها لدى باريس للتشاور أواخر ماي الماضي، تنديدا بمحاولات الإساءة للشعب الجزائري عبر استهداف حراكه من وثائقي «مشين» بثّته قناة فرنسية. الردود القوية الصادرة في سياق عدم السماح بتجاوز خط السيادة الوطنية «الأحمر»، مثلما كان الحال مؤخرا مع لائحة البرلمان الأوروبي، أكّد بشأنها وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر، أنّها «رسالة للداخل والخارج مفادها أن الجزائر الجديدة أصبحت تتعامل بطريقة مغايرة، ولن تقبل الدروس الجوفاء أو الوصاية أو الموروثة عن الاستعمار». مسألة الذّاكرة الوطنية لم يتوقّف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عند إعادة رسم خطوط موقع الجزائر في الخارطة الجيو-سياسية، بل أعاد بعث مسألة الذاكرة الوطنية على أبعادها الحقيقية وتجلى ذلك في رسالته بمناسبة الاحتفال بذكرى مجازر 08 ماي 1945، والذي أعلنه يوما «وطنيا للذاكرة». لقد أكد الرئيس، أن أي مباحثات مع الجانب الفرنسي حول الملف، يجب أن تشمل الفترة الاستعمارية للجزائر كاملة من 1830 إلى 1962، وشدّد أنه لا أحد بإمكانه تهوين ما اقترفته فرنسا من جرائم في حق الشعب الجزائري، وأن إحصاء الشهداء لا يتوقف على سنوات الثورة التحريرية المباركة (7 سنوات) وإنما يمتد ل 132 سنة. وقال في الرسالة: «إنّ القمع الدموي الوحشي للاحتلال الاستعماري الغاشم، سيظل وصمة عار في جبين قوى الاستعمار التي اقترفت في حق شعبنا طيلة 132 سنة، جرائم لا تسقط بالتقادم رغم المحاولات المتكررة لتبييضها، لأن عدد ضحاياها تجاوز الخمسة ملايين ونصف المليون ضحية من كل الأعمار، أي ما يمثل أكثر من نصف سكان الجزائر». الشخصية الثورية المتفرّدة للجزائر في العالم، تمكّنت من استرجاع جزء مشرق وخالد من تاريخها، باستعادة رفات قادة المقاومات الشعبية ضد الاستعمار في ذكرى عيدي الاستقلال والشباب المصادفة ل 05 جويلية. استعادة أول دفعة من رفات وجماجم 24 بطلا مقاوما كانت محتجزة في متحف الإنسان بباريس طيلة 170 سنة، جسّدت وعدا قطعه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على الجزائريين بمناسبة ذكرى يوم الشهيد في 18 فيفري الماضي. وأشرف تبون، رفقة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق سعيد شنقريحة، على مراسم استقبال تاريخية (تشريفات عسكرية) لرفات رفقاء الشريف بوبغلة والشيخ بوزيان وموسى الدرقاوي وسي المختار بن قويدر التيطري بالقاعة الشرفية لهواري بومدين، وانحنى إجلالا لروحهم وتضحياتهم أمام ثوابيتهم. وطيلة السنة الأولى لحكم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، سمعت اللوبيات الفرنسية الحاقدة والمتشبّثة بوهم «الجزائر-فرنسية» والمتحالفة مع الصهيونية التخريبية، الكثير من المواقف الحازمة والصارمة للجزائر بقيادتها الجديدة التي واصلت ضرب جبهة الاستعمار وممجديه بأبشع الصفات والنعوت كرفض «فكرة كتابة مشتركة للتاريخ» التي طرحها المؤرخ بن جامين ستورا وممثل الرئيس ماكرون في ملف الذاكرة، «لأن التاريخ يكتبه المنتصر والجزائر انتصرت في الحرب»، مثلما أكدته المنظمة الوطنية للمجاهدين. ورشات كبرى رئيس الجمهورية، وفي مسعى «بناء الجمهورية الجديدة»، وبالتوازي مع إبعاد التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الوطني، عكف على تنفيذ برنامجه القائم على ورشات كبرى على جميع الأصعدة. والمتمعّن في وثيقة الالتزامات 54، يجد أن منطلق برنامج تبون، مبني على تشخيص مخيف لما وصلت إليه البلاد من انهيار سياسي وإفلاس اقتصادي وأخلاقي في إدارة شؤون البلاد، لذلك ****بضرورة إعادة البناء من الأساس، والمقصود هنا « تعديل الدستور». وأوضح الرئيس أن مراجعة القانون الأسمى للبلاد، سيكون حجر الأساس في التغيير الشامل الذي ينشده الشعب الجزائري، بدءاً من نظام الحكم «الغامض، والذي لازمته ضبابية طيلة العقود الماضية». وبعد مسار استغرق 11 شهرا من الإعداد والمشاورات والتنقيح والاستفتاء، وصل مشروع تعديل الدستور الذي يحدد نظام الحكم ب «شبه-الرئاسي» إلى مكتب الرئيس للتوقيع والنشر في الجريدة الرسمية، على أن تتبع هذه الورشة السياسية المحورية، بتغيير واسع للترسانة القانونية الوطنية لتكيف مع التعديلات الدستورية الجديدة. وحسب ورقة الطريق المسطّرة، ستكون المحطة المقبلة، انتخابات تجديد المجالس المنتخبة وفتح نقاش وطني شامل مع النموذج الاقتصادي الواجب إتباعه في سياق الإصلاحات الهيكلية، التي باتت ضرورة حتمية في إطار مخطط الإنعاش، وفي ظل الصعوبات المالية الناجمة عن تفشي وباء كورونا. أخلقة الحياة السياسية وصناعة القرار لم يتردّد الرئيس في مصارحة الجزائريين، ببعض الحقائق عن حجم المرض الذي أصاب مفاصل الدولة، وقال في الاجتماع الثاني للحكومة والولاة إنّ «الأمر وصل إلى اتخاذ قرارات مصيرية للبلاد في أماكن مشبوهة، وفي سهرات حول كؤوس». لذلك، رأى بحتمية أخلقة الحياة السياسية عن طريق الفصل الصارم «بين المال والسياسة وتقنين ورقابة التمويل السياسي»، وسيترجم هذا الالتزام في قانون الانتخابات الجاري مراجعته، من قبل لجنة خبراء في القانون بقيادة البروفيسور أحمد لعرابة. وقدّم تبون صورة مغايرة تماما عن صناعة القرار، فقد أعاد بعث اجتماعات المجلس الأعلى للأمن، الذي تمخّضت عنه عدة قرارات هامة بشأن تأمين الحدود وبعث الحضور الدبلوماسي في الملفات الإقليمية، وحتى تلك المتعلقة بفيروس كورونا باعتبارها كارثة صحية تهدد أمن وسلامة الجزائريين. إلى جانب عقد اجتماعات دورية لمجلس الوزراء (كل 15 يوما) وجلسات عمل استثنائية حول الملفات الهامة مثلما حصل مع بعث مشروع ميناء الوسط (الحمدانية)، ولقاء بولاة بعض الولايات الأكثر تضررا من تفشي فيروس كورونا، واجتماعات مع اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة الوباء، واتخاذ القرارات بشأن الحجر الصحي بناءً على ما تصدره من تقارير وتوصيات عملية. الرئيس تبون، اعتمد أيضا على لا مركزية القرار في تسيير الأزمة المرتبطة بجائحة كورونا، وترك للولاة اتخاذ القرار المناسب في إقرار الحجر الصحي على البلديات والدوائر حسب تطور الوضع، وهي مقاربة حققت نتائج جيدة بحسب المختصين، لما اتّسمت به من مرونة وفعالية. قوة التّعطيل السنة الأولى التي تمر على انتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وإلى جانب ما عرفته من صدمات خارجية كظهور وباء كورونا بآثاره المدمرة على صحة الإنسان والاقتصادي، وسقوط أسعار البترول مستويات إلى أقل من 16 دولار (بالنسبة للنفط الجزائري)، بيّنت أنّ طريق التغيير طويل جدا ويمر عبر معركة كسر العظام المتبقية. لقد أظهر تبون للجزائريين، الحجم الحقيقي للفساد ومقاومة التغيير في الجزائر، وأنه يشبه تماما جبل الجليد الذي لا يطفو منه إلى أمتار قليلة على السطح. وتحدّث علانية عن «قوى التعطيل» التي تريد «إيهام الجزائريين أنه لم ولن يتغير شيء في البلاد من خلال توظيف المال الفاسد وبث الإشاعات». فمن أخر صرف منحة «كورونا» للأطباء والممرضين وكل الذين يتصدّرون الصفوف الأمامية لمكافحة الوباء بعد 3 أشهر من الأمر بها»؟ ومن حاول تخريب أعمدة الكهرباء ذات الضغط العالي في عز الصيف بولاية البويرة؟، ومن أراد التلاعب بسكان مناطق الظل بتقديم تمثيلية رديئة أمام كاميرا التلفزيون؟ كل هؤلاء بالنسبة لرئيس الجمهورية قوى رافضة للتغيير الذي لا يخدم مصالحه الشخصية. وصارح الرئيس تبون الجزائريين، بمن يحلم بمغادرة السجن والعودة إلى الحكم، عبر تفجير الشارع وتحريك عصابات الأحياء، وكشف أن من رموز الأوليغارشية المالية الفاسدة من «حاول توظيف لوبيات ضغط خارجية مقابل 10 ملايين دولار هربت من الجزائر، حتى تساعده في إطلاق سراحه». وفي السياق، أثبتت المحاكمات المتواصلة للمتورطين في الفساد المالي والسياسي، أن الرئيس عبد المجيد تبون، ماضٍ في محاسبة كل من امتدت يده للمال العام، بعدما حاولت منصات إعلامية إيهام الرأي العام بعكس ذلك. لاشك أنّ رئيس الجمهورية، وبعدما أعلن بشكل صريح وواضح عمّا تريده الجزائر اليوم، يكون قد وضع أول خطوة على طريق الإصلاح في السنة الأولى لحكمه خطوة ارتكزت على إعادة ترتيب البناء المؤسساتي للدولة من خلال مراجعة قانونية شاملة بدءاً من الدستور ووصولا إلى القوانين والمراسيم التنفيذية (تم وضع 50 مرسوما تنفيذيا و10 قوانين جديدة)، على أن تنطلق السنة المقبلة عملية تجسيد الإصلاحات الشاملة.