تنهي الجزائر 2020، دون تسجيل مشاريع استثمارية. بينما أخذت الحكومة وقتا معتبرا في إعداد ما أطلق عليه «ورقة طريق إنعاش قطاع الصناعة وتطويره»، وهي عبارة عن 5 دفاتر شروط، من بينها المتعلق باستيراد المصانع المستعملة، فهل ستكون المقبلة بداية لحصد النتائج؟ في هذه السنة «البيضاء» من ناحية الاستثمار، انزعج المواطن الجزائري من عدم توفر حاجات استهلاكية مصنعة، على غرار السيارات الجديدة، وتذمر من ارتفاع أسعار الأجهزة الالكترونية والكهرومنزلية. بينما لا تنظر الحكومة ممثلة في وزارة الصناعة، إلى إعادة بعث النشاط الصناعي، من منظور تحقيق النتائج الفورية، وتعتبر أن بناء صناعة حقيقية يحتاج إلى وضع أسس سلمية ثم تأخذ الوقت اللازم لقطف الثمار. ولا يرى وزير الصناعة فرحات آيت علي، في توفير السيارات الجديدة أو ضخها في سوق بأسعار في المتناول «أولوية»، «فمنطق بناء القوة الصناعية، يختلف عن منطق التصنيع الاستهلاكي الفوري». ويستلهم آيت علي هذا التصور من النمط الصناعي الوطني الذي كان سائدا سنوات السبعينات، والمعروف باسم «الصناعة المصنعة». وقال الوزير الاثنين للإذاعة الوطنية: «منذ وفاة الرئيس هواري بومدين أضعنا طريق بعث صناعة متكاملة ومبنية على منطق صناعي بحت». وأضاف: «يجدر بنا العودة إلى الأصل وبناء الصناعة الجزائرية على أسس متينة، لأن الآنية منطق أعوج»، معتبرا أن «صناعة تحويل المواد إلى نصف مصنعة أو مصنعة والتي تعرف بالصناعات الثقيلة هي الأساس..لا مستقبل للصناعات المتوسطة والصغيرة، لأنها تموّنها بالمادة الأولية». انتقادات مسعى الوزير آيت علي لم يضعه خارج الانتقادات بسبب التأخر الكبير في الإفراج عن دفاتر الشروط الجديدة المتعلقة باستيراد وتصنيع المركبات، واللذان صدرا نهاية شهر أوت، ببنود اعتبرها كثير من الوكلاء والمختصين «تعجيزية»، وتعيق إعادة بعث النشاط، وحتى وإن حدث سيكون بأسعار مرتفعة نظرا للتكلفة الباهظة. لم يتوقّف آيت علي عند هذه الانتقادات، وقال إن ما جاء في دفتري الأعباء «شروط موضوعية يستبعد مراجعتها»، بينما يحيل حديثه عن العودة إلى ما يسمى الصناعة المصنعة، إلى مجالات أخرى اشتغلت عليها دائرته الوزارية طيلة السنة وهيّأت لها دفتر شروط من بين الدفاتر الخمسة المشكلة ل «ورقة طريق إنعاش القطاع الصناعي وتطويره». خطوط ومعدّات الإنتاج نشر الجريدة الرسمية في العدد ال 67 الصادر في 15 نوفمبر الماضي، الدفتر الذي يحدّد «شروط وكيفيات منح رخصة جمركة خطوط ومعدات الإنتاج التي تم تحديدها في إطار نشاطات إنتاج السلع والخدمات»، وذلك تطبيقا لأحكام المادة 57 من قانون المالية التكميلي 2020. هذه الوثيقة التي يمكن تلخيص تسميتها في رخصة جمركة المصانع المستعملة، تهدف إلى مساعدة المتعاملين الاقتصاديين على اقتناص فرص الركود الاقتصادي الناجم عن تفشي فيروس كورونا، الذي تسبب في إعلان إشهار عديد المصانع لإفلاسها. وتقوم هذه المصانع في الغالب ببيع خطوط ومعدات الانتاج بقيمة مالية لا تفوق عن 20 بالمائة من القيمة الحقيقة لها، ما من شأنه أن يوفر خيارات مناسبة للمستثمرين الجزائريين في تجسيد مشاريعهم الإنتاجية. ويفرق دفتر الشروط بين خط الإنتاج (سلسة أجهزة متجانسة)، وبين معدات الإنتاج (جهاز أو آلة واحدة منفردة)، ويضع إصدار رخصة الجمركة تحت سلطة وزير الصناعة لتسلّم على شكل «مقرّر». المادة الرابعة من الوثيقة، تؤكد أن المتعاملين الاقتصاديين المقيّدين في سجل تجاري « في إطار إنشاء أو توسيع القدرة الإنتاجية للخدمات»، وحدهم من بإمكانهم الاستفادة من الرخصة. شريطة حيازتهم «بنية تحتية مناسبة لاستغلال الخطوط والمعدات المستوردة». وقد يصطدم هذا البند بمشكل العقار الصناعي، الذي يؤرق عشرات المستمثرين الوطنين، سواء لإنشاء وحدات إنتاجية أو لتوسيع أنشطتهم». ووضعت وزارة الصناعة شروطا إدارية وتقنية صارمة، للسماح باقتناء هذه المعدات، «حيث يجب أن لا تتجاوز مدة استعمال خطوط ومعدات الإنتاج 10 سنوات». ولا يمكن «أن يتجاوز قدم تلك التي تم تجديدها 5 سنوات بالنسبة لتلك الموجهة للصناعات الغذائية وسنتين لتلك الموجهة للصناعات الصيدلانية وشبه الصيدلانية». ويخضع التجديد إلى عملية تشهد عليها هيئة معتمدة للإشهاد والمطابقة، ووثائق تخص كيفية اقتناء المعدات وفواتير الاقتناء الأصلية مع تبيان الأرقام التسلسلية للتجهيزات المكونة للخط. مع ذكر مختلف المنتجات المصنّعة من قبل الخطوط أو المعدات والطاقة الإنتاجية، وبلد المنشأ ومكان الاستغلال، ليوضع الملف كاملا على مستوى الجنة التقنية المشكلة من عدة قطاعات وزارية وترأس أمانتها العامة وزارة الصناعة. وحسب المادة السابقة لدفتر الشروط، تصدر رخصة الجمركة من طرف وزير الصناعة في أجل لا يتعدى 30 يوما التي تلي تسليم وصل إيداع الملف، بعد أن تبدي اللجنة التقنية رأيها المطابق. وتلزم وزارة الصناعة بتبرير كل رفض للطلب في غضون 30 يوما من تاريخ تلقي الإيداع، ويمكن للمتعامل الاقتصادي الطعن لدى لجنة الطعون (مشكلة من ممثلي وزارت الصناعة، المالية والتجارة) خلال 15 يوما من تلقي التبليغ. وتحدد مدة صلاحية رخصة الجمركة ب 12 شهرا ويمكن تمديدها استثناءً لمدة 6 أشهر بطلب من المتعامل على أن يكون مرفوقا بوثائق تبريرية. وتعد خطوط ومعدات الإنتاج التي تم تجديدها وجمركتها غير قابلة للتنازل لمدة 05 سنوات ابتداء من تاريخ وضعها حيز الاستغلال. الغاية والتنفيذ المؤكد أنّ دفتر الشروط هذا، لا تقوم عليه ورشة ضخمة بحجم إعادة بعث الآلة الإنتاجية الوطني، وإنما يوفر إطارا قانونيا لتوفير خيارات إضافية للمتعاملين الاقتصاديين، لتجسيد مشاريعهم الاستثمارية، خاصة لأولئك الذين يملكون شبكة علاقات وبنوك معلومات عن وضعية المصانع في مختلف دول العالم. ومن الواضح أنه يستهدف مجالات متعددة من الصناعة الثقيلة، الغذائية، الصيدلانية والشبه صيدلانية، وهي ميدان أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، حرصه الشديد على دعمها باعتبارها النواة الصلبة لبناء اقتصاد منتج. وقال الرئيس تبون، لدى ترؤسه أشغال مجلس الوزراء مطلع فيفري الماضي: «إن الدولة تعطي الأولوية لتحويل المواد الأولية بدل تصديرها مباشرة بصفة تلقائية في شكلها الخام، نظرا للدور الذي تلعبه في خلق الثروة ومناصب الشغل». وبإعلان الرئيس عن الشروع في استغلال المواد الباطنية الهائلة من معادن نفيسة ومناجم، واحتياطات البترول والغاز، فإن الصناعة التحويلية ستكون بحاجة إلى معدات للتصنيع، تباع بأسعار باهظة في الأسواق الأوروبية. ومن الضوابط القانونية التحفيزية التي أقرّتها وزارة الصناعة في هذا المجال، دفتر الشروط الخاص بالإعفاء من الحقوق الجمركية والرسم على القيمة المضافة على المكونات والمواد الأولية المستوردة، والتي تم اقتناؤها من طرف المناولين في إطار نشاطاتهم. ويبقى تجسيد كل هذا التنظيم المؤسساتي الجديد التي استغرقت فيه وزارة الصناعة 11 شهرا كاملا، أمام تحدي التجسيد الميداني، في ظل تحفظات الكثير من المتعاملين الاقتصاديين على بعض الشروط الوارد في ورقة الطريق الجديدة. وسيكون الاقتصاد الوطني في وضع غير مريح تماما، إذا ما استمر الركود المسجل في ميدان الاستثمار، حيث ضيّعت الجزائر سنتي 2019 و2020 دون إنجاز استثمارات لافتة.