ضرورة استرجاع العقار المنهوب سنوات التّسعينيات العقار غير المستغل سبب تراجع النمو الاقتصادي شكّل العقار الصناعي لعقود طويلة أحد أهم القيود أمام تحريك عجلة النمو الاقتصادي، حيث وقفت حجر عثرة في وجه الاستثمار، على اعتبار أنّها آلية تعمل على ترشيد الانتشار الإقليمي للتنمية الصناعية من خلال استغلال العقار الاقتصادي، ولدوره المحوري دعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الى وضع خريطة وطنية للاستثمار بفتح فضاءات جديدة للعقار الصناعي، حيث أكّد الخبراء أنّ وضع منصة أو قاعدة بيانات رقمية له سيمنع منحها للمستثمرين المزيفين، بينما يساهم الجرد في تحديد قائمة الأشخاص المستفيدين، ما سيكون أول خطوة لتطبيق القانون بصرامة من أجل استرجاع العقارات غير المستغلة أو تلك التي وجّهت لغير الهدف المسطر في الملف الإداري، في انتظار إصدار قانون استثمار وفق معايير دولية. تلقي «الشعب ويكاند» اليوم الضوء على مشكل العقار الصناعي في الجزائر من خلال إبراز أهميته في تحريك عجلة النمو، على اعتبار أنها آلية لإنعاش الاستثمار المحلي ودعم تنمية الاقتصاد الوطني، وهو ما يدخل في خانة التجديد الاقتصادي الذي اعتمدته الدولة القائم على الأمن الغذائي والانتقال الطاقوي والرقمنة، لذلك تعمل السلطات المعنية على توفير المناطق الصناعية والنشاط بغية تنظيمه وتهيئته ليؤدي الدور المحوري في خلق استثمارات منتجة. لكن رغم الجهود المبذولة لازالت هناك معوقات قانونية وإدارية تقف في وجه الحصول على العقار، الذي يعتبره الخبراء الأرضية التي يتجسد عليها أي مشروع استثماري، ما يساهم في دعم التنافسية للمؤسسات الاقتصادية. عبد القادر بريش: العقار الصّناعي أساس بيئة استثمار منتجة قال الخبير الاقتصادي، عبد القادر بريش، في اتصال مع «الشعب ويكاند»، إنّ العقار الصناعي مهم جدا على اعتبار أنه أساس بيئة الاستثمار، ولكونه ما يحتاجه المستثمرون من تسهيلات، لذلك خصّصت له ورشة في الندوة الوطنية حول مخطط الإنعاش الاقتصادي من أجل بناء اقتصاد جديد المنعقد يومي 18 و19 أوت الماضي من أجل إعادة بعث النشاط والعقار الصناعي. إنشاء الدّيوان الوطني للعقار الصناعي جاء لاستحداث جهاز جديد لإعادة تنظيم وتسيير هذا القطاع، وكذا إيجاد الآليات التي تسمح للمستثمرين بالحصول على العقار، وتخوّف في نفس الوقت من تحوّله إلى جهاز إداري بيروقراطي معرقل لمنح التراخيص، لذلك وجب تحريره من الإجراءات البيروقراطية المعقّدة، من خلال وضع شباك موحّد لتسهيل عملية الاستثمار. كشف بريش أنّ إنشاء الديوان الوطني للعقار الصناعي جاء لاستحداث جهاز جديد لإعادة تنظيم وتسيير هذا القطاع، وكذا إيجاد الآليات التي تسمح للمستثمرين بالحصول على العقار، وتخوف في نفس الوقت من تحوله الى جهاز إداري بيروقراطي معرقل لمنح التراخيص، لذلك وجب تحريره من الإجراءات البيروقراطية المعقدة، من خلال وضع شباك موحد لتسهيل عملية الاستثمار، وابعاد كل ما يتعلق به عن الإدارة البيروقراطية، مؤكدا ان رقمنة الإدارة الاقتصادية هي إحدى المتطلبات والشروط الأساسية لتسهيل الاستثمار في الجزائر. ويترقّب المتحدث إصدار قانون الاستثمار الذي اعتبره المطلب الملح، خاصة وأن الوزارة أخذت الوقت الكافي - ما يقارب سنة - كاشفا أن الكل ينتظر ما سيتضمنه من تحفيزات وإجراءات وتسهيلات للاستثمار والمستثمرين سواء كانوا محليّين أو أجانب. وأوضح بريش أنّ تطهير العقار الصناعي والاوعية الاستثمارية غير المستغلة خطوة مهمة في خطة الإنعاش الاقتصادي، فالكثير من العقارات الصناعية منحت بطرق غير شفّافة في الفترة السابقة، حيث كان المستثمرون المزيّفون يستخدمونها كأداة للتحايل على البنوك للحصول على القروض، لذلك كان لابد أولا من تطهير العقار الصناعي، وإعادة تنظيم نشاط المناطق الصناعية. الكثير من المناطق الصّناعية تعرف تأخّرا كبيرا في تهيئتها وتزويدها بالمرافق الأساسية المتعلّقة بالرّبط الشّبكي، لذلك دعا إلى الذّهاب نحو مقاربة جديدة، من خلال استحداث مناطق نشاطات متخصّصة حسب خصوصية الأنشطة الاقتصادية مع مراعاة الجانبين البيئي والصحي
في هذا الصّدد، قال الخبير الاقتصادي إنّ الكثير من المناطق الصناعية تعرف تأخرا كبيرا في تهيئتها وتزويدها بالمرافق الأساسية المتعلقة بالربط الشبكي، لذلك دعا الى الذهاب نحو مقاربة جديدة، من خلال استحداث مناطق نشاطات متخصّصة حسب خصوصية الأنشطة الاقتصادية مع مراعاة الجانبين البيئي والصحي، أما المقاربة الأخرى التي يتمنى أن تأخذ السلطات بها هي إيجاد مناطق صناعية ونشاطات مجهّزة، بحيث توكل الدولة للقطاع الخاص إدارة مناطق صناعية مجهّزة بهياكل ومستودعات كبيرة يتم استئجارها للمستثمرين المحليين أو الأجانب ما يجعلهم يختصرون الوقت والجهد. الإرادة السياسية القوية لاسترجاع العقار المنهوب أشار بريش أنّ المؤسّسات الناشئة تحتاج الى تسهيلات للحصول على العقار الصناعي، خاصة وأنّ رأسمالها في اغلب الأحيان لا يمثل قيمة كبيرة، لذلك لابد من تشجيعها عند انطلاقها من خلال منحها تسهيلات يعتبر حصولها على عقار صناعي أحدها، وهنا يبرز دور المناطق الصناعية والنشاطات الصغيرة على مستوى مختلف الولايات، في أن تجد المؤسسات الصغيرة المتوسطة والناشئة مكانا مهيئا لتباشر فيه نشاطها الاقتصادي. في ذات السياق، ذكر بالتعليمة التي أصدرها الوزير الأول الأسبوع الفارط التي تنص على ضرورة تمكين أصحاب المؤسسات الصغيرة والناشئة من الاستفادة من المحلات غير المستغلة لتحويلها إلى مقرات لإدارة وتسيير نشاط مؤسساتهم. عملية استرجاع العقار الصّناعي من المستثمرين المزيّفين تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وواضحة، فحتى قبل سنة 2019 وجهت تعليمات الى الولاة بضرورة إجراء جرد للأوعية الصناعية، وإرسال إعذارات إلى الأشخاص الذين تحصلوا على عقار في مناطق صناعية، ولم يباشروا عملية التهيئة ولم يثبتوا نيّتهم في الاستثمار أكّد بريش أنّ عملية استرجاع العقار الصناعي من المستثمرين المزيّفين تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وواضحة، فحتى قبل سنة 2019 وجّهت تعليمات إلى الولاة بضرورة إجراء جرد للأوعية الصناعية وإرسال إعذارات إلى الأشخاص الذين تحصّلوا على عقار في مناطق صناعية، ولم يباشروا عملية التهيئة ولم يثبتوا نيتهم في الاستثمار، فكما ذكرنا سابقا كانت هذه القطع الأرضية مجرد وسيلة للحصول على قروض بنكية، لكن دون جدوى. وكشف أنّ مصالح «كالبيراف» على مستوى الولايات معطّلة منذ سنة أو أكثر تقريبا، ولم تباشر عملية جرد الأوعية العقارية المخصصة لإقامة المشاريع الاستثمارية ومنح رخص بسبب تخوف الولاة، وعدم اتخاذ المسؤولين المحليّين المسؤولية لتخوفهم من المتابعات القضائية، فمنذ بداية 1999 و2019 إلى 2020 الاستثمارات معطّلة بسبب البيروقراطية، التّخوّفات والضبابية التي تسود بيئة الأعمال في الجزائر، لذلك لابد من الحزم والتطبيق الصارم للقانون بانتزاع الوعاء العقاري من أي شخص اثبت التحقيق عدم استغلاله لنشاط اقتصادي، مع إعادة منحها للمستثمرين الجادين الذين يملكون نية الاستثمار الحقيقي. نبيل جمعة: غياب المعايير الدولية في منح العقار الصّناعي اعتبر الخبير الاقتصادي، نبيل جمعة، العقار الصّناعي المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية وآلية لإنعاش الاستثمار المحلي، لكن الجزائر عجزت منذ 58 سنة عن وضع خطة وفق المعايير الدولية تتضمن الطريقة التي يتم بها منح العقار، ولحد الآن لم تضع خريطة موجبة تمكن المصالح المعنية من تقسيمه، خاصة في ظل شح القوانين في هذا المجال، كما عجزت أيضا عن استرجاع العقارات المنهوبة طوال عقود من الزمن، رغم الانهيار الذي عرفه الاقتصاد الوطني. وكشف جمعة أنّ حالة عدم الاستقرار السياسي لا تسمح باسترجاع العقار الصناعي، فالكثير منها تمّ الاستيلاء عليها سنوات التسعينيات، ورغم انه لم يتم إنشاء مصانع عليها بل وجّهت للاستئجار او البيع، لم يتم انتزاعها من أصحابها، وهو ما عبّر عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكثر من مرة ب «عصابة» لا ترى في الواجهة، حيث ساهمت في قتل الاستثمار في الجزائر، فبدون عقار صناعي لا يمكن اطلاع استثمار ناجح وفعّال. وأوضح نبيل جمعة أنّ اعتماد الدول المعايير الدولية للاستثمار جعلها تتبنى الشباك الالي أو الرقمنة في جميع الإجراءات الإدارية لمنح التراخيص للراغبين في الاستثمار، وهو ما ساهم في القضاء على البيروقراطية فيها، أما الجزائر فقد فشلت في التجربة الأولى لتوحيد الشباك سنة 1994، حيث حاولت فتح شباك واحد لكنه عرف تضاربا كبيرا. قانون خاص لتسيير العقار الصّناعي ضرورة وضع قانون خاص لتسيير العقار الصّناعي، فالقانون الحالي يمنح المستثمر عقد امتياز يستفيد به من العقار الصناعي لإطلاق استثماراته، لكن الواقع يكشف أنّ أغلب العقارات الممنوحة تحوّل عن وجهتها فمنها من تبنى عليها منازل، وأخرى تستأجر أو تحول الى مخازن، ما يجعل غياب المراقبة أكبر مشكل يطرح قال الخبير الاقتصادي بضرورة وضع قانون خاص لتسيير العقار الصناعي، فالقانون الحالي يمنح المستثمر عقد امتياز يستفيد به من العقار الصناعي لإطلاق استثماراته، لكن الواقع يكشف أن أغلب العقارات الممنوحة تحوّل عن وجهتها فمنها من تبنى عليها منازل، وأخرى تستأجر أو تحول الى مخازن، ما يجعل غياب المراقبة أكبر مشكل يطرح، بالإضافة الى عجز الدولة عن استرجاع العقارات المنهوبة او ممتلكاتها، فلو استرجعت العقارات الممنوحة سنوات التسعينيات، لما عانت الجزائر من مشكل العقار الصناعي اليوم، خاصة وأنها غير مستغلة، فالقانون يمنع منعا باتا بيع العقار الصناعي أو استئجاره، وهو ما اعتبره سببا في ظهور مليارديرات العقار سنوات التسعينيات. وأشار المتحدث إلى ضرورة وضع قوانين صارمة تضبط مجال العقار الصناعي، بالإضافة الى وجوب ضرب المستثمرين المزيفين بيد من حديد، فما يقومون به يعطل النمو الاقتصادي ما يعني التوجه الى الهاوية، لذلك كل مستثمر مزيف يجب أن يقع تحت طائلة العقاب بانتزاع العقار منه، فما معنى امتلاك بعض الأشخاص لأربع أوعية صناعية دون ان ينتجون شيئا، مؤكدا على ضرورة أن يكون قانون الاستثمار صارما، فعلى سبيل المثال تحدد مدة التشغيل ب 33 سنة لكن المراقبة تبدأ من السنة الأولى، فان لم ينطلق في الاشغال يتم استرجاع العقار ليعاد منحه للمستثمر الحقيقي. في السياق ذاته، اعتبر جمعة غياب الرقمنة أحد أسباب الفوضى التي تعيشها الاوعية الصناعية، ففي مؤتمر «دافوس» المنتدى الاقتصادي العالمي، أكد الخبراء أن دولة مثل الجزائر لو طبقت الرقمنة والصناعة 4.0 أو 4.1 ستخرج من التخلف، حقيقة ان الحكومة اليوم تبذل جهودا جبّارة من أجل منح العقارات الصناعية، لكن لا بد أولا من إجراء جرد لمعرفة الأشخاص الذين استفادوا منها طوال العقود الفارطة، لأنها ممتلكات الدولة وتعد محركا أساسيا للإنعاش الاقتصادي. وأكد المتحدث أيضا أن غياب الرقمنة والقوانين لمتابعة استغلالها على المدى القريب، المتوسط والبعيد، سيوصل الجزائر الى افلاس اخر على مدى العشر سنوات القادمة، وهنا لا بد من اعتماد الاستشراف ووضع خريطة بحيث كل شخص يمنح له عقار يسجل على شهادة (S 12)، ما يسمح بمنع التحايل على القانون والاستفادة أكثر من مرة، لذلك اعتبر البطاقية وقاعدة البيانات والرقمنة الحل الناجع لتجاوز البيروقراطية. وفي هذا الصدد، كشف جمعة لجوء البعض الى التحايل من خلال القيام بأربع او ثلاث دراسات مشاريع في مختلف المجالات، فقط لوضع تلك الملفات على مستوى ولايات مختلفة بغية الحصول على عقار صناعي في كل واحدة منها، حيث ساهم غياب الرقمنة وقاعدة بيانات في منحهم فرصة للتحايل على القانون والاستفادة بأكثر من عقار صناعي في ولايات متعددة. وصرّح جمعة أن إسداء رئيس الجمهورية تعليماته لتأسيس منصة رقمية تربط بين مختلف الوزارات، وبين مختلف مديريات وزارة المالية كمديرية الضرائب، ومديرية الأملاك العمومية، تدخل في سياق الحيلولة دون التحايل والبيروقراطية من أجل الحفاظ على العقار الصناعي لأنه ثمين.