ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    السيد ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتأيت إجراء تعديلات جزئية على الدستور
رئيس الجمهورية في افتتاح السنة القضائية 2008 2009:
نشر في الشعب يوم 29 - 10 - 2008

ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس، الأربعاء بالجزائر العاصمة، كلمة بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2008 2009 هذا نصها الكامل:
مراعاة العدل والإنصاف
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أيها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
منذ البداية وبتواصل مستمر انصبت جهودنا كما تعلمون على تمتين مؤسسات الجمهورية وتحديثها وترسيخ أسس الديمقراطية ودعم بناء دولة الحق والقانون بمشاركة مختلف أطياف المجتمع في هذا الجهد وهذا العمل.
ولعل ما يبعث على عميق الارتياح في افتتاحنا اليوم للسنة القضائية الجديدة الذي يكاد يتزامن في عامنا هذا مع حلول أجل انتهاء احدى أهم مراحل إصلاح العدالة من حيث هو برنامج لتدارك بعض مقومات المؤسسة القضائية التي كان لا بد من تعزيزها والنهوض بها في مسار تقويم جميع مؤسسات الدولة وهياكلها بغية ترسيخ أسس دولة القانون والمؤسسات، أقول إن ما يبعث عميق الارتياح هو الانخراط القوي للأسرة القضائية والتعاون الإيجابي من لدن عدد كبير من الفاعلين والهيئات والمؤسسات الوطنية في هذا المسعى السديد نحو تعزيز السلطة القضائية وترقية مستوى أدائها فيما هو منوط بها من بسط سلطان القانون وفرض احترامه حفاظا على الحياة العامة داخل المجتمع ورعاية للحقوق والحريات الأساسية للجميع من منطلق حس وطني رفيع المستوى وإدراك قوي وعميق بأن ذلك مطلب حتمي لانبعاث الشعور العام بالطمأنينية والثقة لدى المواطنات والمواطنين كافة، وعامل من أهم العوامل وأولاها بالضمان في مسار ترسيخ ودعم بناء صرح دولة القانون والمؤسسات.
واعتبارا من أن العدالة مطلب دائم والحاجة إليها ثابتة مستمرة شأنها شأن كل ضرورات الحياة التي لا غنى عن ضمان توفيرها دوما وفي كل حين بالجودة والنوعية المطابقة للمعايير العلمية المتفق عليها مع دوام المحافظة على صفائها ونقاوتها من كل تلوث أو فساد، فإن إصلاح العدالة ليس برنامجا مؤقتا ولا هو قيمة ظرفية أردناها للمؤسسة القضائية في مرحلة من المراحل، بل هو تعبئة دائمة ومستمرة لجميع الإمكانات والقدرات وحشد متواصل لكافة العناصر الفاعلة في ترسيخ وتجسيد مبادئ عدالة حقة يؤمن بها المواطن ويحترمها لما يجب أن يلمسه في القائمين عليها من استقامة في السلوك والمعاملة ومراعاة للعدل والإنصاف في كل ما يعرض عليهم من دعاوى وقضايا للبت فيها طبقا للقانون وحده، ولا شيء آخر غير القانون.
وما من شك في أن هذا هو هدفنا الذي سنواصل العمل من أجله بالإرادة والعزيمة وبكل حرص وفعالية ونفس الجهد الذي ابتدأناه به، من منظورنا إلى برنامج إصلاح العدالة على أنه مجرد وسيلة وأداة أردنا من خلالها البلوغ بعدالتنا إلى درجة من الحداثة والكمال تصبح فيها هي ذاتها عدالة إصلاح شامل لكل القطاعات وللحياة العامة في شتى مناحيها بما تفرضه على الجميع أفرادا وجماعات ومؤسسات عامة وخاصة من انصياع تام للقانون واحترام كامل للحقوق والحريات المشروعة.
وإن هذا لعمري مارمنا إدراكه وبلوغه من برنامج إصلاح العدالة وما سنظل مصرين عليه ومصممين على تحقيقه والعمل من أجله دوما وباستمرار إيمانا منا بأن العدل قيمة مطلقة غير متناهية في الوجود وبأن أدنى سقف لحق أي إنسان في العدل ببلادنا يجب أن لا ينزل عن حقوقه المشتركة في المواثيق والعهود الدولية.
عدالة التقويم والحداثة
أيتها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
حري بنا ونحن نشرف على نهاية هذه المرحلة من المراحل الممتدة لإصلاح العدالة أن نسجل بأن ما تحقق خلالها من أعمال ومنجزات حتى الآن، مضافة إليه النتائج المرتقبة من المشاريع التي انطلقت بها الأشغال أو هي في طور الإنجاز لكفيل بتأهيل عدالتنا في حاضرها ومستقبلها للاضطلاع بدورها الإصلاحي في مسار بناء الوطن وتنميته.
ومن تباشير دخول إصلاح العدالة عندنا في مرحلة عدالة التقويم والحداثة وقطعه أشواطا بعيدة ومعتبرة في التأسيس لدولة القانون والمؤسسات أن استعادت السلطة القضائية موقعها الطبيعي وصار دورها بارزا في دفع عجلة التقدم ومسايرة تطور المجتمع عبر توفيرها الآليات والوسائل والطرق القانوية الكفيلة بضبط وتأطير الحياة العامة وضمان ممارسة الحريات والحقوق الأساسية وفقا لمبادئ حقوق الإنسان والقيم الإنسانية المشتركة.
ولنا أن نلاحظ في هذا الشأن التحسن الحاصل في مجال التشريع عبر مراجعة العدة التشريعية الوطنية وتنقيحها بالعديد من النصوص التشريعية والتنظيمية التي تصب كلها في تعزيز الحريات والحقوق الأساسية وتأطير الحياة العامة داخل المجتمع وتهدف إلى مساوقة تشريعنا مع التزاماتنا الدولية وإدراجه في سياق عولمة القانون تماشيا مع التغيرات المستجدة على الصعيد الدولي في جميع أسس وأنماط العلاقات بين الأمم والشعوب ومواكبة للتطورات التي شهدتها البلاد في شتى مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما أحرزته من تقدم بشكل عام في جميع هذه الميادين.
فلقد أصبح مفهوم السلطةالقضائية مجسدا في القانون الأساسي للقضاء والقانون المتضمن تنظيم وتشكيل وسير المجلس الأعلى للقضاء اللذين تعززت بهما حماية القاضي فعليا وواقعيا من كل أنواع المؤثرات واشكال الضغط الخارجي وضمنا له ظروفا اجتماعية مهنية في مستوى يليق بمكانته وبالمسؤوليات الملقاة على عاتقه وعدم الخضوع في مساره المهني لأي جهة فيما عدا الخضوع والامتثال للمجلس الأعلى للقضاء.
وبالموازاة مع ذلك، فقد تمت مضاعفة تعداد القضاة إلى نهاية هذه السنة بما يقارب نصف تعدادهم في سنة 2004 وزيادة عدد مساعدي وأعوان القضاء في مختلف الوظائف والأسلاك بأضعاف مضاعفة والكل وفق شروط ومعايير مدروسة ضمانا لانتقاء خيرة شبابنا وأجدرهم بتولي مثل هذه المهام النبيلة في خدمة المواطنين والوطن.
وهو ما أفاد في تعزيز وتأطير الجهات القضائية والمؤسسات العقابية وتدارك النقص في الموارد البشرية للمؤسسة القضائية المتراكم عبر المراحل الطويلة السابقة.
كما أعيد الاعتبار للمدرسة العليا للقضاء والمدرسة الوطنية لكتاب الضبط ومدرسة تكوين ضباط وأعوان التربية من خلال تحسين أساليب تنظيمها ومحتوى برامجها ومدها بمزيد من الدعم والوسائل الكفيلة بترقية مستوى التكوين بها إلى جانب ما تم توفيره لها من مناهج بيداغوجية حديثة وشروط تأطير عصرية ومتطورة تساير التقدم والحداثة.
فأصبحت لهذه المدارس بصمات واضحة في رفع تأهيل القضاة وسائر مستخدمي قطاع العدالة إلى درجة عالية من الاحترافية والتخصص سواء عن طريق التكوين القاعدي بها والتكوين التخصصي والتكوين المتواصل أو عن طريق البعثات إلى الخارج بالمراكز والمدارس والمعاهد المتخصصة في إطار تعاون جاد ومثمر مع الدول الصديقة التي نوجه لها جزيل الشكر على تعاونها معنا في هذا الجانب من التكوين وأعني التكوين التخصصي لقضاتنا ومستخدمي العدالة بصفة عامة الذي لم يقتصر نفعه في الواقع على عدالتنا الوطنية فحسب، بل امتد ليشمل مصالح شركائنا الاقتصاديين كافة من خلال ما أصبح يوفره لهم قضاؤنا الوطني من ضمانات وطرق بديلة لحل النزاعات وفقا للمقاييس والمعايير الدولية المتفق عليها موصولة بضمانات تشريعية في منتهى المساوقة مع المبادئ والقيم الإنسانية والقواعد والأسس المشتركة ذات الصلة بجميع مناحي الحياة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية دون أدنى تمييز أو فرق بينها وبين ما لهم من ضمانات تشريعية في بلدانهم.
ولما كانت المصلحة مشتركة بيننا وبين الدول الصديقة في الوقاية من الإجرام بصفة عامة ومكافحته لا سيما الإجرام الخطير العابر للأوطان الذي اتخذ من إزهاق الأرواح وهتك الأعراض ونسف البنيات والمقدرات الاقتصادية للمجتمعات مطية لزعزعة استقرارها ومن الرشوة والنهب والفساد وتدمير الصحة والأبدان وسيلة وبضاعة للثراء، فإنه لا مناص من التعاون أيضا في هذا المجال تعاونا لا يجب حصره في ترقية تاهيل قضاتنا ومستخدمي العدالة بالتكوين التخصصي أو بتبادل التجارب والخبرات، فحسب لأن ذلك مهما بلغ من الدرجات والمستوى، فإنه لن يؤدي وحده أبدا إلى توفير الوقاية التامة لبلداننا من هذه الآفات المقيتة أو مكافحتها ما لم ندرك جميعا نحن وشركاؤنا الاقتصاديون والدول الصديقة على وجه الخصوص أن ترشيد التعاون بينهم وبيننا وتوسيعه إلى أبعد حدوده في مجالات التنمية الحقيقية المستدامة هو الكفيل وحده باستكمال أسباب الأمن والسلم الدائمين لشعوبنا وأوطاننا.
ولا مجال للشك فيما تحقق عبر مراحل برنامج إصلاح العدالة أيضا من ضمان لشفافية العمل القضائي وتسهيل لجوء المتقاضين إلى القضاء ضمن شروط استقبال لائقة وتحسين ظروف عمل القضاة ومساعدي وأعوان القضاء من خلال ما تم إدخاله على العمل القضائي وسائر المصالح القضائية من مناهج وأساليب متطورة وتكنولوجيات حديثة للإعلام والاتصال وبناء مقرات جديدة للجهات القضائية تستجيب لإملاءات العصر ومتطلبات الحداثة مما ساعد إلى جانب المثابرة والإخلاص في العمل من قبل نساء ورجال القطاع كافة على تجاوز حالة رواج دور القضاء بالقضايا دون الفصل فيها وصعوبة تنفيذ بعض ما يصدر عنها من أحكام إلى ما أصبحت عليه الحال في المرحلة الراهنة من بت ضمن آجال معقولة وتأمين التنفيذ الفعال والشامل لجميع الأحكام القضائية ضد أي كان ومهما كان تحقيقا وتجسيدا لمبدأ سيادة القانون والقانون فوق الجميع.
تطور المؤسسات العقابية
أيتها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
ولا أرى بأسا في سياق ما أنا بذكره من دلائل على تقدم وتطور عدالتنا الوطنية أن أذكر بدرجة تقدم وتطور المؤسسات العقابية التي صارت عندنا في تطبيقها للعقوبات السالبة للحرية بمثابة مراكز للتربية والتعليم ومحو الأمية، وأماكن لتلقين عديد الحرف والمهارات للنزلاء على اختلاف جنسهم وأعمارهم وتباين نزعاتهم ودرجاتهم في الاجرام، الذين استطاعوا بفضل السياسة العقابية السديدة المنتهجة والاستغلال الأمثل للموارد المالية والبشرية التي سخرتها الدولة لتحسين ظروف الاحتباس أن يكتسبوا بأعداد كبيرة وفي اطراد متزايد منذ بداية تطبيق الإصلاح مؤهلات علمية من مختلف أطوار التعليم الرسمي وشهادات مهنية معترف بها في شتى الحرف والمهارات.
ولا ريب في ما لهذا الواقع من دلالة على ما بلغه تطبيق مبادئ حقوق الإنسان في معاملة المحبوسين ببلادنا واستنتاج ما نحن سائرون إليه من غايات وأهداف في هذا الميدان الذي استقطب اهتمام المجتمع الوطني والدولي وأثار رغبته في التعرف على حقيقة ما يجري في هذا المنحى من خلال الزيارات العديدة غير المنقطعة لمؤسساتنا العقابية من قبل المنظمات الحكومية وغير الحكومية ورجال الإعلام الذين عاينوا ميدانيا وبكل حياد وشفافية مدى ما بها من احترام الكرامة الإنسانية في تطبيق سياستنا العقابية الجديدة ورغبتنا الملحة في إصلاح المنحرفين وإعادة إدماجهم اجتماعيا.
وإن هذا الواقع الإيجابي والمتميز كذلك هو الذي حدا ببعض هذه المنظمات والدول الصديقة ذات النظام العقابي المتطور إلى إبداء استعدادها لمساعدة الجزائر في إنجاح البرامج المسطرة لإصلاح قطاع السجون، وهي المساعدة التي لقيت منا كل الترحيب والتشجيع لما لنا فيها من استفادة بالخبرة العلمية والتجربة العملية لهذه الدول الصديقة وما تتيحه هذه المساعدة من إمكانية اطلاع هذه المنظمات ومن خلالها الرأي العام على حقيقة ما يجري داخل مؤسساتنا العقابية من اصلاحات جادة وسديدة في مجال تطبيق حقوق الإنسان وإعادة تربية المنحرفين.
وفي هذا المضمار أدعو المسؤولين والمشرفين إلى مواصلة جهودهم لجعل المؤسسات العقابية أماكن تسودها المنافسة في تحصيل العلم والمعرفة وكسب الحرف والمهارات مع التركيز على المهن والحرف التي تتطلبها السوق الوطنية للشغل والحرص على انتقاء إطارات ذات الكفاءة المطلوبة لنجاح مسعى تيسير إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
ولا بد من ان اؤكد هنا ضرورة تخصيص فضاءات وهياكل ملائمة للتعليم والتمهين، ولممارسة النشاطات الثقافية والرياضية والترفيهية بالمؤسسات العقابية الجاري انجازها أو المبرمجة للإنجاز، وايلاء العناية الخاصة لمواصلة جهود تنصيب المصالح الخارجية لإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، باعتبارها همزة وصل بين المؤسسات العقابية والمجتمع، التي ترتكز عليها كل الآمال في التكفل بانشغالات المحبوسين، ومساعدتهم في الحصول، بعد الافراج عنهم، على العمل والابتعاد بهم عن السلوك الإجرامي نهائيا.
والسلطة القضائية، على الرغم مما لها من دور أساسي، ينبغي أن تضطلع به في اطار مهامها، فإنه لا يمكنها العمل بمفردها دون تشجيع ودعم انخراط المجتمع المدني وباقي القطاعات الأخرى في مسعى الإصلاح، الذي سيظل يحظى بكامل رعاية الدولة وعنايتها اللازمة لتشجيع البقاء على التعبئة التامة للجميع في نشر وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان ومواجهة الإنحرافات والخروقات بمختلف أشكالها وصورها ضمانا لاستتباب الأمن وبعث الشعور بالطمأنينة والرضا داخل المجتمع ولدى الجميع.
إن رسوخ قدم الجزائر في النظام العالمي وعضويتها في كثير من المنظمات الدولية واستقبالها للاستثمارات الخارجية، إضافة الى ما أوكل من اجراءات منبثقة عن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وما يجري من أحداث مستجدة، كل ذلك كان قد ألقى على عاتق المؤسسة القضائية أعباء ثقيلة ومسؤولية خطيرة، تطلب منها تعبئة الفاعلين والارادات الحسنة، والمبادرات الجادة من اجل تفعيل اكثر لهذا المسعى الطموح، الذي يتوخى ترسيخ أسس دولة الحق والقانون.
وحمدا لله، اذ استطعنا، لا سيما خلال هذه المرحلة من إصلاح العدالة، تحقيق ما تعززت به السلطة القضائية، وما اعاد للقاضي مكانته واعتباره، وباتت به عدتنا التشريعية في توافق مع مبادئنا وقيمنا الوطنية، وتناغم مع القواعد والأسس المشتركة في الوسط الدولي، بما يتساوق ونهج تفتحنا على العالم من خلال تعاط منسجم مع مقتضيات العولمة ومتطلباتها في جميع مجالات التعاون والتكامل بيننا وبين الأمم والشعوب، تعاط أساسه وقوامه قناعتنا الراسخة بأن التعامل مع العولمة ليس تعاملا إيديولوجيا بالضرورة، وانما هو أداة وطريقة وأسلوب لمواكبة التطور والحداثة.
تلكم بعض معالم تصورنا لمنظومة العدالة، واقعا وطموحا التي أحببت أن أركز عليها مع بعض التوجيهات التي حرصت على وضعها نصب أعين القائمين على قطاع العدالة حتى ترتسم الآفاق ويتناغم الجهد المبذول مع النتائج المحصلة، بما يعزز ثقتنا في المستقبل، وأعلن رسميا عن إفتتاح السنة القضائية.
الإرتقاء بأمتنا إلى موقع أفضل
أيتها السيدات الفضليات.
ايها السادة الأفاضل
نقف اليوم على مشارف نوفمبر العظيم. تحرر الوطن بفضله. وكانت الجمهورية الجزائرية من وحيه.
وإن ما جرى ويجري تحقيقه من انجاز ما كان ليتحقق ويكون بهذا القدر لولا ما وجده من دعم ومؤازرة من الأمة التي أدركت صفاء النوايا وصواب الإختيارات، فوقفت وساندت وساهمت وفتحت أجواء الجدية، ووفرت مناخ الإصلاح والتنمية المتواصلة.
واذا كانت السنوات الماضية، قد مكنت الى حد معقول من التأسيس لمرتكزات هذه التنمية وتلبية أكثر القضايا إلحاحا والتصاقا بمصالح جماهير الشعب العريضة، فإن الجهود الكبرى التي تنصهر فيها كل البذور الراهنة على صعيد الإصلاح التكويني والعلمي والمؤسسي وعلى صعيد الإرتقاء بأمتنا الى موقع افضل، وتبوئها المقام الذي أراده لها من ارسوا نهج نوفمبر العظيم، سيتم تحقيقه بعون الله في القادم من السنوات اذا ما استمرت الإرادة الدافعة ودامت القوة الفاعلة المصممة على تحقيق المبتغى.
إثراء النظام المؤسساتي
أيتها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
أيتها المواطنات
أيها المواطنون
كنت قد أعربت سالفا منذ 1999 و2004 وفي مناسبات عدة عن رغبتي في تعديل الدستور عندما تكون الظروف مواتية لذلك وكما هو معلوم، فإن الدساتير هي نتاج جهد بشري قابل للتطوير والتحسين وهي تعبير عن إرادة الشعب في مرحلة معينة من تاريخه تجسيدا لفسلفته ورؤيته الحضارية للمجتمع الذي ينشده، فلكل دستور إذن، ظروفه وأسبابه وأبعاده التي يرمي إليها في تأسيس وتنظيم المجتمع والدولة وكافة العلاقات والآليات الدستورية المتعلقة بنظام الحكم وممارسته وتكريس الحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن.
عندما أعلنت عن رغبتي في تعديل الدستور، كنت قد أوضحت حينها الدواعي التي كانت تفرض ضرورة التكيف مع المرحلة القادمة، ورغم أن القناعة كانت قوية بحتمية مراجعة الدستور في أقرب فرصة تتيحها الظروف إلا أن ثقل الالتزامات وتراكم الأولويات وتعدد الاستحقاقات حالت دون تجسيد هذا الهدف وفرضت مزيدا من التريث والانتظار، فقد كان الانشغال آنذاك منصبا على مكافحة الإرهاب وتكريس سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية ومعالجة مختلف آثار المأساة الوطنية، وفضلت إعطاء كل الأولوية لما يشغل بال المواطن والتكفل بمشاكله، وكذا مواصلة برامج الإصلاح ومشاريع التنمية الكبرى والحرص على إتمامها في مواعيدها المحددة.
لقد أعلنت من قبل بأنني لن أتردد في التوجه مباشرة إلى الشعب لاستفتائه بشأن مشروع تعديل الدستور إلا أنه على ضوء التجربة المعيشة منذ سنوات ومعاينة تداخل السلطات في ممارستها لمهامها من حين إلى آخر، فقد برزت ضرورة إدخال تصحيحات مستعجلة على بعض أحكام الدستور لضمان المزيد من التحكم في تسيير شؤون الدولة.
ونظرا للالتزامات المستعجلة والتحديات الراهنة، فقد ارتأيت اجراء تعديلات جزئية محدودة ليست بذلك العمق ولا بذلك الحجم ولا بتلك الصيغة التي كنت أنوي القيام بها التي تتطلب اللجوء إلى الشعب، فقد فضلت اللجوء إلى الإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور، وإذا تم استبعاد فكرة التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء إلى حين، فإن هذا لا يعني التخلي عنها.
إن من مقاصد مشروع التعديل الدستوري الذي سيعرض على البرلمان بعد إدلاء المجلس الدستوري برأيه المعلل بشأنه طبقا لأحكام المادة 176 هو إثراء النظام المؤسساتي بمقومات الاستقرار والفاعلية والاستمرارية وهو يرتكز على المحارو التالية:
أولا حماية رموز الثورة المجيدة التي أصبحت رموزا ثابتة للجمهورية لما تمثله من ميراث خالد للأمة جمعاء لا يمكن لأحد التصرف فيها أو التلاعب بها وهذا بإعطائها المركز الدستوري الذي يليق بمكانتها.
ثانيا إعادة تنظيم وتدقيق وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية دون المساس بالتوازنات الأساسية للسلطات، سلطة تنفيذية قوية موحدة ومنسجمة بإمكانها تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات الناجعة بسرعة بما يمكنها من تجنب الازدواجية والتعارض وتجاوز سلبيات التوفيق بين برامج مختلفة تؤدي في النهاية إلى تشتيت وتمييع المسؤوليات وتضارب القرارات مما يعطل تنفيذ البرامج وإنجاز المشاريع ويضر لا محالة بمصالح البلاد والعباد.
ثالثا تمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وان يجدد الثقة فيه بكل سيادة اذ لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن ارادته، فالعلاقة بين الحاكم المنتخب والمواطن الناخب هي علاقة ثقة عميقة مبتادلة قوامها الاختيار الشعبي الحر والتزكية بحرية وقناعة.
لقد نص الدستور الحالي ان السلطة التأسيسية ملك للشعب الذي يمارس سيادته عن طريق الاستفتاء، وبواسطة المؤسسات التي يختارها وممثليه المنتخبين، واستنادا إلى هذا، فإن التداول الحقيقي على السلطة ينبثق عن الاختيار الحر الذي يقرره الشعب بنفسه عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية وشفافية في انتخابات حرة تعديية، اذن للشعب والشعب وحده تعود سلطة القرار.
ترقية مكانة المرأة
أيتها السيدات الفضليات
أيها السادة الافاضل
تذكرون أني كنت قد اشدت في كلمتي، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، بأهمية المكاسب المستحقة والمكانة المتميزة التي حققتها المرأة الجزائرية بنضالها المجيد وتضحياتها المشهودة. على أن ما تحقق يبقى دون ما هي جديرة به، وما نريده لها. لذلك أكدنا مجددا على ضرورة مواصلة العمل من اجل ترقية مكانة المرأة الجزائرية في مجتمعنا وتفعيل دورها الحيوي في بناء وتطور البلاد، بتذليل كافة العقبات لتمكينها من مشاركة أفضل على قدم المساواة مع أخيها الرجل في كافة مناحي التنمية وتشجيعها خاصة على الانخراط في النشاطات الإقتصادية والسياسية والجمعوية.
ومن هنا، فقد حرصنا على أن يتضمن مشروع التعديل الدستوري إضافة مادة جديدة تنص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة، وتوسيع حظوظ تمثليها في المجالس المنتخبة على جميع المستويات.
إن ما نبتغيه من التعديل السدتوري، هو اضفاء المزيد من الانسجام على نظامنا السياسي، ووضع حد للتداخل في الصلاحيات وانهاء الخلط في المفاهيم مما يعزز مؤهلات الدولة فيجعلها قوية ومتجانسة، قادرة على مواجهة تحديات التنمية ومخاطر العولمة، وبلوغ ما ننشده من رقي وسؤدد.
أشكركم على كرم الاصغاء
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.