مشروع «فرصة» لتكوين المتسرّبين من المدارس في عالم الشّغل يمثّل التّشغيل والتّكوين المهني والجامعي تحديين كبيرين بالجزائر في مواجهة أزمة البطالة، إذ يشتكي العديد من أرباب العمل ومديري المؤسّسات من ضعف التّكوين لدى خرّيجي الجامعات، لذا تمّت صياغة عدّة برامج لامتصاص الكم الهائل من المورد البشري من أصحاب الشّهادات والحرف، والعمل على تأهيلهم بما يتناسب ومتطلّبات سوق الشّغل. يعتبر برنامج دعم تكييف التّكوين، التشغيل والمؤهّلات «آفاق» الجديد في عالم البرامج التي تعنى بميدان التوظيف والتكوين، بعد أن تمّت صياغته في إطار السياسات الوطنية التي تعنى بالنّهوض بالتّشغيل، لذا جاءت أنشطة برنامج «آفاق» لتدعم البرامج العملية الوطنية المجسّدة على أرض الواقع. انطلق برنامج دعم تكييف التّكوين، التشغيل والمؤهّلات «آفاق» في 7 نوفمبر 2017 لمدّة 72 شهرا عملياتيا، يتضمّن عدّة نشاطات في إطار آليّة للمرافقة والادماج والتّدريب للعمل، يساهم الاتحاد الأوروبي في تمويل برنامج «آفاق» ب (10 مليون يورو) إلى جانب الحكومة الجزائرية ب (1 مليون يورو)، إذ يشمل العنصر الأوّل للبرنامج تكييف مهارات الباحثين عن عمل مع الاحتياجات المسجّلة على مستوى القطاعات الاقتصاديّة، كما يهدف إلى ضمان مزيد من التّناغم بين التّدريب والتشغيل بتعزيز مشاركة المؤسّسات في تدريب الشباب وإدماجهم في سوق الشغل. أربع دوائر وزارية وثلاث مكوّنات رئيسيّة للمرافقة برنامج «آفاق» متعدّد القطاعات، تتولّى فيه وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي عملية التنسيق باعتبارها المستفيد الرئيسي منه، بالإضافة إلى وزارة التكوين والتعليم المهنيين، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي. في إطار آليّة المرافقة والادماج والتّدريب للعمل، يسعى برنامج «آفاق» إلى ضمان أفضل تكييف بين التّكوين والتشغيل من خلال زيادة مشاركة المؤسسات والقطاعات الاقتصادية في تكوين وإدماج الشباب. ويتشكّل البرنامج من ثلاث مكوّنات رئيسية موزّعة على 7 ولايات نموذجية، وتتمثل المكوّنة الأولى في ضمان تكييف المؤهلات مع شروط عروض العمل المعبر عنها من قبل المؤسسات في القطاعات ذات الأولوية، وتمثلت الولايات النموذجية في الجزائر العاصمة وسطيف، أما المكوّنة الثانية فتسعى إلى ضمان التوافق الهيكلي بين التكوين والتشغيل من خلال وضع المؤسّسة والقطاعات الاقتصادية في قلب نظام التكوين المهني والتمهين، وتمّ تجربة هذه الرؤية في كل من ولايات بجاية، البليدة وبومرداس، وفيما يخص المكوّنة الثالثة فهي تهدف إلى ضمان التّوافق الهيكلي بين التكوين والتشغيل من خلال وضع المؤسسة والقطاعات الاقتصادية في قلب نظام التكوين الجامعي ومن الولايات النموذجية نجد كل من الجزائر العاصمة، وهرانوورقلة. بلغة المتفائل والرّاضي عن نتائج برنامج «آفاق»، تحدّث مدير برنامج دعم تكييف التكوين والتشغيل والمؤهلات، «لُمية مراد»، مع «الشعب الاقتصادي»، وأزاح الغموض عن فحوى البرنامج الذي يُنتظر منه الكثير في قطاع الشغل بعد تجارب مسّت عدّة ولايات عبر الوطن، أوضح «لُمية» أنّ البرنامج يخص أربع دوائر وزارية وهي وزارة العمل والضمان الاجتماعي، ووزارة التكوين والتعليم المهنيين، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزراة التربية والتعليم. التّوافق مع متطلّبات سوق العمل كشف مدير برنامج «آفاق»، أنّ الهدف الأسمى من البرنامج هو التوافق مع متطلّبات سوق العمل، وإيجاد بديل لجهاز المساعدة على الإدماج المهني «DAIP»، الذي يعرف حالة تشبّع وعدم توافق مع سوق الشّغل، وأضاف «لُمية» أنّه عقب الانتهاء من الفترة التّجريبية لبرنامج «آفاق»، ننتظر الضّوء الأخضر من الجهات الوصية للشروع في تطبيقه، وتعميم تجربة جهاز المرافقة والادماج والتكوين للتشغيل» DAIFE» عبر مختلف وكالات التشغيل عبر الوطن، فهذا الجهاز - حسبه - نجح في تجربته عبر ولايتي الجزائر العاصمة وسطيف، وتمكّن من إدماج 100 طالب عمل بالمؤسّسات الاقتصادية، ومن المنتظر أن يكون جهاز «DAIFE» خير بديل لجهاز «DAIP». وأوضح مدير برنامج «آفاق»، أنّ التجربة الأولى تخص جهاز المرافقة والادماج والتكوين للتّشغيل» DAIFE»، وهي التجربة التي سبقتها مراحل تضمّنت تكوين مديري الموارد البشرية في المؤسّسات قيد التجربة للجهاز، وكذا تكوين مديري ومستشاري وكالتي التشغيل بالولايتين المعنيتين بالتجربة وهما سطيفوالجزائر العاصمة. وأضاف محدّثنا أنّ الجهاز يعوّل عليه كثيرا لتعويض جهاز المساعدة على الإدماج المهني «DAIP»، هذا الأخير الذي يمنح لطالبي العمل المبتدئين فرصة لإدماجهم لدى الشّركات العامة والخاصة والإدارات العمومية، وذلك بالدعم الكامل ماليا من قبل الدولة، أمّا الجديد الذي جاء به جهاز المرافقة والادماج والتكوين للتشغيل «DAIFE»، فيتعلق بالتكوين وصيغة التعاقد مع طالبي العمل، التي تضمن للمستفيد من الجهاز امتلاك عقد عمل غير محدود عقب انتهاء السنة الأولى من العمل في الشركة الاقتصادية سواء كانت عمومية أو خاصة، فالقانون الذي جاء به جهاز DAIFE يلزم المستخدم أو أرباب العمل على تكوين الموظّف الجديد الملتحق بالمؤسّسة عن طريق الجهاز في مدة لا تقل عن الأربعة أسابيع، كما يلزم أيضا المؤسّسة بالتعاقد مع المستفيدين من الجهاز بصيغة عقد عمل غير محدود الصلاحية بعد انقضاء السنة الأولى التي تكون مموّلة من طرف الدولة كما كان الأمر في جهاز «DAIP». وأشار مدير برنامج «آفاق»، إلى أنّ جهاز المرافقة والادماج والتكوين للتشغيل موجّه بصفة خاصّة للمؤسّسات الاقتصادية، وفيما يخص الرّواتب كشف «لُمية» أنّ الدعم من طرف الدولة سيخص السنة الأولى من العمل، ويسهم بنسبة مماثلة لجهاز «DAIP»، إلاّ أن جهاز «DAIFE» يشترط على المؤسسة المعنية بالتوظيف إضافة الفارق بين مساهمة الدولة والأجر الحقيقي الذي يناله الموظف في الدرجة المعنية بالموظف الجديد. جهاز المرافقة والإدماج والتّكوين ينجح في الاختبار أوضح لُمية مراد، أنّ البرنامج قام بتجربتين في هذا الصدد بكل من ولايتي سطيفوالجزائر العاصمة أين استفاد 100 موظف من جهاز «DAIFE»، عبر التحاقهم بمؤسّسات اقتصادية رحّبت بكل الشّروط التي جاء بها الجهاز الجديد، والتي تتناسب مع تطلّعات هذه المؤسّسات خاصة من ناحية الاستفادة من اليد العاملة المؤهّلة. وهنا أشار مدير برنامج «آفاق» إلى أنّ المؤسّسات الاقتصادية تفضّل خرّيجي التكوين المهني على خرّيجي الجامعات، لذا فعلينا مراجعة التوزيع غير المتكافئ بين الموجّهين نحو الجامعات ومراكز التكوين المهني والتمهين. وأوضح مسؤول التركيبة الأولى ببرنامج «آفاق»، ورئيس الدّراسات بالوكالة الوطنية للتشغيل، «عبد الجليل مزاحم»، أنّ أرباب العمل والمؤسّسات الاقتصادية رحّبوا كثيرا بالجهاز الجديد لدى وكالة التشغيل، نظرا لمرونته وسرعته في تلبية احتياجات المؤسّسات الباحثة عن اليد العاملة المؤهلة لتغطية المناصب التي تعرف ندرة في بعض الشّهادات المطابقة للتخصص المطلوب، ودون أيّ تحفّظ على شروط جهاز «DAIFE»، سارعت المؤسّسات الاقتصادية ال 17 الموزّعة بين العاصمة وسطيف، والتي كانت محل التجربة للجهاز، إلى احتضان 100 موظّف جديد، ينتظر ترسيمهم في مناصب عملهم بعد انقضاء مهلة السنة التي تدعّم فيها الدولة أجور هؤلاء العمال. بالإضافة إلى هذا، يرى «عبد الجليل» أنّ التّكوين الذي يخضع له الموظف الجديد داخل مؤسّسته مختلف عن نظام الأجهزة السابقة، إذ يمكن للتكوين تطوير بعض المهارات لدى المستفيدين من جهاز المرافقة والادماج والتكوين للتشغيل، ما يمكّنهم من تغطية النقص في عروض طالبي العمل على بعض التخصصات. حاملو الدكتوراه ضمن مخطّطات البرنامج يؤكّد عبد الجليل مزاحم، أنه وبالإضافة إلى جهاز المرافقة والادماج والتكوين للتشغيل، والذي يتم عن طريق اتفاقية المطابقة للشغل «CAE»، هناك اتّفاقيات أخرى تهتم بطالبي الشغل خلال برنامج «آفاق» ضمن الوكالة الوطنية للتشغيل، من بينها اتفاقية الإدماج المهني على مستوى المؤسّسات «CIPE»، هذه الأخيرة تعنى بطالبي الشغل الذين يرغبون في إطلاق مشروع مهني بأفكارهم الخاصة وفي ميدان معين، ومن خلال الاتفاقية التي يطرحها برنامج «آفاق» يستفيد صاحب المشروع من تربّص قصير بإحدى المؤسّسات التي تنشط في نفس مجال مشروعه، في مدة لا تتجاوز 3 أشهر، تتكفّل فيها الدولة بكل تكاليف الضمان الاجتماعي خلال تلك الفترة، التي يستغلّها طالب الشغل أو صاحب المشروع في الاطلاع على ميكانيزمات وآليات عمل المؤسّسة خلال فترة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً، يتحرّك فيها طالب الشغل بكل حرية داخل المؤسسة للتعرف على خبايا العمل والطرق الأمثل للتسيير دون أن يتلقّى راتبا خلال هذه الفترة، وبعد انقضاء الفترة التي يقضيها صاحب المشروع بالمؤسسة بإمكانه الاتفاق مع صاحب المؤسسة على أي صيغة للعمل أو التعاون في المستقبل. واصل رئيس الدراسات بالوكالة الوطنية للتشغيل، حديثه عن صيغ التعاقد التي جاء بها برنامج «آفاق» في سياق الشغل، ويضيف «اتفاقية مطابقة الخبرة المهنية «CVAE» وهي اتّفاقية موجّهة للذين فقدوا مناصب عملهم أو الراغبين في تحسين دخلهم، ويمتازون بقدرتهم على إتقان حرفة أخرى لكن مسارهم المهني والدراسي لم يسمح لهم بالحصول على شهادة تثبت إتقانهم لتلك الحرفة. وهنا يتوجّه لإحدى مراكز التكوين المهني بالرويبة بالجزائر العاصمة، ويخضع لامتحان تجريبي مهني يثبت من خلاله قدراته على التحكم في الحرفة التي يرغب في تأهيله فيها، وينال شهادة تسمح له بتطوير مهنته الجديدة بطريقة قانونية». وكشف عبد الجليل عن صيغة تعاقدية مع المؤسّسات الاقتصادية تدعى اتفاقية الادماج التكوين والتشغيل «CIFE»، وهي الصيغة التعاقدية التي تشبه كثيرا اتفاقية المطابقة للشغل «CAE» التي تضمّنها جهاز «DAIFE» من ناحية التكوين، ففي هذه الصيغة تقوم المؤسّسات الباحثة عن طالبي العمل في بعض التّخصّصات النادرة بمعاودة الاتصال بوكالة التشغيل المحلية، وطلب سير ذاتية لطالبي الشغل تكون أقرب للتّخصّصات التي تبحث عنها، ومن ثم تقوم بتكوين طالبي الشغل على المستوى الخارجي للمؤسسة، وبالتالي يصبح الموظف متربّصاً بأحد مراكز التكوين المهني العمومية أو الخاصة، وفي نفس الوقت موظّفا لدى الشركة خارج أوقات التكوين المتاحة. وأضاف مسؤول التركيبة الأولى في برنامج «آفاق»، أنّ هناك اتّفاقية أدرجت مؤخرا في الشق المتعلق بقطاع العمل والتشغيل في البرنامج، وموجّه خصيصا لحاملي شهادة الدكتوراه، تعمل على إدماجهم في المؤسّسات الاقتصادية بطريقة تراعي درجة شهادتهم فيما بعد التدرج، خاصة من ناحية الراتب الذي ستساهم فيه الدولة بقيمة أعلى من مساهماتها مع أصحاب الشهادات الأخرى. تأهيل المتسرّبين من المدارس لعالم الشّغل أوضح رئيس جمعية الصّحة سيدي الهوراي ومشروع «فرصة» ضمن برنامج «آفاق» بوهران، كمال الدين بريكسي رقيق، أنّ المشروع امتدّ من سنة 2018 إلى غاية سنة 2020، وبفضّله تمكّن برنامج «آفاق» من تكوين 340 شاب في مجال ترميم البنيات التاريخية، مانحاً بذلك فرصة للأطفال المتسرّبين من المدارس لاكتساب حرفة تُدر دخلاً محترماً، حسب رئيس المشروع. وأضاف بريكسي، أنّ الأطفال الذين لم يوفّقوا في مسارهم الدراسي لطالما اتّجهوا مباشرة إلى عالم الشغل وبصفة غير قانونية، ناهيك عن الآفات التي قد يكونون عرضة لها، لذا بادرت جمعية «الصحة سيدي الهواري» بوهران، بدعم من برنامج «آفاق» إلى تسطير مشروع «فرصة»، الذي اشتقّت تسميته من هدفه الأسمى، وهو إعطاء فرصة ثانية للأطفال المتسرّبين من المدارس للتكوين في مجال ترميم البنايات والمواقع الأثرية. تّرويج للتّكوين المهني أشار محدّثنا إلى أنّ التّكوين المهني لا يلقى رواجا كبيرا لدى الأطفال المتسرّبين من المدارس، لذا يحرص القائمون على المشروع، على التواصل مباشرة مع المؤسّسات التربوية لمعرفة عدد التلاميذ الراسبين والمفصولين من مقاعد الدراسة نهاية كل موسم، من أجل معرفة عناوينهم والاتصال بهم لعرض فرص التكوين بالجمعية وحتى بالمؤسسات التكوينية الأخرى. كما يلجأ القائمون على مشروع «فرصة» إلى تنظيم قوافل تجوب الأحياء الشعبية، وتنظيم أبواب مفتوحة على التكوين المهني بالجمعية، وعرض نماذج للناجحين من أصحاب الحرف على التلاميذ الذين لم يوفّقوا في دراستهم. وكشف بريكسي أنّ المدرسة التكوينية الخاصة بمشروع «فرصة» تنشط منذ 20 سنة بطاقة استيعاب 80 مقعدا، اعتمدت سنة 2011، ويخضع فيها الشباب للتكوين في بعض الحرف لمدة سنة، يتوّجون إثرها بشهادة تأهيلية في إحدى الحرف الستة التي توفّرها المدرسة، وهي تتعلق بترميم المواقع الأثرية كالنحت والنجارة والكهرباء، والتي تمكّن الشباب من ولوج عالم الشغل في سن مبكر. مشروع «فرصة» في ست ولايات يؤكّد رئيس مشروع «فرصة»، أنّ التجربة تمّ تعميمها على ست ولايات (تيميمون، ورقلة، البيض، تلمسان، عين تموشنت وتيزي وزو)، حيث تمّ تكوين المؤطّرين ومنشّطين بالجمعيات المعنية بمشروع «فرصة»، والتي ترتكز على تلقين الشباب الخاضع للتكوين، حرفاً ومهناً تضمن لهم ولوج عالم الشغل حسب خصوصية كل منطقة، ويضيف بريكسي أنّ المشروع يضمن أيضا فرص العمل من خلال قسم خاص بالإدماج المهني، مهمّته إنشاء علاقات مع العديد من الشركات العمومية والخاصة، والتي احتوت أكثر من 20 بالمئة من خريجي هذه المدراس، كما أنّ تداعيات جائحة «كوفيد-19» أثّرت كثيراً على سوق الشّغل ومخرجات المشروع. وختم محدّثنا كلمته بالتّطرّق إلى المستقبل الواعد لحرف ترميم المواقع الأثرية في عالم الشّغل، بعد أن كُشف عن أكثر من 20 ألف معلم أثري بالجزائر، كلّها تحتاج اليد العاملة المؤهّلة لإعادة تهيئتها، كما أنّ حرفة التّرميم من المهن ذات الطّابع الاستمراري، والتي تتطلّب المرافقة المستمرّة لأي موقع تمّ ترميمه. (عن الشعب الاقتصادي)