في مدينة «ميلة العتيقة» يقع مسجد «سيدي غانم» نسبة إلى أحد «أولياء الله الصالحين» الذين كانوا من رجالات العلم والمعرفة، بحسب أهل المدينة. يعد مسجد «سيدي غانم» المسمى أيضا ب»أبو المهاجر دينار»، ثاني أقدم مسجد في دول المغرب العربي بعد مسجد القيروان في تونس، وفق باحثي تاريخ. شُيد المسجد الذي يقع في المتحف الأثري بالمدينة، قبل 13 قرنا، وتحديدا في عام 59 هجريا، الموافق ل 678 ميلاديا، حسب مصادر تاريخية. تعود قصة بنائه إلى الفتوحات الإسلامية عندما فتح الصحابي أبو المهاجر دينار مدينة ميلة (ميلاف قديما)، والتي كانت تحت الاحتلال البيزنطي (534-647م) ويدين سكانها بالمسيحية، حسب مؤرخين. وورد في موسوعة «التاريخ الإسلامي - فتح شمال أفريقيا» أنّ معاوية بن أبي سفيان عزل عقبة بن نافع وولى مكانه أبو المهاجر دينار (توفي في الجزائر سنة 683م)، الذي أدرك أن «سكان شمالي أفريقيا أشداء ووجب التعامل معهم بليونة». وحسب الموسوعة، نجحت سياسة أبو المهاجر دينار في اجتذاب البربر إلى الإسلام، وبخاصة عندما أظهر تسامحاً كبيراً مع زعيمهم كسيلة بن لمزم، الذي أسلم لاحقا. وجعل الصحابي أبو المهاجر دينار مدينة «ميلة»، التي تضمّ في جنباتها المسجد، مركزا للقيادة ومنطلقا لفتوحاته الإسلامية. في العصر الذي انتشر فيه الإسلام في شبه الجزيرة العربية، كانت مدينة ميلاف (ميلة حاليا) مهد المسيحية بالمغرب الأوسط (الجزائر)»، حيث اشتهرت آنذاك بقديسها المنظر والكاتب «أوبتاتيس أوبتا الميلي» الذي ما تزال ترانيمه تتلى إلى اليوم في قداسات الصلوات المسيحية الكاثوليكية»، فتحت على يد المسلم أبو المهاجر دينار مولى وتابع ««مسلمة بن مخلد الأنصاري»، في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان وكان ذلك سنة (59 هجرية- 678م). وشيد أ أبو المهاجر دار الإمارة ومسجدا للمسلمين عرف بعدها ب»سيدى غانم» وكان النواة الأولى لنشر الإسلام في الجزائر، حسب بوعروج. وسمحت الدراسات بناء على الحفريات عام 1968م، باكتشاف حقائق قيمة تتعلّق بهذا الصرح التاريخي أهمّها أنّه أقيم بمحاذاة كنيسة رومانية تسمى»البازيليكا» وليس على أنقاضها، كما كان شائعا في السابق. وحول هندسة المسجد، فهو يشبه الأموي بدمشق بسوريا، ومسجد القيروانبتونس، ويتخذ شكلا مستطيلا يتربع على مساحة 820 مترا مربعا، ويحتوي على أربع واجهات، الرئيسية تقع في الجهة الشرقية، وتطل على حيز فسيح، يتوسطها المدخل الرئيسي، يؤدي إلى الصحن ومنه إلى بيت الصلاة.وتعرض المسجد بمجرد سقوط ميلة في يد الاستعمار الفرنسي عام 1838، لمحاولة السطو عليه بعد التمكّن من دار الإمارة التي كانت تجاوره، فقد انتقمت فرنسا الاستعمارية من السكان بتحويل المسجد إلى ثكنة لجيشها، كما هدمت وشوهت كثيرا من معالمه ذات الطابع المعماري الإسلامي، منها منارته واستغلال حجارتها في بناء مرافق لها.