نظرا لما تمثله المناطق الحرة في إحداث ديناميكية اقتصادية أبدى رئيس الجمهورية حرصا على إحداث القطيعة النهائية مع الممارسات السابقة من خلال تحديد قواعد مطبقة تتجاوز كل التناقضات والممارسات التي عرفتها الجزائر سابقا، من بلوغ الأهداف المرجوّة من خطة الإنعاش الاقتصادي. وأكّد خبراء في الاقتصاد أنّ سوء التسيير أفشل مشاريع المناطق الحرة، لذلك كان من الضروري وضع أنموذج جزائري بمعايير عالمية، يأخذ بعين الاعتبار اختيار مواقع إستراتيجية لها على غرار الحدود الشرقية مع تونسوالجنوبية وكذا البحرية مع الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يجب وضع خطة لإنشاء البنية التحتية كخط السكك الحديدية شمال جنوب والرقمنة من خلال إنشاء بنك الكتروني عمومي لمعاملات لتسهيل المعاملات وحركة رؤوس الأموال بعيدا عن البيروقراطية، ما يسمح بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية في مناطق مختلفة من الوطن. نقلة نوعيّة نحو اقتصاد مستدام أعطى رئيس الجمهورية أولوية قصوى للمناطق الحرة خاصة في بعدها الإفريقي، على اعتبار أنّه خيار استراتيجي بالنسبة للجزائر، فقد أصبح الولوج إلى السوق الإفريقية ضرورة ملحة لحماية وسيلة الإنتاج الوطنية وتشجيع الصادرات خارج المحروقات من خلال منظور تنويع الاقتصاد الوطني. ويعتبر انفتاح السوق الإفريقية سانحة للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين لتسويق منتجاتهم في سوق موحدة ذات 1.2 مليار نسمة وتقريبا 2.5 مليار نسمة في آفاق 2050 و54 دولة ذات دخل قومي خام تراكمي يفوق 2500 مليار دولار، حاليا افريقيا تتعامل في تجارتها مع أغلب دول العالم ولا تتعامل بينها سوى ب 16 بالمائة من مبلغ المبادلات، بينما يمكن تطويرها ب 60 بالمائة خلال سنوات قليلة في ظل سوق قارية متكاملة، في المقابل، لا تتعدى تبادلات مع السوق الإفريقية 4 بالمائة بينما تمثل مداخيلها 3000 مليار دولار. وتعدّ المناطق الحرة أحد أهم محركات التجارة والاستثمار في العالم بتسهيلات جمركية وضريبية تحدّ من عراقيل النشاط الاقتصادي، ولعلّ أهم الأهداف المتوخاة من إقامة هذه المناطق هو جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال الامتيازات والحوافز، بالإضافة إلى توفير العملة الصعبة من خلال ترويج الصادرات. إلى جانب استحداث فرص الشغل، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق مختلفة بتوزيع المناطق الحرة على عدة مواقع منها شرقا كمنطقة الدبداب، وغربا بتندوف على الحدود الموريتانية وجنوبا على الحدود المالية ونيجيرية، نقل التكنولوجيا والخبرة الفنية والإدارية، وأخيرا استخدام الموارد المحلية ممّا يعزّز ويدعم الحركة التجارية في الجزائر. وتعوّل الجزائر من خلال هذه المناطق على تحقيق النقلة المطلوبة نحو اقتصاد بديل أو مكمل للمحروقات، ما يخرجها من التبعية التامة للمحروقات، لذلك وضعت الجزائر مشروعا لإنجاز مناطق حرة في ولايات ادرار، إليزي، تمنراست، وبشار، ويذكر أنّ المناطق الحرة تنقسم إلى ثلاث منها المناطق الحرة التجارية والمناطق الحرة والمناطق الحرة الخدمية. هادف: سوء التسيير.. قطيعة نهائية أكّد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن هادف، في اتصال مع «الشعب» أنّ رئيس الجمهورية أراد إعطاء نفس جديد لجزئية استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث وجّه تعليماته بضرورة أن يشكل مشروع القانون المتعلق بتحديد القواعد المطبقة على المناطق الحرة، «قطيعة تامة ونهائية» مع الممارسات السابقة، ومع كل التناقضات والممارسات التي عرفتها الجزائر في العهد السابق بغية المرور بنجاح إلى مرحلة اقتصادية وتنموية جديدة. من خلال توفير كل الشروط التنظيمية والمؤطرة لمختلف النشاطات، باعتبار هذا المجال يعدّ عهدا جديدا في التعاملات، ولاسيما مع المحيط الإفريقي وأسواقه». في ذات السياق، قال المختص إنّ المناطق الحرة هي في نفس الوقت تعمل على مرافقة وتنمية الصادرات الجزائرية، لذلك يصر رئيس الجمهورية على إحداث القطيعة مع الممارسات السابقة، فقد أصدرت الجزائر سابقا قانون منظم لنشاط المناطق الحرة يتمثل في قانون 03/02 الذي تم إلغاؤه سنة 2006. في نفس الوقت، الجزائر مطالبة باستحداث قانون يمكن من تجسيد نشاط المناطق الحرة بصفة ناجعة تتوافق والأهداف المسطرة النشاط، على اعتبار أنّها رقم مهم في تحريك عجلة التنمية واستحداث ديناميكية اقتصادية، لذلك وجب اليوم تقييم التجربة السابقة التي اعتبرها فاشلة من أجل معرفة الأسباب المؤدية إلى هذه النتيجة، وعلى سبيل المثال تم استحداث المنطقة الحرة ب «بلارة» بجيجل والتي لم تحقق الأهداف المسطرة. لذلك، «إذا أردنا اليوم المضيّ في استحداث مناطق حرة جديدة لا بدّ من تقييم أسباب فشل التجربة السابقة، في نفس الوقت لا بد من وضع خارطة طريق أو نظرة جديدة لتسيير هكذا مناطق لخصوصيتها في التسيير، وكذا القوانين المطبقة داخل هذه المناطق الحرة على غرار علاقات العمل، قانون الشغل الذي يمكن تحيينه، ونفس الشيء بالنسبة لحركة رؤوس الأموال من خلال توافق قانون النقد والصرف مع هذه النشاطات»، حسب المتحدث. إحداث قفزة نوعية في تطوير الصادرات يتطلب حسبه امتلاك نموذج للمناطق الحرة تمكّنها من تثمين مقوّماتها من بينها المقوّمات الجغرافية، المنشآت القاعدية والخط العابر للصحراء، أو الواجهة البحرية، وكل ما هو متعلق بالمطارات. على الجزائر، اليوم، استحداث مشروع تنافسي، فالمناطق الحرة موجودة أيضا في دول الجوار والبحر المتوسط والشرق الأوسط، ما يستدعي ضرورة العمل على وضع أنموذج جدّ محفز لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأيضا اختيار الاستثمارات التي تعود على البلد بالفائدة من أجل تحقيق الاستدامة. في نفس الوقت، لاحظ هادف أنّ الكثير من المناطق الحرة تم إنشاؤها ليتم بعد ذلك التراجع عنها بسبب كونها غير منتجة، لذلك لا بد من وضع أنموذج جزائري يحترم خصوصية الجزائر وحسب الأهداف المسطرة في مشروع الإنعاش الاقتصادي. وعما إذا كانت المناطق الحرة في الجزائر تجارية أو صناعية أو خدماتية، أكّد هادف أنّها ستكون مدمجة تتوفر التجارة، الصناعة والخدمات على حدّ سواء، تتميّز بهدفين أساسيين هما استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ورفع قدرات الجزائر في التصدير، ما يعني توفرها على كل ما هو مطلوب من مشاريع صناعية وخدماتية، في نفس الوقت ستتوفر أيضا على مساحات تجارية وشركات متعلقة بالتجارة الخارجية. أما عن أهم المعوّقات التي عرفتها التجربة السابقة، اعتبر هادف طريقة التسيير في الفترة السابقة أهمها لأنّها السبب الرئيسي في فشل التجربة، وهو ما يجعل الجزائر اليوم أمام رهان حوكمة هذه المناطق وترشيدها وفق معايير عالمية، حيث تتميّز المنطقة الحرة بامتيازات خاصة للمستثمرين. وفي نفس الوقت، ستكون هناك مرافقة وتسهيلات للمرافقين المستثمرين، فالمشاريع التي يتم إنشاؤها في هذه المناطق لا تتقبل عوائق بيروقراطية أو إدارة مثبطة لاستحداث وإطلاق تلك المشاريع لذلك، ستكون الرقمنة أحد أهم أدوات الحوكمة العصرية الرشيدة، ما يجعل من المناطق الحرة تتطلب خدمات رقمية تسمح بتقديم خدمة التسيير ومتابعة المشاريع بمستوى عال وجدّ متطوّر ومتقدّم. أما فيما يتعلق بالسوق الافريقية، قال الخبير الاقتصادي إنّ منطقة حرة تستوجب تحديد السوق المتوجه إليه، وعليه الحديث عن البعد الافريقي يستدعي مشاريع أخرى بالموازاة معها، فعندما نتحدث عن ربط تندوف بزويرات بموريتانيا يعني ذلك دعم المنطقة الحرة الإفريقية، معتبرا في الوقت نفسه البعد الإفريقي مهما ونفس الشيء بالنسبة للبعد العربي والمتوسطي، وهو ما اعتبره رسالة واضحة للمتعاملين الاقتصاديين لبناء إستراتيجية للتجارة الخارجية تدمج هذا البعد الإفريقي الخيار الاستراتيجي بالنسبة للجزائر. هارون: ضعف الإنتاج المحلي في تواصله مع «الشعب»، قال الخبير الاقتصادي عمر هارون أنّ المناطق الحرة هي مناطق يتم استقبال السلع المختلفة فيها، تستفيد من تسهيلات جمركية وخفض بعض الرسوم الإدارية حتى تكون الأسعار منخفضة، تعتبر التبادلات التجارية هدفها الرئيسي، لذلك عند الحديث عن المناطق الحرة يجب التطرق إلى إنتاج السلع والخدمات داخل الدولة المستضيفة، في المقابل، تعيش الجزائر الآن في مرحلة حرجة نظرا للواقع الذي تعيشه سواء كان فيما تعلق بالفترة السابقة أو الفترة الحالية المتأثرة بتداعيات أزمة كوفيد- 19 التي تراوح سنتها الثالثة تقريبا. ويرى المتحدث، أنّ المشكل الرئيسي أمام المناطق الحرة في هذه المرحلة هو ضعف الإنتاج المحلي الذي يجعلنا أمام حالة أساسية قوامها ضعف حجم السلع والخدمات التي يمكن توجّهها إلى المناطق الحرة، يضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من العراقيل والمعوّقات، لعلّ أبرزها عدم وضع المناطق الحرة في مناطق إستراتيجية، حيث يرى هارون أنّ منطقة «بلاّرة» ليست بالإستراتيجية القادرة على أن تكون منطقة حرة بالنظر إلى موقعها الجغرافي. في المقابل، هناك مناطق حرة على المستوى الإفريقي تقتضي شيئا مهما يتمحور حسبه في إيجاد السلع والخدمات التي يحتاجها الأفارقة، في نفس الوقت تحديد ما هي السلع والخدمات التي يمكن أن تتحصل عليها الجزائر في هذا الإطار، بالإضافة إلى حاجة هذه العملية إلى بعض الأبعاد الإستراتيجية على غرار طرق النقل، حيث اعتبر الخبير الاقتصادي النقل البري عن طريق الشاحنات عملية صعبة ومكلفة. ويرى هارون أنّ المرحلة الحالية هي تحضير للمرحلة القادمة مذكرا، في ذات السياق، بوعد رئيس الجمهورية إنشاء خط سكك حديدية شمال جنوب يمكن أن يمتد إلى الدول الأفريقية، بالإضافة إلى توضيح هذه المناطق الحرة وأبعادها الجغرافية وفق الحاجة الموجودة، وتحديد نوع السلع الممكن وضعها في هذه المناطق، بالنظر إلى ما تعيشه الجزائر مؤخرا من مرحلة إستراتيجية حرجة مرتبطة بما يحدث في العالم، كذلك هناك جزئية إمدادات السلع والخدمات خاصة مع تداعيات العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا. في سياق ذي صلة، أكد أنّ الواقع الذي نعيشه يقتضي إعداد قوانين لتطوير هذه المناطق بالإضافة إلى عملية إشهارية ودعائية لها حتى يعرف الناس قوامها، بالإضافة إلى العمل على تذليل كل الصعوبات، فعندما نتكلم عن الجنوب يجب أن لا ننسى وجود فرص كبيرة في الشمال. لذلك كان من الضروري فتح المجال بين الجزائر وأوروبا حتى تكون هناك مناطق للتبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي، بالعمل على خفض التعريفة الجمركية خاصة على مستوى الضفة الأخرى لأنّ الجزائر أبدت استعدادها، لكن يجب أن تفاوض الجزائر في الجهة الأخرى لإيجاد مناطق التبادل. فالجزائر تملك الكثير من السلع القادرة على تصديرها إلى الدول الأوروبية بشكل ممنهج وواضح، وهو ما سيحدث قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، مؤكدا أنّها النقاط الأساسية الواجب أن تكون في المرحلة الحالية مركزا في الوقت نفسه على التسويق الإعلامي للمناطق الحرة بسبب الضعف الذي تعرفه في هذا المجال وإنجازها. أما فيما يتعلق بالحدود الشرقية، لاحظ المتحدث وجود تبادل تجاري سلعي كبير جدا وعلاقة تاريخية وطيدة مع تونس، لذلك يجب أن نفكر بجدية لتجسيد هذا النوع من المشاريع في تلك المنطقة، فلا يجب أن ننسى أنّه كلما كانت هناك تنمية حدودية كان هناك تضييق على الجريمة المنظمة خاصة التهريب. ودعا لأن تكون الحدود الشرقية مع الجارة تونس واحدة من أكبر وأهم المناطق الحرة يمكن من خلالها تحقيق أرقام أعمال كبيرة، أما في المستوى الثاني سيكون الجنوبالجزائري بنفس الأهمية، والمستوى الثالث سيكون على مستوى البحر الأبيض المتوسط مع الدول الأوروبية، في المقابل، توقع المختص عدم تحقيق مردودية في منطقة حرة في المنطقة العربية في المرحلة الحالية، مع إبقائه فرضية تغيّر المعطيات في السنوات القادمة. أما فيما يتعلق بالبنى التحتية النقل والرقمنة المندمج في العملية ككل، قال إنّ توفر سكك حديدية توصل الخدمات للمناطق الحرة يقابله ضرورة توفر إحصاء دقيق لكل ما يدخل ويخرج من الجزائر، ومن هذا المنطلق سيكون للدفع الالكتروني القدرة على المعاملات من خلال توفير الدفع عن بعد أو الالكتروني، خاصة بالنسبة للبنوك الالكترونية وهو أمر لا مفر منه. فعندما نتحدث أضاف يقول عن مناطق حرة وتبادلات تجارية مع كل الدول الصديقة والشقيقة يستدعي ذلك وجوب توفير هذا النوع من المعاملات الرقمية ويجب أن تكون في مستوى تحدي المناطق الحرة الذي نعيشه. وأكد إمكانية تجاوز هذا العائق بسهولة من خلال إنشاء بنك الكتروني عمومي، بحيث يمكن تحويل البنك الجزائري الخارجي إلى بنك الكتروني أو أن يكون هناك بنك الكتروني عمومي تنشؤه الدولة تتم عن طريقه المعاملات النقدية والرقمية ليكون هو أساس انطلاق المعاملات على المستوى الوطني.