كشف، أمس، رئيس المحكمة الدستورية عمر بلحاج، عن تنظيم ملتقى دولي يخصص للذكرى الأولى لإنشاء المحكمة الدستوري، بتاريخ 26 نوفمبر المقبل. مؤكدا تلقي المحكمة 32 إخطارا يتعلق بعدم دستورية القوانين رفعها مواطنون عن طريق القضاء. قال بلحاج خلال كلمة ألقاها بمناسبة افتتاحه للملتقى الوطني الأول حول المحكمة الدستورية في التعديل الدستوري لسنة 2020، ودورها في إرساء دولة الحق والقانون، إن المحكمة الدستورية بتشكيلتها المميزة وبتركيبتها البشرية، أصبحت تمثل أنموذجاً خاصاً وغير مسبوق في الجزائر، يحفظ حياد المحكمة واستقلالها ويرفع من أدائها الوظيفي ويدعم جودة قراراتها. وذكر رئيس المحكمة الدستورية، أن هذا الملتقى يتزامن مع مساعي الرئيس المتواصلة في الوفاء بعهوده للشعب الجزائري واهتمامه بالطاقة الشبابية، بتنصيب المجلس الأعلى للشباب، كهيئة دستورية استشارية تعنى بالمسائل المتعلقة بحاجات الشباب وازدهاره في مجالات مختلفة، وكذا اهتمام الرئيس وسعيه الدائم إلى تكريس دور الشباب وتعزيز مكانته ليكون فاعلا أساسيا في تسيير الشؤون العامة ورسم السياسات الإستراتيجية والتنمية الوطنية. وأشار المسؤول ذاته، إلى أن «الملتقى خير مناسبة لشرح وتحليل الأحكام الدستورية ذات العلاقة بهذا الصرح الدستوري الهام، بما يدعم نشر الثقافة الدستورية في جزائرنا الجديدة، بمشاركة الشباب من طلبة الحقوق، ليتسنى لهم اكتساب ثقافة دستورية وحقوقية، بما يؤهلها لتعزيز أُطر المواطنة لديهم وتسليط الضوء على محاور ذات صلة بتشكيلة وسير واختصاصات المحكمة الدستورية من جميع الجوانب». ونوه المسؤول ذاته بالمرحلة الحالية التي ميزها الاستقرار السياسي، متبوعا بإقلاع اقتصادي واجتماعي وثقافي، وبلدنا يشهد مرحلة بعث جديدة، بدت معالمها واضحة للعيان في جو يسوده انتعاش كبير وملحوظ بصدد دور الجزائر على الصعيد الخارجي، إن على المستوى العلاقات متعددة الأطراف أو العلاقات الثنائية، وكذا الاهتمام بالقضايا الدولية والإقليمية، لاسيما مع اقتراب عقد القمة العربية بالجزائر، تزامنا مع الذكرى 68 لاندلاع ثورة التحرير. كما عاد رئيس المحكمة ليذكر بمصادقة الشعب الجزائري على التعديل الدستوري الذي جاء وفاءً بحسبه لتعهد الرئيس أمام شعبه والتزامه بتحقيق 54 تعهدا، ما جعل تعديل الدستور يحتل المقام الأول ومكان الصدارة سموًّا باعتباره القانون الأسمى للجمهورية، مشيرا أن التعديل يكرس الديمقراطية ويؤسس لفصل حقيقي بين السلطات، ويعزز الصلاحيات الرقابية للبرلمان، ويسمح بعمل متناغم للمؤسسات، كما يحمي حقوق وحريات المواطن، ويجنب البلاد أي انحراف من خلال إنشاء سلطات محايدة فعالة، تجسيدا لتعهدات الرئيس. وفي السياق شدد المسؤول ذاته، على أن التعديل الدستوري صدر مستحدثاً لمحكمة دستورية بدل مجلس دستوري، وليس الأمر مجرد استبدال تسمية بأخرى، بل يتعلق الأمر بإرساء وتأسيس نمط رقابة جديد وغير معهود، من شأنه المحافظة على حياد واستقلال هذه المؤسسة الدستورية بما يجعلها تختلف جوهريا عن النمط المعتمد سابقا والمعمول به قبل تعديل 2020. مبرزا أن القضاء الدستوري، وعلى حداثته، الذي يعتبر دعامة أساسية لضمان سمو الدستور باعتباره القانون الأسمى في الدولة، حقق في الأنظمة المقارنة خطوات متقدمة جدا، كرست ذاتيته ووجوده المستقل بشكل ملحوظ عن السلطات في الدولة بما فيها السلطة القضائية. وعليه فقد حظيت يضيف بلحاج المحكمة الدستورية باهتمام السلطات العليا في البلاد. فقد ترجم بتنصيب البناية الدستورية، موضحا أنه تم تخصيص فصل مستقل في الباب الرابع في الدستور وهو تقسيم مستحدث. كما أنّ المواد المتعلقة بهذه المؤسسة الدستورية، لا تنحصر في هذا الفصل، بل متواجدة أيضا في الباب الثالث من الفصل الأول والثاني من ذات الباب، أيضا في الباب السادس، بما يؤكد تنوع اختصاصاتها ومكانتها ضمن المؤسسات الدستورية ودورها الرائد والمتنوع في حماية الحقوق والحريات الأساسية ودولة الحق والقانون، يؤكد بلحاج. كما تطرق المسؤول لمستجدات كثيرة ومتنوعة تميزت بها المحكمة الدستورية باعتبارها مؤسسة مستقلة عن كل السلطات، وهي خارجة عن الهيكل القضائي بنوعيه العادي والإداري. وتستمد المحكمة الدستورية كل اختصاصاتها من الدستور، وهذا يمثل، لا شك، مظهر تميز في الجزائر، حيث جمع تشكيل المؤسسة بين التعيين والانتخاب لكفاءات وقضاة من المحكمة العليا ومجلس الدولة وأساتذة مختصين في القانون الدستوري من جهة أخرى، مضيفا أنه تم الاعتراف ولأول مرة للمحكمة باعتماد نظامها الداخلي، إلى جانب إقرارها للنظام المحدد لقواعد عملها، وهو ما يمثل أحد أبرز مظاهر استقلال المحكمة. وتابع: «تم تخصيص عديد الأحكام ضمن الوثيقة الدستورية توسع من نطاق رقابة المحكمة، منها امتداد رقابة المحكمة الدستورية للأوامر وكذا للتنظيمات وهو وضع مستجد أيضا»، ليبرز أن «المحكمة تختص برقابة توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات، بما يبعث الانسجام بين المعاهدات الدولية والتشريع والتنظيم الداخلي، وهو حكم غير مسبوق في كل الدساتير السابقة للبلاد، فيما أصبح ولأول مرة من مشمولات اختصاص المحكمة الدستورية الفصل في الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية». وكشف عمار عباس، عضو للمحكمة الدستورية، خلال مداخلة له، أنه تم تسجيل منذ تنصيب المحكمة الدستورية في نوفمبر 2021، أي بعد مرور ستة أشهر تاريخ شروع المحكمة الدستورية في عملها، 32 إخطارا يتعلق بعدم الدستورية رفعها مواطنون عن طريق القضاء. وعرف اليوم الأول من الملتقى، مداخلات ثرية نشطها أساتذة وأعضاء المحكمة الدستورية، تمحورت حول مكانة المحكمة الدستورية في الجزائر بين نماذج القضاء الدستوري، والرقابة الدستورية وظائفها ومناهجها، فضلا عن تناول موضوع المحكمة الدستورية النتائج القانونية المترتبة عن الانتقال من نظام المجلس الدستوري إلى نظام المحكمة الدستورية.