ضرورة تكاتف جهود الفاعلين للاستفادة من التّراث يعتبر الأستاذ سيد أحمد بيكة، أنّ الحظيرة الثقافية للأهقار أكبر متحف مفتوح على الهواء في إفريقيا، نظرا لاحتوائها على تراث ثقافي ضارب في القدم، يضم هذا التراث في شقّه المادي: الممتلكات الثقافية العقارية (المعالم التاريخية) التي تنتشر عبر إقليم هذه الحظيرة، والمعرّفة في المادة 17 من قانون 98/04 الخاص بحماية التراث الثقافي «بأنها أي إنشاء هندسي معماري منفرد أو مجموع، يقوم شاهدا على حضارة معينة أو على تطور هام أو حادثة تاريخية، والمعالم المعنية بالخصوص هي المنجزات المعمارية الكبرى..، والمباني أو المجمعات المعلمية الفخمة ذات الطابع الديني أو المدني أو الزراعي أو الصناعي». كثيرة هي المعالم التاريخية التي تزخر بها الحظيرة الثقافية الأهقار، يسلّط رئيس مصلحة التراث والبقايا التاريخية الضوء في حديثه مع «الشعب ويكاند» على أهمها. قصر صورو موسى اق امستان يقع المبنى بمدينة تمنغست بحي صورو على الضفة الغربية لوادي تمنغست، وهي بناية ذات طابع سكني كانت مقرا لحاكم الأهقار قديما أو ما يسمى بأمنوكال، بني سنة 1906 لأمنوكال موسى اق امستان بعد أن نجح في توحيد قبائل الطوارق، وعقد ميثاق السلم مع الإدارة الفرنسية وجيشها، عن طريق الملحق النقيب ميتو في عين صالح، هذا المبنى كان مسكنا له ولعائلته من جهة، ومقرا لتسيير شؤون شعبه واستقبال الضيوف. من جهة أخرى، تم بناؤه على مراحل خلال الفترة الممتدة ما بين 1906 - 1929، ابتداء من حكم موسى اق امستان مرورا بأمنوكال اخموك اق اهما خلال فترة حكمه (1921-1941) ثم مولاي زين الدين الرقاني الذي بنى مدرسة لتعليم القرآن بالقرب منه، والقصر مبني من مواد بناء محلية (طوب، حجارة، جذوع وأغصان أشجار)، أما بالنسبة لمصطلح «صورو» فهي كلمة تارقية تعني العليّة أو الطابق الأول. برج شارل دو فوكو تقع هذه البناية بوسط مدينة تمنغست، وهي عبارة عن حصن بني من طرف الأب شارل دو فوكو في سنة 1915، حيث قرر أن يبني برجا حصينا نقل إليه أمتعته ومؤونة الجنود والكثير من العتاد الذي يعمل به، وكان يعتقد أن هذا الحصن المكان الوحيد للنجاة، نظرا لعدم وجود أي فرق عسكرية بتمنغست، إذ تقع أقرب نقطة عسكرية في برج مونتلنسكي على بعد 50 كلم، وهي مسافة يوم كامل من السير. بني المعلم بمواد بناء محلية وهندسة معمارية دفاعية، ذو شكل مربع وأبراج كبيرة في الزوايا، تعلو جزءه العلوي فتحات ومزاغل للمراقبة، له مدخل وحيد يتقدمه سور صغير لكسر الرؤية، يضم المبنى من الداخل كنيسة خاصة، مكتب، مكتبة، قاعة استقبال الأصدقاء، مطبخ، مخزن حيث تنتشر هذه العناصر على جهاته الأربع، بينما يقع البئر في الوسط، له أيضا مجموعتان من السلالم التي تؤدي إلى السطح. قصر صورو تازروك تقع البناية بمدينة تازروك بوسط المدينة، وهي بناية ذات طابع سكني بنيت من طرف الفرنسي بيتري، وذلك بطلب من محمد البكري حفيد الحاج أحمد أق الحاج البكري أمنوكال الهقار (1850-1877)، بمساعدة بنائين من منطقة توات سنة 1912 بمواد بناء محلية وهندسة معمارية صحراوية، وكان هذا المعلم مشغولا من طرف عائلة من أحفاد محمد البكري إلى وقت قريب، لكن حالته المتدهورة كانت تشكل خطرا دائما عليهم لذلك غادروه. في هذا الصدد، عبّر الأستاذ سنوسي كرزيكة مهتم وباحث في التراث، وأحد سكان المنطقة في حديثه ل «الشعب ويكاند»، عن أسفه لوضعية أحد المعالم التاريخية والأثرية بالمنطقة، كان شاهدا على محطات تاريخية ومفصلية في تاريخ المنطقة. يحدث هذا بالرغم من أهمية هذا المعلم الأثري، يضيف المتحدث بالنظر إلى الدور الكبير الذي كان يقوم به، على غرار إبراز أهمية العلاقات التاريخية الاجتماعية والعلمية والفنية، وأيضا في تجسيد العلاقات منها التبادلات الفكرية والتكافل بين سكان منطقة الأهقار والتيديكلت، وكذا تجسيد وتطوير البناء العمراني الإسلامي في الصحراء، إذ تم بناؤه بسواعد مشتركة بين سكان منطقتي التيديكلت والهقار إبان الاحتلال الفرنسي. قصبة باجودا يقع المعلم بوسط مدينة إن صالح على بعد حوالي 700 كلم من مقر الولاية تمنغست، قصبة باجودا عبارة عن بناية على شكل حصن ذي أبراج، من الأرجح أن يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1843، وهي عبارة عن نصب تاريخي ذي قيمة تاريخية ومعمارية مهمة جدا، حيث تعتبر مكانا للدفاع والحماية وإدارة شؤون المنطقة، وكانت إبان الفترة الاستعمارية بمثابة ثكنة ومذبحة للسكان. أما قيمتها المعمارية فتبرز القصبة بشكل استثنائي تماما، على الرغم من أنه يمكن اعتبارها في بعض النواحي محاولة لإعادة تفسير القصبة البربرية، كما أنها تتكون من عدة عناصر زخرفية وجمالية. قصبة سيلت تقع البناية في دائرة سيلت على بعد 140 كلم عن مقر الولاية تمنغست، مبنية من المواد المحلية (حجارة، طوب، جذوع النخيل)، وتتميز عن المعالم الأخرى بكيفية استعمال الحجارة والملاط عند بناء الجدران، وموقعها في مدخل المدينة بجوار الواحة ووادي سيلت، كما يجاورها مصلى صغير وفقارة تجري مياهها إلى غاية اليوم، تعد الأصغر من حيث المساحة بالنسبة للمعالم المذكورة آنفا، لا نعلم عنها الكثير إلا أن بعض المصادر ترجع تاريخها إلى فترة استقرار المرابطين بسيلت حوالي القرن 12. حالة من الإهمال في سياق آخر، أبدى محافظ التراث الثقافي بالحظيرة الثقافية الأهقار سيد أحمد بيكة، عدم رضاه عن الوضعية التي تعرفها هذه المعالم، مؤكّدا بأنها تعاني الإهمال الذي ساهم كثيرا في تدهورها واختفاء العديد من عناصرها المعمارية، الشيء الذي ينطبق على قصر موسى أق امستان، الذي تعرض لسقوط القوس بمدخله الشرقي، وقبلها تعالت صرخات سكان تازروك بسبب تهاوي أجزاء من قصرهم كانت تحدث بين الفينة والأخرى، وأحد أبراج قصبة باجودا قبل سنوات، لتزداد الحالة سوءا جراء رمي الأوساخ، ووضع حاويات للقمامة بالقرب منها، كأن المكان أصبح مكبّا للنفايات بصفة رسمية هذا من جهة. وتم تسجيل عملية دراسة لأربعة معالم تاريخية هي: قصر موسى أق امستان - قصر صورو بتازروك - قصبة باجودا - قصبة سيلت، وبعد مدة طويلة بدأت عملية الترميم في مرحلتها الأولى، والتي مسّت قصر موسى أق امستان وقصبة باجودا، لكن توقفت هذه العملية في هذه المرحلة، والسبب مكتب الدراسات غير مؤهل. إضافة فعّالة لتطوير وتجسيد السّياحة الثّقافية يحدث هذا حسب المتحدث في ظل أهمية هذا الإرث، الذي من الممكن أن يقدم إضافة فعالة لتطوير السياحة وتجسيد السياحة الثقافية، وهذا من خلال تكاتف الجهود كل حسب موقعه: قطاع الثقافة على مستوى الولاية، البلديات، المجتمع المدني المتمثل في الجمعيات الثقافية الناشطة، جمعيات الأحياء…إلخ، من أجل تقوية عملية التحسيس خاصة على مستوى المدارس والأحياء التي يوجد بها هكذا معالم، تنظيم عمليات النظافة كل أسبوع. أما مستقبلا، وعند ترميم هذه المعالم التاريخية، يضيف المتحدث فيجب مراعاة علاقتها بمحيطها، بحيث تستخدم استخداما دائما، كأن تكون مقرات لبعض الإدارات في قطاع الثقافة، وحتى للوكالات السياحية، مثلما هو عليه الحال بالشمال وخاصة بالعاصمة، أين نجد معالم تاريخية تعود للفترة العثمانية مثل دار عزيزة، دار خداوج العمياء، حصن 23، وقد أصبحت مقرات لإدارات تابعة لوزارة الثقافة، كما يمكن استعمالها في إطار نشاطات الجمعيات الثقافية، وبهذه الطريقة نضمن صيانتها، نظافتها وحراستها، قائلا إن الإنسان هو المحرك والقادر على إرجاع الروح لهذه البنايات، التي تحمل عبق الماضي بكل أفراحه ومآسيه. بدوره، كشف مدير الثقافة لولاية تمنغست محمد بلبالي، عن عملية حماية المعالم التاريخية على غرار معلم موسى أق أمستان وقصبة باجودة بعين صالح وقصر تاظروك، مؤكّدا بأنّ الدراسة انتهت والعملية مجمدة، في انتظار رفع التجميد، ومع ذلك يتم حاليا بشكل دوري تنظيم العديد من الأنشطة في مجال النظافة للمواقع من تنظيم الحظيرة الثقافية. كما تم القيام بعملية هي الأولى من نوعها منذ سنوات يضيف المتحدث بتصنيف المعالم الأربعة السالفة الذكر محليا، في انتظار تصنيفها وطنيا.