إن البدائل والخيارات الاقتصادية لتنويع الاقتصاد وترقية الآلة الإنتاجية، كثيرة وفوق ذلك متاحة بشكل مغر، ولعل المورد البشري الهائل المتوفر على مستوى الجامعات، يمكن تسخيره بالشكل المطلوب ليشكل نقطة تحول جذري، إذا جزءا من الرهانات الاقتصادية المرفوعة خلال السنة الاقتصادية الحالية، يكمن في تفعيل جسور الجامعة مع المؤسسات المنتجة للثروة، وهذه الجسور تمثل مفاتيح وركائز دفع لإقلاع تنموي بعيدا عن ثروة النفط بوتيرة أكبر تجعل الجزائر في ريادة الدول الناشئة. لا يمكن للجامعة في الوقت الراهن أن تكون بعيدة عن المعركة الاقتصادية، بل مطالبة بالانخراط وبقوة للمساهمة في إنشاء المؤسسات وطرح الحلول العلمية المتطورة لمنتجات ذات جودة عالية بتكلفة منخفضة وذات روح تنافسية عالية، ولعل منبع الابتكار نجده في الجامعة وبالتحديد على مستوى مخابر البحث العلمي، ومن من المفروض أن يكون مساره الطبيعي، التدفق نحو المؤسسة الاقتصادية هذا من جهة ومن جهة أخرى، ما على المؤسسات الاقتصادية سوى استقبال ما تطرحه الجامعة من أفكار وحلول اقتصادية وتكنولوجية، لذا المؤسسة الاقتصادية العمومية كما الخاصة على حد سواء، مطالبتين بالكثير من التعاون في إطار الانفتاح الحقيقي على الجامعة، وبالتالي الوقوف على ذلك في أرض الواقع أي حتى لا يبقى هذا التحدي حبرا على ورق. دراسة جدوى المورد البشري المعتبر المتخرج سنويا من الجامعات، ينبغي أن تمنح له الفرص كاملة، عبر تكريس مبدإ تكافؤ الفرص بين حاملي الأفكار الابتكارية الجديدة والقادرين على إيجاد الحلول لمختلف التحديات الاقتصادية، حيث عشرات الآلاف يتخرجون سنويا، ومن المفروض أن سوق العمل يستوعب أكبر عدد منهم على خلفية أن امتصاص البطالة يتطلب مقاربة اقتصادية دقيقة وشفافة ومستعجلة. خريجو الجامعات في حاجة قبل تخرجهم وعلى الأقل خلال السنتين الأخيرتين من الدراسة، إلى عناية خاصة واهتمام يؤطر توجهاتهم ويأخذ بأيديهم ليسلكوا طريقا صحيحا يجعلهم في مأمن من البطالة أو الهجرة نحو الخارج، لأن مشاريع خلق مؤسسات صغيرة ناجحة، يمكن استقطابها من الجامعات ومن معاهد التكوين المهني، وتكون بعد ذلك دراسة جدوى من طرف خبراء ومختصين حتى يمكن تعبيد طريق من يتطلع من الشباب المتخرج حديثا لاستحداث مؤسساته حيث تشارك مستقبلا في استحداث الثروة وفتح مناصب عمل جديدة، تتولى مهمة إطلاق القيمة المضافة، على خلفية أن الجزائر تحتاج كثيرا إلى شركات المناولة وكذا شركات مصغرة تنشط في مجال التكنولوجيات الحديثة التي لا يتطلب استحداثها رأسمال ضخم. الجدير بالإشارة أن عديدا من المستثمرين الأجانب الذين يجذبهم الاستثمار بالجزائر ينوهون بل وينبهرون بوفرة المورد البشري، وكذا وجود الكفاءات بشكل لافت، إلى جانب الموارد الباطنية، مما يزيد من حماسهم من أجل إقامة مشاريع استثمارية في عدة مجالات، خاصة وأن الجزائر قريبة من الأسواق العربية والإفريقية، وكذا قريبة من القارة الأوروبية من أجل إقامة الشراكات. تناسق مع متطلبات السوق من الضروري أن تستحدث جميع المؤسسات التي تطمح نحو توسيع نشاطها والرفع من رقم أعمالها، والتحسين من قدراتها التنافسية وكذا ترقية جودة منتجاتها، مخابر بحث تستعين فيه ببحوث الجامعين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تبني عدة بحوث وابتكارات مخابر البحث التابعة للجامعات، لمنح جرعة قوية لأولئك الذين يسهرون ويتعبون كثيرا من أجل تطوير الأبحاث، لأنه هناك بحوث في مستوى عالي وتبقى في الأدراج بعيدة عن الجانب التطبيقي، ولأنها تبحث عن كل من يتبناها ويفتح لها مجال التجسيد، وهذا يعني الاستفادة من الكفاءات الشابة التي تزخر بها الجامعات الجزائرية، ومن ثم إعادة الاعتبار للبحوث الجامعية العلمية والتقنية على وجه الخصوص، التي من شأنها أن تغير من وجه الاقتصاد الوطني وتطرح حلولا للآلة الإنتاجية الجزائرية، بهدف الرفع من قدراتها التنافسية، وبالتالي ولوج الأسواق الخارجية بثقة. من جانب آخر، حان الوقت من أجل مواكبة الجامعة لسوق العمل عبر فتح تخصصات جديدة، يطلبها سوق العمل كثيرا خاصة في ظل التطور التكنولوجي الرهيب والعولمة السريعة، وانفتاح الجزائر على الاستثمار المحلي والأجنبي، لأن الاندماج سيكون سهلا مع اليد العاملة المؤهلة، فلا يمكن أن نعكف على التكوين في تخصصات، لا يمكن أن يجد أصحابها فرص عمل، وعلى خلفية أن توسيع الاستثمارات والتوجيه الصحيح، وآلية التناسق بين متطلبات السوق والجامعة، من شأنه أن يفتح المجال للمحيطين. مؤسسات رائدة وعملاقة نسيج المؤسسات الصغيرة ينبغي أن يحظى بالأولوية، بالنظر إلى قدرته على خلق الثروة، و على خلفية أنها لا تحتاج إلى تمويلات ضخمة وفوق ذلك تستوعب أفكار المشاريع الرائدة التي يمكن مستقبلا أن تتحول إلى مؤسسات متوسطة وبعد عشرات الأعوام، إذا فرضت منتجاتها في السوق وتوجهت إلى التصدير يمكن أن تكون مؤسسات كبيرة، وكم من مؤسسات رائدة وعملاقة في العالم بمجال التكنولوجيات الحديثة، تحولت بفضل نجاحها إلى مؤسسات كبيرة لديها فروع عديدة بالعالم وتشغل مئات الآلاف من العمال. انخراط الجامعة في الحياة الاقتصادية أو تقاطع المؤسسة الانتاجية مع الجامعة بات ضروريا، ليس فقط على مستوى جلب الكفاءات من المتخرجين، بل كذلك عن طرق التكفل بتكوين العديد من المقبلين على التخرج، من خلال منحهم فرصا لاكتساب المهارات التي تأهلهم لولوج عالم الشغل. إذا الجامعة والمؤسسة الاقتصادية علاقة عكسية يتوقف عليها انتعاش وتطور الاقتصاد الوطني بل الجامعة قاطرة قوية يمكن الاعتماد عليها.