الدول الكبرى مُلزمة بكبح الاحتباس الحراري يعتبر الخبير في شؤون البيئة والتنمية المستدامة دراجي بلوم علقمة، مشاركة الجزائر في قمة المناخ بشرم الشيخ بمصر، فرصة ثمينة في ظل التقلبات وأزمة الغاز العالمية وبروز تعدد الأقطاب على المستوى العالمي، موضحا أن اجتماع قادة الدول يشكل فضاء قد ينتج عنه ما تصبو إليه الجزائر والبلدان العربية والإفريقية، ولِمَ لا إعادة تأكيد التزاماتهم بأجندة المناخ العالمي على الرغم من وجود بعض الصعوبات. في حديثه مع "الشعب"، أبرز الخبير الاستشاري في شؤون البيئة، أهمية اتخاذ قادة الدول المشاركين في قمة المناخ الدورة 27، الخطوات اللازمة لمساعدة الدول النامية ودعمها للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، لاسيما أزمة الأمن الغذائي المستمرة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والتصحر وندرة المياه، وخاصة في البلدان العربية والإفريقية التي تعاني أكثر من غيرها من آثار التغيرات المناخية. وأشار بلوم علقمة إلى الآثار الخطيرة للتغيرات المناخية نتيجة استمرار نموّ غازات دفيئة في الغلاف الجوي، مولدة احترارا عالميا غير منتظم على سطح الأرض، وارتفاع درجة الحرارة بشكل مختلف في أجزاء مختلفة من العالم، خاصة دول الجنوب الأكثر تضررا حسبه من بلدان الشمال. ولا ترتبط تغيرات المناخ بالتحولات طويلة الأجل لدرجات الحرارة وأنماط الطقس، بل تشمل التحولات الطبيعية - يضيف الخبير- فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية، ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. وتشمل عواقب تغير المناخ الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي وتداخل الفصول وما لذلك من عواقب وخيمة. وذكر أن مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري معروفة وهي إما طبيعية بسبب البراكين وحرائق الغابات وما إلى ذلك، أو من صنع الإنسان بسبب الأنشطة الصناعية والطاقة والنقل وما إلى ذلك. وأشار إلى أن آلاف العلماء والمراجعين الحكوميين، اتفقوا سابقا، على أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية سيساعد على تجنب أسوإ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش، ومع ذلك، تشير السياسات المعمول بها حاليا إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وتأتي الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ من كل منطقة في العالم وتؤثر على الجميع، لكن بعض البلدان تنتج أكثر بكثير من غيرها، حيث أن المائة دولة التي تنتج أقل قدر من الانبعاثات تولد 3 في المائة فقط من إجمالي الانبعاثات، بينما البلدان العشرة الأكثر تصنيعا هي التي تنتج أكبر قدر من الانبعاثات تولد 68 في المائة من الانبعاثات. وشدد بلوم علقمة على ضرورة أن يتخذ الجميع إجراءات بشأن المناخ، لكن البلدان والأشخاص الذين يتسببون في أكبر قدر من المشكلة يتحملون مسؤولية أكبر لمباشرة العمل بشأن المناخ. جهود الجزائر وتجسيد التزاماتها يقول الخبير الاستشاري في البيئة، إن الجزائر تقع في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة تعتبرها اللجنة الحكومية الدولية للخبراء الدوليين حول تغير المناخ (IPCC) واحدة من 24 "بقعة ساخنة" الأكثر عرضة لتغير المناخ، وقد تأثرت بالظواهر المناخية المتطرفة المتكررة من فيضانات، جفاف وحرائق غابات وغيرها من الكوارث. ومن أجل مجابهة هذه التحديات، اعتمدت الاتفاقيات الدولية حول البيئة منذ مؤتمر ريو عام 1992، بما في ذلك تلك المتعلقة بتغير المناخ، وكانت سباقة لاستشعار خطورة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد كل البشرية والبيئة بصفة عامة، وقد جددت التزامها بتخفيض الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري في أفق 2020-2030 بموجب اتفاق باريس حول الطاقة الموقع في 2015 والذي يهدف إلى الحفاظ على معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض تحت 2 درجة مئوية. وأضاف بلوم علقة، أن الجزائر التزمت بتخفيض الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري ب 7 % ابتداء من سنة 2020 باستعمال وسائل وطنية (أي على حساب مواردها المالية ) من خلال نشاطات تهدف إلى إحداث انتقال طاقوي وتنوع اقتصادي ويمكن لهذا التخفيض أن يبلغ 22% في أفق 2030 شريطة أن تتلقى الجزائر دعما دوليا كما تم الالتزام به. ويشمل تخفيض انبعاثات حسب المتحدث، أهم ثلاث غازات وهي غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) وأوكسيد النيتروز (N20)، كما حرصت الجزائر قبل اتفاق باريس على اتخاذ إجراءات التكيف لحماية السكان والبنى التحتية وهذا بصفة طوعية ولكن بعد المصادقة على هذا الإتفاق في 2015 أصبح ملزما تجسيد التزاماته. وأشار بلوم علقمة، إلى أن الجزائر أنشأت، منذ جويلية 2015، لجنة المناخ الوطنية وعهدت رئاستها إلى الوزير المكلف بالبيئة، "اللجنة الوطنية للمناخ (CNC)" وهي النواة المسؤولة عن تطوير المساهمة المحددة وطنياً (CDN) والتي تمثل الأداة الرئيسية للتصديق على اتفاقية باريس التي تلتزم فيها الجزائر بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 07٪ على الأسهم من خلال ضمان استعدادها لذلك، وتطمح لتخفيضها من 07 إلى 22 ٪ في حال استفادتها من الدعم الفني والمالي والتحويلات التكنولوجية اللازمة كما تعهدت به الدول الأكثر تقدما والمتسبب الرئيسي في هذه الانبعاثات. كما أطلقت وزارة البيئة بالتعاون مع 18 دائرة وزارية، بعد التصديق على اتفاقية باريس بمرسوم رئاسي في 13 أكتوبر 2016، برنامج تطوير خطة المناخ الوطنية ( PNC ) التي تشكل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة تغير المناخ، ويشتمل المخطط PNC على 155 إجراء بما في ذلك 63 إجراء يتعلق بالتكيف و76 إجراء يتعلق بالتخفيف وأخيرا 16 إجراء شاملا يتعلق ببناء القدرات من أجل تنفيذه. وبالتشاور مع الشركاء الجزائريين، المشروع اختار القطاع النموذجي للغابات للتكيف مع تغير المناخ وقطاع الطاقة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة GES بالإضافة إلى ثلاث ولايات تجريبية (الجلفة، قالمة وتمنراست). وتراهن الجزائر، حسب الخبير، على إستراتيجية متناسقة استهدفت بالخصوص قطاعات الطاقة والغابات والسكن والنقل والصناعة والنفايات من أجل بلوغ أهدافها في التخفيض، وهي عازمة على المساهمة في تنفيذ إستراتيجية الأممالمتحدة لمكافحة تغير المناخ. وقد أعدت "الكتاب الأبيض" حول تأثير التغير المناخي في الجزائر والجهود التي تبذلها الدولة للتخفيف من آثاره الضارة. وقد أدرجت الجزائر مكافحة تغير المناخ في برامجها التنموية من خلال تطوير إطارها المؤسساتي والتشريعي، وإطلاق مشاريع نموذجية. من ناحية أخرى، تتركز الجهود بشكل خاص على إجراء عمليات الغرس وحماية تعميم نقاط المياه، بهدف الحفاظ على الثروة الحيوانية في هذه المناطق، والتي تقدر بأكثر من 21 مليون رأس، وتشكل مصدر دخل للسكان بصفة شاملة، عدد سكانها يقدر ب 7 ملايين نسمة. ومن بين الإجراءات العاجلة التي سعت الجزائر إلى اتخاذها، تدعيم حملات الوقاية والتوعية بتوفير المياه. وفي نفس الاتجاه، تعتزم الجزائر بخطى ثابتة إنجاز ما لا يقل عن 1000 ميغاواط / سنة من الطاقة الشمسية والرياح وتعتزم أيضًا تطوير خطة الهيدروجين الأخضر الخاصة بها لما بعد عام 2030 للتنفيذ من خلال تطوير خطة الطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر والمحللات الكهربائية لتكون في الأخير مزودا للدول الأوروبية والتي ستساعدها في وضع خطة الهيدروجين الأخضر، يمكن أن يحل هذا الاخير محل الغاز الطبيعي الذي سيتم تركه للأجيال القادمة. كما اعتمدت الجزائر تأهيل وتوسيع السد الأخضر الذي أنجز في السبعينيات من القرن الماضي برفع مساحة هذا الغطاء النباتي إلى 7.4 مليون هكتار لمواجهة ظاهرة التصحر فضلا عن برنامج تحويل 150 ألف سيارة لغاز البترول المميع. كما أنشأت الجزائر منذ أول وهلة هيئة تدعى " الوكالة الوطنية لتغير المناخ " تتولى دورها كمجمع وطني للبيانات التي ستستخدم لحساب انبعاثات الغازات الدفيئة أو ستضم النظام الوطني لحصر تغير المناخ GES. تحديات قمم المناخ بين الوعود والتجسيد يرى الخبير الاستشاري في البيئة، أن المشاركين في قمة المناخ المنعقدة بمصر، تواجههم عدة تحديات، ومطالبين بالعمل بسرعة، إذا أرادوا حقا تحقيق هدف 1.5 درجة، وبناء قدرة عالمية على الصمود، وتعزيز قدرات كل الدول على تكاثف الجهود لتحقيق هذا الهدف. وأشار إلى أن العالم اجتمع في عام 2015، وأظهر الإرادة لتقديم الحلول الوسط اللازمة التي أدت إلى الاعتماد الناجح لاتفاق باريس، وفي COP 26، تم وضع ميثاق غلاسكو لمراجعة الطموح في المساهمات المحددة وطنيا وإنشاء برنامج عمل للطموح بشأن التخفيف، وكان يعتقد الكثيرون يومها أن هذه القمة التي تعقدها الأممالمتحدة هي الفرصة الأخيرة، حيث حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش آنذاك من أن أزمة المناخ "تمثل إنذارا أحمر للبشرية". وأضاف أن تصرفهم أو تقاعسهم سيظهر "جديتهم" في مواجهة حالة الطوارئ الكوكبية هذه. وأوضح المتحدث أن الهدف من قمة جلاسكو، لم يكن توقيع معاهدة جديدة بل تجديد وتكثيف الجهود ضد ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال "المساهمات المحددة وطنيا وهي خارطة طريق لخفض الانبعاثات المنصوص عليها في اتفاقية عام 2015". وأبرز بقاء هذه التحديات قائمة، وهي مرتبطة بشكل خاص بوضع الصيغة النهائية لدليل التطبيق لاتفاق باريس، الذي بقي مثلما قال" بدون آليات لتطبيقه أو حتى بالوعد الذي لم يتم الوفاء به بمبلغ 100 مليار دولار سنويا والذي تعهدت بلدان الشمال بتعبئته كل عام، بدءا من عام 2020، لبلدان الجنوب"، خاصة وأن العلماء والباحثين حذروا سابقا من أن الاعتماد فقط على التزامات المناخ الحالية لاتفاق باريس، قد يرفع درجات الحرارة إلى 3.2 درجة مئوية خلال هذا القرن. وقد ارتفعت درجات الحرارة العالمية بالفعل بمقدار 1.1 درجة مئوية. وتأسف الخبير، لهيمنة في كل مرة ما أسماه "المعادلة الخفية" على مر السنين منذ أول مؤتمر للمناخ وتزايد معضلة انبعاثات الغازات الدفيئة، لأن المسؤولية حسبه مشتركة لكن متباينة فالدول الصناعية الغنية التي هي المتسببة في هذه المشكلة ولا تريد فعل ما يتعين عليها كما التزمت به. والإشكال الأخطر حسبه، اعتبار اتفاقية المناخ، اتفاقية اقتصادية، واستغلالها للتدخل في شؤون الغير وفرض سياسية معينة، فالدول الكبرى لا تريد تقليل التناول الاستهلاكي لشعوبها مثلما قال "بل تنتج نفايات كبيرة وتطالب الدول الأخرى بالتخفيف، في حين تقع المسؤولية على الدول الكبرى التي لم تف بالتزاماتها بدفع 100 مليار دولار سنويا للدول النامية، وتكتفي بمطالبة الدول النامية بالتخفيف ولا يريدون مساعدتها". المطالب والأهداف بعد ثلاثين عاما وستة وعشرين مؤتمرا من مؤتمرات الأطراف، والتقدم العلمي، يقول الخبير بلوم علقمة، أصبح الآن بالإمكان دراسة الإمكانيات المتاحة للحد من تفاقم أزمة المناخ وما يجب القيام به لمعالجتها بشكل فعال والحد السريع من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، واتخاذ الخطوات اللازمة لمساعدة الدول النامية ودعمها للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، لاسيما أزمة الأمن الغذائي المستمرة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والتصحر وندرة المياه، وخاصة في البلدان العربية إفريقيا التي تعاني أكثر من غيرها من آثار التغيرات المناخية. وشدد المتحدث على ضرورة وضع قمة شرم الشيخ حلول واتفاقيات فعلية وقابلة للتجسيد في أقرب الآجال الممكنة في قمة COP 27، في ظل التقلبات وأزمة الغاز العالمية وبروز تعدد الأقطاب على المستوى العالمي. وأشار إلى مجموعة من المطالب، توقع رفعها من قبل المشاركين، من بينها توضيح سبل تنفيذ آليات التمويل من أجل عمل مناخي ناجع، والعمل على الخروج بنتائج فعالة وملزمة وعادلة تضع اتفاق باريس حيز التنفيذ الفعلي وتراعي كافة مصالح الدول الأكثر تضررا من تغير المناخ كالدول النامية والإفريقية، وكذا إنشاء إطار مناسب يعتمد على آليات تسمح لجميع الدول الأطراف في اتفاق باريس بالاستفادة من الفرص المتاحة من قبل سوق الكربون وكذا التمويلات الأخرى ذات الصلة، وتقديم الدعم للدول النامية لتطوير القدرات البشرية للقطاعات المعنية. كما لابد حسبه من العمل على تجسيد اقتراح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بإنشاء " صندوق المناخ الخاص" كونه آلية جد هامة وإستراتيجية قد تساهم في رفع العراقيل في التمويلات الأخرى وصعوبة الولوج إليها، والعمل أيضا على تقديم الدعم لتجسيد (مبادرة الشرق الأوسط الأخضر) وأي مبادرة مماثلة قادرة على كبح ظاهرة الاحتباس الحراري، مكافحة التصحر والجفاف وحرائق الغابات التي تتعرض لها المنطقة العربية ".