الاعتماد على التمويل الداخلي لضبط الإيرادات يستمر ثبات الجزائر، على مبدإ عدم الاستدانة الخارجية، وتفادي الوقوع في "فخ المديونية" مرة أخرى أو ما أسماه رئيس الجمهورية "الانتحار السياسي"، من أجل تعزيز سيادة البلاد، والحفاظ على استقلالية قراراتها ومواقفها. تجدّد رفض اللجوء إلى خيار المديونية الخارجية، على لسان أكثر من مسؤول حكومي، آخرهم وزير المالية إبراهيم جمال كسالي، الذي أكد عقب المصادقة على مشروع قانون المالية 2023 بالمجلس الشعبي الوطني، أن "الجزائر ترفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية مهما كانت الظروف، وسيتم الاعتماد على التمويل الداخلي". ويحمل مشروع قانون المالية 2023، مؤشرات اقتصادية ومالية ايجابية، يضع الجزائر في أريحية تغنيها عن التوجه إلى الصناديق أو البنوك الدولية لطلب الاقتراض، من أجل ضمان تمويل الإنفاق الحكومي، مثلما حدث سنوات التسعينات، وأدخل البلاد في ضيق حاد، جعلها تدفع لسنوات ملايير الدولارات كخدمات دين، وتسبب ذلك القرار في غلق العديد من المصانع العمومية وبيعها فيما بعد بالدينار الرمزي وتسريح آلاف العمال. وتشير المعطيات التي قدمها وزير المالية إلى ارتفاع قيمة احتياطي الصرف إلى 59.7 مليار دولار بنهاية 2023، أي بنسبة تفوق 9 بالمائة مقارنة بتوقعات إغلاق سنة 2022، ويعود الفضل في ذلك إلى الفائض المتوقع الذي سيشهده الميزان التجاري + 9.4 مليار دولار أمريكي نتيجة ارتفاع مستوى الصادرات (46.3 مليار دولار أمريكي) مقارنة بمستوى الواردات المتوقع (36.9 مليار دولار أمريكي). كما أن الاقتصاد الجزائري، عرف نموا متصاعدا، إذ من المتوقع أن يبلغ نسبة بين 4.1 و5.6 بالمائة في عام 2023 مقابل 3.7 بالمائة متوقعة بنهاية 2022، ويرجع هذا الارتفاع إلى تحسن أداء جميع القطاعات، إذ يتوقع أن يسجل القطاع الزراعي نسبة نمو 6.9 بالمائة، أما قطاعي الصناعة والبناء والأشغال العمومية، فمن المتوقع أن يبلغ نموهما نسبتي 78.5 و5.6 على التوالي، مستفيدين من زيادة نفقات التجهيز والامتيازات الممنوحة للمستثمرين في قانون الاستثمار الجديد، بالإضافة الى إعادة فتح المصانع المغلقة، واستعادة المؤسسات نشاطها، ونتيجة لذلك يتوقع أن يستفيد قطاع الخدمات السوقية من ديناميكية القطاعات الأخرى، ومن انتعاش النشاط في عام 2023، ليسجل نموا قدره + 5.9 %. الصكوك الإسلامية.. حل مبتكر لتمويل عجز الميزانية يلجأ عادة إلى الاستدانة الخارجية، في حال عجز عن ضمان تمويل تغطية النفقات العامة، والمشاريع، ولكن في الجزائر يتولى صندوق ضبط الإيرادات تغطية أي عجز متوقع في الميزانية. وردّ وزير المالية على الانشغالات المتعلقة بكيفية تمويل العجز المتوقع سنة 2023، أنه سيتم الاعتماد على التمويل الداخلي من خلال العودة للسوق المالية، واللجوء إلى استغلال موارد صندوق ضبط الإيرادات المتاحة في نهاية سنة 2022 والمتوقع بلوغها قيمة 2300 مليار دينار. وفي هذا الصدد، اعتبر عبد الصمد سعودي أستاذ مالية وتحليل اقتصادي بجامعة المسيلة، في تصريحه ل "الشعب"، "أن الاقتراض من الخارج، لإعداد الميزانية، توقف العمل بهذا الخيار، منذ إنشاء صندوق ضبط الإيرادات سنة 2000، حيث أصبح يمول عجز الميزانية منذ 2006، والتي كانت تتراوح بين 1000 مليار دينار و4 آلاف مليار دينار، وفي سنة 2014 بعد انخفاض أسعار النفط بدأت تتراجع حصيلة صندوق الموارد، ما تسبب سنة 2017 في عدم ضمان تمويل العجز، بسبب عدم وجود فائض من الدولارات، المحصلة من أسعار النفط". وأكد سعودي، أن الجزائر تجاوزت مرحلة صعبة، بين 2017 إلى 2020، بعد ارتفاع أسعار البترول وتسجيل إيرادات مالية في صندوق ضبط الإيرادات. وقال: "إن هذه طريقة تعتمدها الجزائر منذ ذلك الوقت لتمويل العجز"، موضحا أن ميزانية الجزائر السنوية من خلال قانون المالية تكون فيها النفقات أكبر من الإيرادات، وهذه السنة، النفقات ستكون في حدود 16700 مليار دينار جزائري، والإيرادات لا تتجاوز 8 آلاف مليار جزائري، بمعنى يسجل عجز، ولكن الدولة لديها الحلول لتمويله. وأضاف في هذا السياق، أن رئيس الجمهورية كان قد رفض استمرارية التمويل غير التقليدي، أي طبع النقود بدون تغطية الذي لجأت إليه الجزائر منذ 2017، بعد تعديل نص المادة 45 من قانون النقد والقرض، ما دام أن الدولة لديها دائما حلول لتجاوز العجز، ووجود أريحية مالية بسبب الفوائض الجيدة من خلال صندوق ضبط الإيرادات في حال حدوث هذا العجز، وفي حالة اقتضى الأمر غير ذلك يمكن اللجوء إلى الدين الداخلي. ووصف هذا الخيار ب«الاقتراض المحبوب"، لأن الاستدانة تكون من عند المؤسسات والعائلات الموجودة داخل الجزائر، وبالتالي هو عادة جيدة للاقتصاد لأنه يمتص الكتلة المالية الزائدة ويقلل من نسبة التضخم، ويعتبر مصدرا من مصادر التمويل. وبالرغم من أنه معتمد في كل دول العالم، إلا أنه لم يلق نجاحا في الجزائر، على حد قول أستاذ الاقتصاد، بسبب استعمال صيغ ربوية وهو ما رفضه الشعب الجزائري، مشيرا إلى وجود آلية أخرى من خلال الصيرفة الإسلامية، تسمى "الصكوك الإسلامية" تعتبر حسبه حلا جيدا لتمويل العجز الموازني. وبخصوص ضمان تمويل المشاريع الاستثمارية، ذكر الأستاذ سعودي أن برنامج الإنعاش الاقتصادي، يعتمد على الشراكة بين القطاع الخاص والعام، وهذا سيرفع حسبه الحرج عن الحكومة لتمويل كل المشاريع، بمعنى أنها لن تبقى تمول من طرف الخزينة العمومية، وسيتم إدخال القطاع الخاص في تمويل المشاريع المهمة، بهدف توفير أموال من خارج الخزينة لتمويل المشاريع، وستسمح هذه العملية للقطاع الخاص بالمشاركة في العملية الاقتصادية وتحقيق أرباح، وتستفيد الدولة، أنها لا تتدخل بأموالها وتحقق مرافق عمومية بالنسبة للمواطنين. وهذه التجربة نجحت في الكثير من الدول مثل تركيا التي تم بناء مطار تركيا الدولي بأموال خاصة.