الحياة برس - في ذلَك الزمان الجميل، كُنا أيامها صغارًا كّبراِعم الُورود حينما تتفتح في فصل الربيع، ولكننا كُنا أيضاً جَذّوُةْ، وشُعلةَ، وأبطال انتفاضة الحجارة الأولى، والتي اندلعت شرارتها عام 1987م، من قطاع غزة، بعدما أقدم غاصب مستوطن مُجرم بِّمَقُطورتهِ (شَاحنتهِ)، على دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين في أثناء عملهُم في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، عام النكبة 1948م، مما أدى إلى استشهاد مجموعة من العمال، فاشتعلت الأرض المحتلة ناراً، ولهيباً ضد عصابة الاحتلال ؛ وانتّفضْ الجميع من أبناء الشعب الفلسطيني، أطفالاً، وشيبًا، وشُبانًا، رجالاً، ونساءً، وكان الجميل في ذلك الوقت هو التلاحم، والوحدة الوطنية، والإسلامية، وكان الجميع على قلب رجل واحد ضد الاحتلال، وكانت انتفاضة عفوية نّزيهة، لم نجاهد، وقتها الاحتلال طمعاً في منصب أو وظيفة أو راتب، أو لأي شيء من الدنيا، ولم يكن لنا هدف إلا كّنس الاحتلال الغاصب لفلسطين، وبوصلتنا وقتها القدس وأسمى أمانينا ليس إرضاء الفصيل أو حزب أو جماعة!!؛ بل هي إحدى الحُسّنَيَيْن إما النصر أو الشهادة؛ فجعلت تلك الانتفاضة أنفْ جنود عصابة الاحتلال يتمرغ في تراب أزقة وشوارع مخيمات فلسطين، ويُهرب كالفئران من أمام أبطال الحجارة مُرتعباً من الحجر، وهو يملك أفضل، وأشرس أنواع الأسلحة والمعدات الحربية، لكننا، وقتها كان الله معنا، ومن كان اللهُ معهُ فمن عليه؟!!. وأما التجربة المريرة بعد ذلك في الانتفاضة فكانت الاعتقال في سجون الاحتلال، وفعلاً كانت تلك السجون مقبرةُ الأحياء، وكان الداخل إليها مفقُود، والخارجُ منها موُلود؛ ومن شدة ما تجرعنا كؤوس الموت، والعذاب ممن هُم عديمي الضمير، والانسانية، والأخلاق، بل هُمْ أسوء من "هتلر" نفسهُ، وأشد قسوة، وظلماً، وقتلاً، لأن النازي "هتلر" أيام النازية كما يقولون أحّرقُ وقتل فوراً اليهود الذي عاثوا في ألمانيا فسادًا أنذاك!؛ بينما عصابة اليهود الغاصبين الآن يفعلون في الأسري المعتقلين الفلسطينيين أبشع وأسوأ مما فعلهُ هتلر لأنهُ قتلهمُ مرةً واحدة في ساعات معدودة أنهي حياتهمُ، بينما عصابة الاحتلال الصهيوني الآن يقتلون الأسرى موتًا تدريجياً بالبطيء، عذاباً يتلوه عذاب، بأساليب تفوق التصور، والخيال، حتى أن إبليس نفسهُ ليس أكثر منهُم شيطنة وإجرامًا!؛ ودليل ذلك، وأنا أمضيت عدة سنوات من عُمري في سجون الاحتلال، وكأسير محرر كانت لي تجربة مريرة في الاعتقال في معتقل أنصار "1" سابقاً"، ثم أمضينا سنوات السجن في معتقل النقب الصحراوي أنصار "2"، ويسميهِ الاحتلال مُعتقل "كيتسعوت"، فكانت أفضل كلمة تسمعها في المعتقل بالعبري هي: (شحرور) أي: إفراج أو "رواح"، بينما أسوأ كلمة يسمعها الاسير الفلسطيني البطل بالعبري: (حّكِْيّرَاهِ) أي: "تحقيق"، فتمكت مدة لا يعمل مداها إلا الله بين الشبحِ معصوب العينين أو يضعُون في رأسك كيس نتن الرائحة، والأيدي خلف الظهر مربوطة بسلك بلاستيكي رهيب، كلما حركت يدك من الألم كلما زاد هذا السلك قسوة، وشدًا ويضيق حول معصم يّديَك، حتي تنتفخ يديك، ولا تشعر بها من شدة الألم، وكذلك بعد الشبح، وقوفاً لأكثر من 8 ساعات يومياً توضع في زنزانة سوداء مدهونة بالزفّتَة، لا تزيد مساحتها عن متر ونصف عرضاً في مترين طولاً، فهي قّبراً للأحياء، ناهيك عن العذاب النفسي والجسدي، وحينما يكون أحد عصابة ضباط الاحتلال يمثلون أدوار: أحدهُم دور الصديق الحنون للأسير، والأخر دور القاسي العنيف، وبين الترغيب، والترهيب، من أجل أن يحصلون على الاعتراف من الأسير بأنه كان يقاوم الاحتلال إلخ...، وبعض الأسرى أمضى سنوات في تلك الزنازين، وهي كالمقابر، ومنها تحت الأرض فلا يرى الأسير شمساً، ولا أي ضياء، ويتعرض لأبشع أنواع العذاب، ويمضي سنوات من عمره في تلك الزنازين والباستيلات الفاشية الصهيونية تنهش جسده المنُهك الأمراض، من خلال ادخال الاحتلال للأسير طعام غير صحي بل لا يصلح للبشر، مثل: (الّزّورْبيِحَةْ)، مما يصيب غالبية الأسرى الامراض المزمنة، والخطيرة، كالسرطان!، لذلك هذا الاحتلال أبشع وأحقر، وأظلم عصابة احتلال في العالم، ليس لظُلمهم ولا لمجازرهم مثيل في البشرية جمعاء!؛ ولا غرابة في ذلك مع أبناء، وأحفاد القردة، والخنازير، قتلة الأنبياء والمًرسلين، وأعداء الإنسانية!؛ وعلى الرغم من كل ما سبق فلقد حّوُلْ الأسرى الأبطال سجون الاحتلال إلى جامعات تُخرج الثوار الأبطال الأحرار، عكس ما أراد الاحتلال بأن يصبح الأسير الفلسطيني كمًا مًهملاً في زوايا الّخِيَامْ؛ فكان عكس ذلك، لأن فلسطين مصنع الرجال الأبطال والأحرار، والمجاهدين الثوار، ومهما عانى آلاف الأسرى، ولا زال يعاني ما يقارب 7آلاف أسير في سجون عصابة الاحتلال من القهر والاذلال، والاجرام الصهيوني بحقهِم!!؛ إلا أن فجر الحرية والتمكين، ودحر الاحتلال، والانتصار بات قريباً؛ ولسان حال الأسرى يقول: "يا ظلام السجن خيّم، إننا نهوى الّظَلاِمَا، ليس بعد الليل إلا فجرَ مجدٍ يتسامى" والاحتلال إلى زوال وتحت النعال وفجر الحرية قادم أسرانا المغاوير الأشاوس.