إعادة هيبة الجزائر خارجيا أكبر نجاح.. ولمّ شمل الفلسطينيين وسام شرف تحل الذكرى الثالثة لانتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد، والجزائر تواصل قطف ثمار برنامج وطني محدد الأهداف، واضح الرؤى، أعاد الاستقرار المؤسساتي والمجتمعي داخليا، وهيبة البلاد خارجيا، وتجاوز أزمة سياسية وأخرى صحية واقتصادية، بقرارات حكيمة عززت مسار بناء الجزائر الجديدة. شكلت إعادة بناء مؤسسات الدّولة، "مدخلا وشرطا أساسيا للاستقرار الاجتماعي والأمن المجتمعي، والسياسي والأمني والعسكري للدولة" حسب الباحث والمحلل السياسي الدكتور علي محمد ربيج في تصريحه ل«الشعب". ربيج: بناء المؤسسات.. في ظرف وجيز، حقق الرئيس تبون الاستقرار، بفضل حكمته، وحرصه على إعادة البناء المؤسساتي، بعد أن رسّخ فضيلة الحوار والمشاورات، من أجل تجاوز كل الخلافات، خدمة للمصلحة العليا للوطن. ولقد راهن الجميع في المشاورات السياسية، على ضرورة المسارعة في بناء مؤسسات قويّة، من خلال انتخابات شفافة كانت مثلما ذكر ربيج "الحل الوحيد الذي سيجنب الجزائر، الانزلاق نحو المجهول، وتفادي حالة الفراغ الدستوري والمؤسساتي، وغلق المجال أمام بعض الذين حاولوا النيل من الجزائر، وأشار الدكتور ربيج، إلى أن الرهان منذ انتخاب رئيس الجمهورية كان على مؤسسات الدولة خاصة المنتخبة منها، لبناء ركيزة وقاعدة جديدة تنهي ممارسات العقدين الماضيين التي أساءت للمواطن في حد ذاته، وضربت عنصر ثقته في مؤسسات الدولة لاسيما المنتخبة. وأوضح ربيج، أن هذه الانتخابات أعطت فرصة للمواطن، لقول كلمته في ظل ابتعاد الإدارة عن تنظيمها، من خلال دسترة السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات، وكذلك شعور المواطن بأنه لأول مرة يختار بكل حرية، من خلال نظام الانتخابات الجديد المبني على القائمة الاسمية التي تسمح له باختيار من يشاء مهما كان ترتيبه العددي في القائمة. كل هذه العناصر - يقول الدكتور ربيج - "سمحت لنا اليوم أن نبني مؤسسات منتخبة اختارها الشعب، بداية من برلمان منتخب يضم كفاءات وشباب يناقشون ويعدلون حزمة من مشاريع القوانين التي تدفع نحو بعث التنمية والاقتصاد، وإجراء الإصلاحات، ومعالجة الاختلالات على رأسها قانون الاستثمار". أما المجالس المحلية، فيرى ربيج أن مراجعة قانون الولاية والبلدية الجاري إعداد نصوصه من طرف لجنة خاصة، سيمنح صلاحيات وإمكانات للإقلاع الاقتصادي، وإنتاج الثروة وتعزيز قدرات المواطن على المستوى المحلي، وبلوغ هذه النتيجة جاءت بفضل اختيار مقاربة الانتخابات وبناء المؤسسات بعيدا عن المراحل الانتقالية. مقراني: الأفكار البناءة وضعت أسسا متينة الباحث في الشؤون السياسية والقانونية محمد مقراني، من جهته، اعتبر أن ما يشهده العالم اليوم من تجاذبات وأزمات، يجعلنا "نرفع القبعة" لمؤسسات الدولة التي التزم القائمون عليها - مثلما قال - ب«أعلى درجات اليقظة، خاصة المؤسسة العسكرية التي حافظت على الطابع الدستوري لتسيير المرحلة". وأوضح مقراني أن أكبر تحدّ واجهه الرئيس تبون، هو "حماية الأمن الغذائي للمواطن، وهو ما نجح فيه نجاحا غير مسبوق، علما أن دولا كبرى عرفت أزمات غذائية كبرى، غير أن الرئيس تعامل بحكمة بالغة مع الواقع، وفتح الباب أمام كل من يمتلك أفكار بناءة تفيد الوطن والمواطن، لاستعمالها في تشييد أسس متينة للاقتصاد، إيمانا منه بأن الجزائر تبنى بسواعد أبنائها داخل الوطن وخارجه". بالموازاة مع ذلك، واصل الرئيس معركة البناء المؤسساتي، عبر دستور جديد وانتخابات تشريعية ومحلية، بالإضافة إلى تحيين القوانين عبر كافة الوزارات حتى تتماشى مع برنامجه الانتخابي، ويحقّق مشروعه الذي التزم به أمام الشعب، كما استحدث منحة للبطالة في عز أزمة الجائحة، وهو ماض في تطبيق سياسته الرشيدة، ما ستتجلى نتائجه في الواقع المعيش مع مطلع عام 2023". بوداعة: الإصلاحات عمقت المسار الديمقراطي في ظرف ثلاث سنوات من الحكم، جسد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عدة أهداف مسطرة ضمن برنامجه الانتخابي، وهذا يظهر - حسب أستاذ القانون العام بجامعة معسكر - الحاج مختار بوداعة، في كون برنامج الرئيس تبون "لم يكن مجرّد وعود انتخابية، بل هو برنامج وطني حقيقي محدد الأهداف والإجراءات والخطوات". وقال محدّثنا إنّ "انتخاب رئيس الجمهورية تم بناء على أساس برنامج انتخابي ومجموعة من الالتزامات، جعل حجر الزاوية فيها، الذهاب نحو تحقيق إصلاحات جذرية، من شأنها تغيير نمط الحكم، بناء جزائر جديدة عادلة، بمؤسسات دستورية قوية". ومن أجل تحقيق هذه الغاية - يضيف بوداعة - وضع رئيس الجمهورية في صلب إصلاحاته السياسية والدستورية المبادرة بتعديل دستوري واسع وعميق، بهدف تكريس الحقوق والحريات، وثانيا بهدف إعادة بناء المؤسسات الدستورية من خلال تعزيز دور السلطة التشريعية في مسألة الرقابة على الحكومة، وأيضا إعطاء صلاحيات أكبر للسلطة القضائية، باعتبارها سلطة منوطة بها مسألة تعزيز الحقوق والحريات، وإرجاع الحقوق، وبناء الدولة الحق والقانون. واعتبر بوداعة هذا "مكسبا للديمقراطية" بالجزائر، بالإضافة إلى التقرير والتأسيس لمبدأ التداول على السلطة، من خلال تحديد عهدات رئيس الجمهورية بعهدتين غير قابلتين للتجديد، وصنفت المادة ضمن المواد الجامدة، التي لا يجوز تعديلها، ضمانة لتعميق المسار الديمقراطي، وتعميق التعددية وتعزيز مبدأ التداول على السلطة، كمبدأ دستوري لا رجعة فيه وغير قابل للتغيير. ويرى بوداعة في مسار البناء المؤسساتي، "أرضية صلبة" لبلوغ الاستقرار السياسي؛ لذلك تم تجسد مرحلة هامة من الإصلاحات الجذرية بعد التصديق على دستور 2020، من خلال مراجعة قانون الانتخابات، وكانت هذه بالنسبة لأستاذ القانون "مرحلة فارقة"؛ لأن القانون العضوي للانتخابات أحدث تغييرا جذريا في المؤسسات الدستورية، من خلال وضع قواعد ومعايير انتخابية جديدة تضمن وصول كفاءات شبانية إلى المجالس المنتخبة على المستوى الوطني والمحلي، وأيضا من خلال إبعاد المال الفاسد عن العملية الانتخابية والسياسية، من خلال تعزيز دور السلطة المستقلة للانتخابات، في الرقابة والإشراف على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، ومن خلال وجوب تغيير النمط الانتخابي من القائمة المغلقة إلى المفتوحة، وكل هذه الإجراءات ساهمت في إضفاء الشفافية على العملية الانتخابية، ومنحتها والمصداقية التي تنبغي لها". وقال بوداعة: "رأينا كيف جرت انتخابات المجلس الشعبي الوطني في جو من الشفافية والحرية والنزاهة، وكيف أفرزت إطارات وكفاءات نزيهة وصلت إلى قبة البرلمان، ونفس الشيء بالنسبة للمجالس المحلية الولائية والبلدية، وبالتالي حدث تغيير جذريّ في تركيبة هذه المؤسسات الدستورية بما يتماشى مع أهداف المرحلة الحالية، وما تم تسطيره للمرحلة المقبلة". أما الشق الثاني من الإصلاحات الدستورية التي تجسدت في الميدان وفق آجالها، فتتمثل في التأسيس لمؤسسات الرقابة، وهذا يعتبر في نظر أستاذ القانون "تحولا كبيرا" في الدستور الجزائري، ونقطة أساسية أتى بها المؤسس الدستوري، عن طريق التأسيس للمحكمة الدستورية وهو كذلك مكسب قانوني وديمقراطي ومؤسساتي مهمّ في الجزائر؛ لأن المحكمة الدستورية - حسب المتحدث - تؤدي دورا مهما جدا في مسألة الحفاظ على المؤسسات، فهي التي تفصل في المنازعات، وتقوم وتنشئ ما بين مختلف المؤسسات الدستورية، كما أنها تجسد أيضا مبدأ سمو القواعد الدستورية من خلال الرقابة على دستورية القوانين، وتتصدى للرقابة على دستورية المعاهدات الدولية، والرقابة على دستورية الأوامر والتنظيمات. وتمكن المحكمة الدستورية المواطن كذلك من الدفع بعدم الدستورية، بمعنى يجوز لمتقاض في حالة وجود نزاع أمام الجهات القضائية، أن يدفع بأن القانون أو النص التشريعي أو التنظيمي الذي يطبق عليه غير دستوري، ومخالف لحريات وحقوق يكفلها الدستور، وبالتالي يدفع بعدم دستورية ذلك النص، وتتدخل المحكمة الدستورية بعد إحالة على المحكمة العليا ومجلس الدولة في هذه المسألة، والدفع بعدم الدستورية هو تكريس لدولة القانون وحماية الحقوق والحريات وأيضا الدور الذي تقوم به المحكمة الدستورية في هذه المسألة أنها تعتبر قاضي الانتخابات فيما يخص الانتخابات الرئاسية والتشريعية. إلى جانب ذلك، تم تعزيز دور مجلس المحاسبة في الرقابة على صرف المال العام، وحمايته، ومنع كافة أشكال النهب أو تبديد المال العام؛ لذلك تم تعزيز دور هذا المجلس، وخير دليل على ذلك نشر مجلس المحاسبة أمام الرأي العام قراراته سنويا، وهذا يعد حسب بوداعة "مكسبا مهما في مسألة تكريس شفافية التسيير وإدارة المال العام على مستوى مؤسسات الدولة المختلفة، تكريس مكافحة فعالة وجادّة للفساد الذي نخر الجزائر في السنوات الماضية من خلال إنشاء السلطة الوطنية للشفافية ومكافحة الفساد، وتكريس محاربة الفساد في إطار قوانين الجمهورية". وأوضح بوداعة، أن المبادرة بهذه الإصلاحات والإصرار على تنفيذها، كان يهدف إلى تحقيق مسعى الوصول إلى جمهورية عادلة من خلال مكافحة الفساد، وكافة أشكال نهب المال العام والاستيلاء عليه، وتبديده، وكل الجرائم المرتبطة بالفساد، كالمحاباة، والثراء الفاحش غير المشروع. وقال: "لا ننسى أن رئيس الجمهورية بادر بحماية المسؤولين النزهاء، وضرورة فصل الجرائم على أخطاء التسيير التي قد تقع في حالة سوء التقدير، وبالتالي أكد في تعليمة واضحة للحكومة منع استعمال الرسائل المجهولة كآلية لتحريك أي متابعة قضائية أو تحريك الدعوى العمومية، وهذا هو المقصد من ضرورة الوصول إلى جمهورية عادلة بمختلف مؤسساتها الدستورية". والى جانب مؤسسات الرقابة، توجد المؤسسات الدستورية التي جاء بها التعديل الدستوري، مثل المرصد الوطني للمجتمع المدني، كمؤسسة استشارية لها دور مهم، خاصة في ظل أن المجتمع المدني اليوم أصبح شريكا لمؤسسات الدولة في مسألة رسم السياسيات العمومية، وتحقيق الديمقراطية التشاركية، ومسألة رسم وتوجيه السياسات الوطنية والمحلية، ونقل انشغالات المواطنين، إلى جانب المجلس الأعلى للشباب الذي تم تنصيبه. إعادة هيبة الجزائر خارجيا.. أكبر نجاح يعترف محللون سياسيون، أن الإصلاحات الجذرية التي قام بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ توليه الحكم في 2019، سمحت بتحقيق الاستقرار المؤسساتي، وانعكس هذا الأمر على صورة ومكانة الجزائر داخليا وخارجيا. فحسب أستاذ العلوم السياسية علي ربيج، أصبحت الجزائر تستطيع التحرك على المستوى الجهوي والإقليمي، وهي تعرف بأنها تستند على مجتمع ومؤسسات مستقرة وقوية يمكن الاعتماد عليها لتجاوز كل الرهانات والتحديات، ولهذا أصبحت الجزائر اليوم دولة يجب الانتباه إليها ويسمع لها في المنابر الدولية، مشيرا إلى نجاحها مؤخرا في جمع شمل القادة العرب في القمة العربية، وقبلها، حققت المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وغيرها من المشاركات القوية في المحافل الدولية. أما الباحث والمختص في الشؤون السياسية والقانونية مقراني، فاعتبر إعادة هيبة الجزائر خارجيا في عديد المحطات "أكبر نجاح حققه الرئيس تبون"، وأشار إلى أن نجاح قمة لمّ شمل الإخوة الفلسطينيين التي قادها رئيس الجمهورية شخصيا، ستبقى "وسام شرف له ولكل الجزائريين"، مؤكدا أن عقد القمة العربية التي عرفت نجاحا باهرا، أعاد بريق الدبلوماسية الجزائرية الى الساحة الدولية كأهم حلقة على المستوى العربي والإفريقي والمتوسطي، وأثبت مقولة "لا سياسة عربية من دون الجزائر، ولا سياسة إفريقية من دون الجزائر ولا سياسة متوسطية من دون الجزائر ". وأضاف مقراني أن الجزائر اليوم تضع الجميع على نفس المسافة، وفق قاعدة انتهجها الرئيس تبون بأننا لا عداء لنا مع أحد، وما يجمعنا مع الآخرين هو مصلحتنا على أساس قاعدة "رابح- رابح"، هذه المفاهيم التي لم تعتد عليها الكثير من الدول، جعلها الرئيس شرطا رئيسيا في برنامجه مثلما وعد، وهو ماض في تطبيقه بمنهجية رصينة، ورؤية حكيمة، وإجراءات متماسكة.