قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الشهيد الشيخ العربي التبسي، الدكتور عثمان عثمانية في حوار مع «الشعب»، إن العملات الرقمية المشفرة تتفوق في خصائصها على النقود التقليدية، مشيرا إلى مسألة الإصدار وتقلب القيمة حيث يمكن التغلب عليها وحلها من خلال العملات الرقمية للبنوك المركزية، واعتبر أن الدينار الرقمي الجزائري هو عملة رقمية مكافئة للدينار الجزائري للتعامل به في المدفوعات، وهو قابل للتتبع وآمن تماما، ويرفع من إمكانية التحديد الدقيق للدخل الخاضع للضريبة، ثم فيما بعد تعزيز التحصيل الضريبي. الشعب: هل هناك منافع لهذا النوع من العملات مقارنة بالنقود التي تعودنا عليها؟ د.عثمان عثمانية: بالتأكيد نعم، كنا في فترة ماضية قد نشرنا مقالا في مجلة أكاديمية حمل عنوان «العملات المشفرة: البيتكوين والعملات التقليدية» ، وقد ضمناه مقارنة بين وظائف وخصائص النوعين من العملات، وقد وجدنا أنّ هذا النوع الجديد يتفوق في أغلب الخصائص، وتبقى مسألة جهة الإصدار وتقلب القيمة، يمكن حلها من خلال العملات الرقمية للبنوك المركزية، فجهة الإصدار معروفة وهي البنك المركزي، وقيمة العملة الرقمية المصدرة مستقرة عبر الزمن، وهذا ما يسمح لها بأداء نفس وظائف النقود المتعارف عليها: وسيط للمبادلة، وحدة حساب، مستودع للقيمة وأداة لإبراء المدفوعات الآجلة. يضاف إلى ذلك أنّ هذا النوع من العملات أفضل من النقود الورقية والمعدنية في مسائل تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها، حيث تكون قابلة للتتبع. ما هي الخصائص التي يمكن أن ينطوي عليها «الدينار الجزائري الرقمي»؟ العملة التي نتحدث عنها، الدينار الرقمي الجزائري، بداية هي عملة رقمية مكافئة للدينار الجزائري، أي أنها تمثيل رقمي للعملة الوطنية، وبالتالي فهما متكافئان من حيث القيمة، ويمكن استخدام كليهما لإبراء المدفوعات المختلفة، إذ أنّ بنك الجزائر وهو الجهة المصدرة لهما، يضمن القيمة المكافئة للعملة الرقمية الجديدة. وستستفيد هذه العملة من تكنولوجيا التشفير وربما تكنولوجيا البلوكتشين أيضا، بما يجعل المعاملات من خلالها آمنة تماما. كما لن يتطلب الأمر بطاقات ممغنطة أو شيئا من هذا القبيل، بل يكفي تثبيت محفظة رقمية على الهاتف الذكي، ويمكن من خلالها تبادل والقيام بعمليات الدفع المختلفة، خاصة وأن الهواتف الموجودة اليوم تدعم إمكانية مسح الرموز المشفرة QR وأيضا تقنية NFC. إذن، الخصائص الأهم التي نراها في عملة رقمية في الجزائر هي: آمنة، سريعة وشفافة. كيف سيساهم «الدينار الرقمي» في تسهيل المدفوعات؟ لا يخفى علينا أنّ العملات الإلكترونية ظهرت بداية لتسهيل المعاملات المختلفة، فبدل أن يحمل الشخص معه أموالا في جيبه أو محفظته ويتحمل الكثير من المخاطر جراء ذلك، من احتمال ضياع الأموال أو سرقتها، يكفي أن يحمل بطاقة خفيفة الوزن، يمكنه من خلالها إجراء المعاملات المختلفة. نفس الفكرة تنطبق هنا على «الدينار الرقمي»، من خلال امتلاك محفظة إلكترونية تحتوي على قدر معين من وحدات «الدينار الرقمي»، تمكن الشخص من القيام بالدفع وإبراء معاملاته المختلفة. والمميز هنا أنّ الشخص حامل العملة الرقمية قد لا يكون مضطرا لأن يمتلك حسابا بنكيا مثلما هو عليه الحال في النقود الإلكترونية، كما أنّه ليس مضطرا أيضا لامتلاك الانترنت في هاتفه أو حاسوبه اللوحي، فيمكن إبراء المعاملات من دون أنترنت أيضا. كما يمكن وبسهولة تامة إبراء المعاملات الإلكترونية، وهذا من شأنه أن يدفع التجارة الإلكترونية كقطاع نام في الجزائر، وأيضا يحقق وبشكل استثنائي سعي السلطات لتعزيز المدفوعات الرقمية، والذي كان إلى حد الآن دون جدوى تذكر. هل يمكن أن يعزز «الدينار الرقمي» الشفافية؟ من المعروف أنّ المعاملات الرقمية عامة تزيد من الشفافية، وفي هذه النقطة بالأساس يؤدي الدينار الرقمي دورا استثنائيا، فسواء اعتمدت العملة الرقمية الجديدة على البلوكتشين أم لا، فالبنك المركزي وأيضا ممثلوه في تحويل الدينار الجزائري إلى دينار رقمي يمتلكون قاعدة بيانات، يكون التحكم فيها مركزيا من قبل بنك الجزائر، هذه القاعدة تضم البيانات المرتبطة بكل تفاصيل المعاملات التي يتم الدفع فيها من خلال «الدينار الرقمي»، وهذا من شأنه أن يعزز شفافية المعاملات أولا، وأن يضبط أرقام أعمال ودخول المتعاملين، ما يرفع من إمكانية التحديد الدقيق للدخل الخاضع للضريبة، ثم فيما بعد تعزيز التحصيل الضريبي. كيف يمكن أن يسهم «الدينار الرقمي» في استقطاب أموال القطاع غير الرسمي؟ حجم الأموال خارج الدوائر الرسمية كبير جدا، والمدفوعات في القطاعات غير الرسمية غالبا ما تكون سائلة. لذلك، مع إبراز منافع هذه العملة الرقمية الجديدة، وإقناع الناس وحثهم على استخدامها على مدى واسع، قد يسهم كل ذلك في استقطاب تلك الأموال. كيف يمكن أن يفيد الدينار الرقمي في تعزيز الشمول المالي؟ حاولت الجزائر في أكثر من مناسبة دفع التعاملات المالية عبر البنوك خاصة، وعملت على إيصال الخدمات المالية والمصرفية إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد، ولكن كان هناك دوما عدم إقبال على المصارف، والتي تعاني حسب رأينا من العديد من المشاكل، أهمها: ضعف التغطية، ضعف الاعتماد على التكنولوجيا، البيروقراطية الجامحة، واعتبار خدماتها محرمة من قبل شريحة من الأفراد، إضافة إلى أنّ قدرا كبيرا من الأموال يأتي من الدوائر غير الرسمية. وقد باءت محاولات كثيرة لتصحيح الوضع بالفشل، مثل فرض الدفع بالشيك، فرض استخدام أجهزة TPE على المتاجر والمحلات المختلفة..الخ، ولم تحقق المرغوب منها. الآن، وفي حالة إصدار الدينار الرقمي، قد يعد ذلك نقلة في تلك المحاولات والإجراءات إلى مستوى آخر. فهذه العملة ستستفيد من عدة عوامل موجودة فعلا في الجزائر اليوم، يمكن أن نذكر أهمها: ضعف امتلاك الحسابات البنكية كما جاء في تقرير الشمول المالي 2021 الصادر عن البنك العالمي أن 44% فقط من البالغين في الجزائر يمتلكون حسابات مصرفية، وفي المقابل في بداية 2022 كان هناك أكثر من 46.5 مليون هاتف خلوي متصل، وعدد مستخدمي الأنترنت تجاوز 27.28 مليون مستخدم، كما وصلت نسبة تغطية الأنترنت إلى أكثر من 60% . ماذا تقترحون لإنجاح مشروع إطلاق «الدينار الرقمي»؟ اقترحنا نموذجا للدينار الرقمي يمكن أن يتبناه بنك الجزائر، يتكون من ثلاث مستويات. يأتي في المستوى الأول بنك الجزائر الذي يصدر الدينار الرقمي، ويفتح حسابات بالدينار الرقمي للبنوك والمؤسسات المالية التي سيرخص لها بتوزيعه، وهي تشكل المستوى الثاني، ويمكن في البداية اختيار بعض المؤسسات فقط مثل البنك الوطني الجزائري، بنك الجزائر الخارجي وبريد الجزائر، تُضاف إليها شركة اتصالات الجزائر التي ستعمل على بعض الجوانب التقنية مثل واجهات الدفع وغيرها. سيعمل المستوى الثاني على تحويل الدينار الجزائري المادي إلى دينار رقمي يمكن أن يحمله الأفراد في محافظ إلكترونية مثبتة على هواتفهم أو حواسيبهم مخصصة لذلك. ويمثل أولئك الأفراد المستوى الثالث، حيث يمكنهم إبراء مدفوعاتهم المختلفة باستخدام العملة الرقمية. ما هي المخاطر المحتملة من استعمال «الدينار الرقمي»؟ طبعا، لا تخلو العملية برمتها من عدة مخاطر. أهمها على الإطلاق مسألة الخصوصية، فعند اعتماد العملة الرقمية رسميا واستخدامها من قبل الأفراد، فإنّ ذلك يترك بياناتهم لدى من يتحكم في قاعدة البيانات المرتبطة بالعملة الرقمية، وهنا ما دام البنك المركزي هو من يتحكم في قاعدة البيانات تلك، فقد يضمن عدم استخدام بيانات الناس من طرف جهة ثالثة. وهناك أيضا مخاطر أمنية تتعلق بالتهديدات السيبرانية.