تنفس الرئيس الأمريكي باراك أوباما الصعداء وهو يوقع على مشروع قانون لمواجهة الهاوية المالية بعد مروره على عملية تصويت شاقة في الكونغرس الأمريكي نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن يستقل طائرته الرئاسية ويتوجه إلى هاواي لقضاء ماتبقى من عطلة نهاية السنة، وهو يدرك أن القانون يترك العديد من الملفات الشائكة بدون حل لشهرين قادمين . بعد مفاوضات عسيرة دامت لأسابيع طويلة وجدال واسع بين الديمقراطيين ومعارضيهم الجمهور بين حول قانون تجنب الهاوية المالية، افتك الرئيس الأمريكي موافقة مجلسي النواب و الشيوخ لزيادة الضرائب على الأمريكيين الأكثر ثراء ومواصلة التخفيضات الضريبية على الطبقات الأخرى وخاصة المتوسطة وبذلك يكون أوباما قد حقق أحد وعوده الإنتخابية بجعل النظام الضريبي أكثر عدالة وانصافا على حد تعبيره، أو كما قال أحد النواب الديمقراطيين أن مثل هذا القانون الذي سيجنب البلاد سياسة تقشفية قاسية، يعد أساسيا للإقتصاد الأمريكي ويحقق أهداف الرئيس أوباما الذي يطلب من 2٪ من الأثرياء رفع حصة الضرائب المفروضة عليهم لحماية 98 ٪ من الأمريكيين المنتمين للطبقة المتوسطة . تقضي الإتفاقية باحداث نوع من التوازن بين زيادة الضرائب على الميسورين الذين يزيد دخلهم عن 400 ألف دولار سنويا وتأجيل تخفيضات في الانفاق لمدة شهرين، وهي مهلة إضافية قد تسمح للجمهوريين والديمقراطيين مواصلة التفاوض من أجل توسيع دائرة الإتفاقية الأولى، لتكون أشمل وتضع حدا لعوامل زعزعة الإقتصاد الأمريكي الذي لم يتمكن من إحداث تلك القفزة النوعية في مجال النمو الإقتصادي . وحتى لا تشمل زيادة الضرائب كل الأمريكيين بدون استثناء على نحو غير مسبوق، فقد وافق الجمهور يين عن مضض رفع الضرائب على الأغنياء، لتمس العقارات بنسبة 40 ٪ بعد أن كانت 35 ٪، ونفس الزيادة عرفتها ضريبة الأرباح الرأسمالية من 15 ٪ إلى 20٪ مثلما ورد في القانون الذي نص أيضا على تمديد المساعدات المقدمة لفئة العاطلين عن العمل فضلا عن تمديد فترة الإعفاء الضريبي لمنتجي الطاقات المتجددة تشجيعا لهذا الفرع من الإنتاج لتوفير المزيد من الطاقات البديلة لعام آخر . القانون المصادق عليه لمواجهة الهاوية المالية يعد خطوة أولى حالت دون وقوع أكبر إقتصاد في العالم في دائرة الركود، وإن كان سيؤجل رفع معظم الضرائب ويخفض النفقات، إلا أن مفاوضات أخرى قد تبدو أكثر عسرا أو مشقة سيخوضها الحزبان في الكونغرس الأمريكي حول سقف الديون العمومية وتقليص عجز الميزانية. تحدي آخر سيواجه الرئيس الأمريكي بعد أقل من شهرين عندما يفتح ملف التفاوض من جديد، بعد أن تكون الخطة الأولى وبموجب بعض بنودها ستمكن الإدارة الأمريكية من جمع مايناهز 600 مليار دولار من خلال الضرائب الجديدة، إلا أنها تبقى غير كافية مثلما أكد على ذلك الصندوق النقد الدولي الذي دعا إلى ضرورة المصادقة على خطة مماثلة تضمن زيادة مداخيل الدولة على المدى المتوسط، كما ألح على حتمية رفع سقف الديون العمومية الأمريكية لمواجهة العجز في الميزانية . إقرار قانون تجنب الهاوية المالية كان له تأثير مباشر على الأسواق المالية والنفطية العالمية، حيث ارتفع مزيج البرنت إلى 112 دولار للبرميل، وهو الأعلى منذ أكثر من شهر، بينما بلغ الخام الأمريكي مستوى 93.42 دولار للبرميل لم يسجل منذ أكتوبر الماضي فيما قفزات أسواق المال العالمية، في بورصة الأسهم في كل من لندن وفرنكفورت وباريس وغيرها من الأسواق التي حققت مكاسبا كبيرة بعد أن كانت على شفى حفرة من ركود اقتصادي وشيك، بعث الآمال حول امكانية تعافي الإقتصاد الأمريكي، على الرغم من تنامي المخاوف من عدم الإتفاق حول سقف الدين الأمريكي البالغ 1600 دولار وانعكاساته المباشرة على النمو والإستثمار في أمريكا .