يعد السّلوك الشّرائي موضوعا معقّدا يكتسي أهمية بالغة لتعلقه وارتباطه بكثير من العلوم كالفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، وصولاً إلى العلوم الاقتصادية وبالذات في مجال التّسويق؛ لأنّه يرتبط به، وهو الموضوع الذي اختار الأستاذ عز الدين نشاد دراسته، بعناية من الدكتور سليمان بوفاسة، وكما هو معروف، فإنّ هذا السّلوك يتأثّر بالعديد من المتغيّرات التي تحدث في البيئة المحيطة بالأفراد، يختلف مستوى التأثير من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر ومن وقت إلى آخر كذلك. ومن بين هذه المؤثّرات التي يمكن لها أن تحدث تغييرا في السلوكيات الاستهلاكية للأفراد، العادات والتقاليد في المجتمع، فهذه تكون مصاحبة لبعض المناسبات أو المواسم الدينية، ومن بينها شهر رمضان، بالنسبة للمجتمعات المسلمة طبعاً. وشهر رمضان هو مناسبة دينية، يغلب عليها - بالإضافة إلى السلوك الديني - سلوك يخص الشق المتعلق بالاستهلاك والإقبال على ما يصطلح عليه ب «السلع غير المعمّرة». السّلع الاستهلاكية غير المعمّرة يعرفها نشاد بأنّها السّلع ذات الاستهلاك اليومي والواسع، وتضم جميع أنواع مواد التغذية العامة والسلع الاستهلاكية ذات العمر القصير، وتتّصف هذه المجموعة من السلع بارتفاع معدّل تكرار شرائها واستخدامها من قبل المستهلك كالصابون ومعجون الأسنان، لذلك فإنّنا نجد المستهلك لا يلجأ إلى كثير من الأساليب التي يستخدمها عندما يشتري سلعا معمرة، كالمقارنات السلعية المتعمّقة، بل يكون سلوكه في شرائها أقرب إلى السلوك العفوي. الأستاذ كوبلاند، من جامعة هارفرد الأمريكية والذي يعتبر من اهم رواد التسويق، اعتمد في تقسيمه على أساس الاختلافات في العادات الشرائية للمستهلكين وعلى أساس سلوك المستهلكين تجاه كل نوع على حدة، ووفقا لهذا التّقسيم توصل إلى توجّهات ثلاثة هي: - السّلع الميسرة، وسلع التسوق، والسلع الخاصة، وتتّصف سوق السلع الاستهلاكية بمجموعة من المميّزات: - الانتشار الجغرافي الواسع للمتعاملين: إنّ لغة الحديث مع المستهلك المرتقب تعتمد بقدر كبير على الدوافع العاطفية. - إنّ قيمة المشتريات قليلة القيمة نسبيا في المرة الواحدة، ولا تمثّل سوي هامش ربح قليل. المحور الثاني الطريقة المنهجية والأدوات المستخدمة: مجتمع وعيّنة الدّراسة: يتمثّل مجتمع الدراسة في عينة عشوائية أخذت من سكان بلديات ولاية المدية، وهذا عن طريق الاستقصاء وتوزيع الاستبانة على جميع فئات المجتمع المختلفة، والتي بلغ عدد أفرادها 250 فرد، بتوزيع وهذا ما تمكنا من جمعه - يقول نشاد - وأعلن عن استرجاع 228 استبانة صالحة للتحليل، أي بنسبة نسبة جيدة بسبب أنّ أغلب الاستبانات تم استرجاعها في نفس وقت توزيعها استرجاع قدرت ب 91.2 %، وهي مباشرة مع أفراد العينة. متغيّرات الدّراسة: احتوت الدراسة على متغيرين إثنين محددات السلوك الاستهلاكي كمتغيّر مستقل، وقرار الشّراء كمتغير تابع. طرق جمع البيانات: اعتمد نشاد في جمع المعلومات والبيانات على مختلف المصادر الثانوية المتمثلة في الكتب والمراجع العملية المختلفة، كما تمّ الحصول على البيانات الأولية الخاصة بالجانب التطبيقي عن طريق الاستبانة التي تم إعدادها لهذا الغرض. في إطار العمل الميداني ومن أجل الحصول على نتائج دقيقة للعينة المدروسة، تم الاعتماد على مجموعة من الأدوات المنهجية المناسبة لكل مرحلة من مراحل البحث وتمثلت في المقابلة والاستبيان، مع استخدام برنامج الأساليب الإحصائية لتحليل البيانات والوصول إلى نتائج، وقد تمّ إعداد استبانة موجهة لأفراد عينة الدراسة قصد معرفة سلوكهم الشرائي في شهر رمضان، وضمّ 17 عبارة، وقد تم بناؤه بالاعتماد على الجانب النظري للدراسة وعلى الدراسات السابقة، أما المقابلة فقد تم استخدامها تدعيما للاستمارة في جمع البيانات اللازمة، وهذا عند وجود أشخاص غير ملمين بالموضوع بشكل جيد والخاص بموضوع الدراسة. الأساليب الإحصائية المستخدمة من أجل تحليل نتائج الاستبانة تمت فيها الاستعانة ببرنامج الحزمة الإحصائية للعلوم الاجتماعية (pss 22)، كما تم الاعتماد على الأساليب الإحصائية التالية: (التكرارات، النسب المئوية، المتوسطات الحسابية الانحراف المعياري معامل الثبات الداخلي ألفا كرونباخ، معامل ارتباط بيرسون، استخدام معامل الانحدار المتعدد). صدق وثبات أداة الدراسة قبل مرحلة تحليل الاستبيان واستخلاص النتائج تم عرضها على عدد من المحكمين ذوي الخبرة والتخصص في المجال، وذلك من أجل التحقق من وضوح العبارات وصدق محتواها ومدى تناسق العبارات مع محاور الدراسة وأبعادها. اختبار الفرضية الثانية: لاحظنا من خلال البيانات أنّ العلاقة بين محددات السلوك الاستهلاكي مجتمعة وقرار الشراء مرتبطة بوجود أثر ذو دلالة إحصائية المحددات السلوك الاستهلاكي مجتمعة على المتغير التابع (قرار الشراء)، حيث بلغت قيمة F المحسوبة (135,278) وهي «قيمتها الجدولية عند مستوى الدلالة (0,05)، كما أنّ السلوك الاستهلاكي بأبعاده الثلاثة مجتمعة قد فسر (644) من التغيرات الحاصلة في قرار الشراء لدى الفئة المستجوبة، من التغيرات المتغير التابع (قرار الشراء مصدرها المتغير المستقل، محددات السلوك الاستهلاكي مجتمعة)، بينما النسبة المتبقية فمصدرها متغيرات أخرى غير واردة في هذا النموذج. كما أنّ مستوى المعنوية (0.000-SIG) هي أقل من مستوى الدلالة الإحصائية (0.05-a)، وهنا يعني رفض الفرضية الصفرية وقبول الفرضية البديلة والتي على وجود أثر ذو دلالة إحصائية لمحددات السلوك الاستهلاكي مجتمعة على المتغير التابع (قرار الشراء). - اختبار الفرضية الثالثة: لاحظنا أنّ العلاقة بين محددات السلوك الاستهلاكي مجتمعة وقرار الشراء، تعود إلى وجود أثر للعوامل الثقافية على المتغير التابع (قرار الشراء)، إذ بلغت قيمة T المحسوبة (4,373) وهي أكبر من قيمتها الجدولية عند مستوى دلالة 0.05 a، كما بلغت قيمة معامل الانحدار B الذي يحدد قيمة التأثير بقيمة (0,118)، وهذا يعني أن الزيادة بقيمة واحد في بعد العوامل الثقافية يؤدي إلى الزيادة في مستوى قرار الشراء بقيمة (11,8%). كما أن مستوى المعنوية (0.000-SIG) هي أقل من مستوى الدلالة الإحصائية (0.05-a)، وهنا يعني رفض الفرضية الصفرية وقبول الفرضية البديلة، والتي تنص على وجود أثر ذو دلالة إحصائية للعوامل الثقافية على المتغير التابع (قرار الشراء). في اختبار الفرضية الرابعة نلاحظ وجود أثر للعوامل النفسية على المتغير التابع (قرار الشراء)، إذ بلغت قيمة T المحسوبة (166) أكبر من قيمتها الجدولية عند مستوى دلالة 0.05 a، كما بلغت قيمة معامل الانحدار B الذي يحدد قيمة التأثير بقيمة (0,711) وهذا يعني أنّ الزيادة بقيمة واحد في بعد العوامل النفسية يؤدي إلى الزيادة في مستوى قرار الشراء بقيمة (71,1%). كما أنّ مستوى المعنوية (0.000=SIG) هي أقل من مستوى الدلالة الإحصائية (0.05=)، وهنا يعني رفض الفرضية الصفرية وقبول الفرضية البديلة والتي تنص على وجود أثر ذو دلالة إحصائية للعوامل وهي النفسية على المتغير التابع (قرار الشراء). - اختبار الفرضية الخامسة وفيها وجود أثر لعامل الأسرة على المتغير التابع (قرار الشراء)، إذ بلغت قيمة T المحسوبة (5,712) وهى أكبر من قيمتها الجدولية عند مستوى دلالة 0.05 a، كما بلغت قيمة معامل الانحدار B الذي يحدد قيمة التأثير بقيمة (0,247)، وهذا يعني أنّ الزيادة بقيمة واحد في بعد عامل الأسرة يؤدّي إلى الزيادة في مستوى قرار الشراء بقيمة (247). كما أنّ مستوى المعنوية (0.000-SIG) أقل من مستوى الدلالة الإحصائية (0.05=)، وهذا ما يعني رفض الفرضية الصفرية وقبول الفرضية البديلة والتي تنص على وجود أثر ذو دلالة إحصائية لعامل الأسرة على المتغير التابع (قرار الشراء). اختبار الفرضية السادسة يؤكّد أنّ العوامل النفسية هي أهم محدّد بالنسبة لقرار الشراء لدى أفراد المجتمع الجزائري خلال شهر رمضان المبارك، نحو السلع الاستهلاكية غير المعمرة، وهذا ما ينفي الفرضية المقترحة على أنّ الأسرة هي أهم محدد بالنسبة لقرار الشراء لدى أفراد المجتمع الجزائري في شهر رمضان. ختاما.. بالرّغم من الدراسات العديدة والمتواصلة في مجال سلوك المستهلك من طرف المختصين والباحثين في الشق الاقتصادي والتسويقي، أو في الشق النفسي والاجتماعي الفلسفي، لا يزال هذا الموضوع يكتنفه كثير من الغموض، وهذا لما ذكرناه آنفا على أنه يتعلق بالسلوك السيكولوجي للفرد، وما ينطوي عليه من تغير مستمر وعدم الاستقرار، ر، وهو خاضع غالبا للظروف المحيطة بالفرد. ولكن وبالرغم من ذلك يمكن القول، إنّ هذه الدراسة ساهمت ولو بجزء بسيط في الكشف عن جانب من الجوانب المرتبطة بالعملية الاستهلاكية للأفراد، فقد بينّا أن للعوامل الثقافية والنفسية والاسرة مجتمعة أثر بالغ في التأثير على السلوك الشرائي للأفراد خلال شهر رمضان والتغير الملحوظ في العملية الشرائية، وزيادة كمية الاستهلاك نحو السلع الاستهلاكية غير المعمرة. وكذلك خلصنا الى أن الزيادة الواضحة والجلية في الاستهلاك خلال شهر رمضان تعود لأسباب نفسية بالدرجة الأولى أكثر منها ثقافية أو اجتماعية، وحتى أفراد الأسرة لم يكن لهم الدور البالغ في ذلك، وعليه الاستهلاك الذي يشهد تغيرا نحو الزيادة من قبل الفرد غالبا ما يرجع إلى الأسباب السيكولوجية النفسية. خلال نتائج المتوصل إليها يمكن أن نخرج بجملة من الاقتراحات التالية: على رجال التسويق الانتباه أكثر الى ما يطلبه الفرد من خلال الشعور الذي ينتج من كذلك للعوامل الثقافية دور لا بأس به وخاصة في المناسبات، لذلك وجب على القائمين على العملية ومن حالته نفسية. الاخذ بعين الاعتبار العادات والتقاليد بنوع من الجدية. يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الطلب المفاجئ وغير المبرّر أحيانا خلال المناسبات الدينية للسلع الاستهلاكية غير المعمّرة، لا ينسى الطلب على السلع المعمرة، وهذا راجع للفروق الكثيرة والواضحة بين النوعين. الحلقة الثانية