شكّلت الندوة الجهوية حول الخريطة الأثرية الوطنية، والتي احتضنت فعالياتها المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية ورقلة، فرصة لتقديم معلومات قيمة عن هذا المشروع الهام والمراحل التي توصل إليها الباحثون والتقنيون في عملية انجاز خريطة أثرية رقمية شاملة. أوضح الدكتور كمال مداد مدير قسم الخرائط بالمركز الوطني للبحث في علم الآثار، خلال مداخلته "الخريطة الأثرية الجزائرية وأهميتها في عملية جرد الممتلكات الثقافية وفي تهيئة الإقليم"،ے أن مشروع الخريطة الأثرية للقطر الجزائري، يعتبر من أولويات البحث للمركز الوطني للبحث في علم الآثار، وهو يتمثل في إعداد ورسم الخرائط والأطالس الأثرية الضرورية واللازمة لتخطيط وتحديد الأولويات في مجال تهيئة التراث الوطني وتثمينه، كما يساهم هذا المشروع في تحيين وتحديث الأطلس الأثري الجزائري الذي يعود إلى أوائل القرن الماضي، ويتعلق أيضا بتمثيل جميع الشواهد التراثية المادية الماضية بشكل محدد في خريطة أثرية معمارية أو تاريخية، تسمح لكل العناصر الممثلة فيها بتقييم وبتحديد الثراء التراثي لمنطقة معينة، وبالتالي توثيقها بعملية المسح الأثري وبإجراء تقنيات أثرية. أدوار فاعلة اقتصاديا وتنمويا أكّد المتحدث على أهميتها العلمية والبحثية، حيث تعتبر الخريطة الأثرية أداة للتوعية الحضارية ويجب استخدامها وأخذها بعين الاعتبار كوثيقة بيانات ومعلومات رسمية عند القيام بأشغال التهيئة الإقليم والتخطيط العمراني، لأنها تسمح لنا مسبقا بتفادي المناطق ذات الميزة الأثرية. من جانبه، تطرّق مصطفى ماغا مساعد مهندس في الإعلام الآلي بالمركز الوطني للبحث في علم الآثار، إلى مشروع تحيين الخريطة الأثرية الجزائرية، موضحا أن العملية انطلقت من خلال جمع كل المعلومات الموجودة لدى المؤسسات الثقافية كما تم الاستعانة بالجامعات، مشيرا إلى أنه وبالنظر إلى الكم الهائل لم يكن من الممكن المواصلة بالطريقة التقليدية، لذا تم اقتراح إنشاء منصة رقمية لضخ كل المعلومات عبرها ورقمنة الأطلس الأثري، باعتماد نظام معلوماتي جغرافي يستند إلى قاعدة بيانات تسهل عملية البحث عن المواقع الأثرية التي كانت في بداية المشروع تقدر ب 7700 وبعد غربلة المعلومات، تم التوصل إلى 15222 موقع أثري موثوق منه موجود عبر المنصات الرقمية. وذكر المتحدّث أنّ العملية واجهت بعض المشاكل، وكان على المهندسين والتقنيين إيجاد الحلول، وتمثلت أبرز الصعوبات في توحيد البيانات الجغرافية والمواقع المراد جردها لدى جميع الهيئات المختصة وذات الصلة بالمشروع، وتم التوصل إلى ضرورة إشراك مديريات الثقافة لكل الولايات في عملية تحيين وإثراء الخريطة الأثرية الخاصة بكل ولاية، حيث ستجري العملية كما أوضح من خلال تسليم مديريات الثقافة نظاما معلوماتيا جغرافيا رقميا لتسهيل العملية مع توفير المرافقة الضرورية من قبل التقنيين المختصين بالوزارة. وقدّم بابا نجار يونس، نائب مدير الدراسات الاستشرافية والإعلام الآلي، عرضا حول مشروع نظم المعلومات الجغرافية لقطاع الثقافة، أشار من خلاله إلى أن هذا المشروع يدخل في إطار الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي التي تهدف إلى تحسين الوسط البيئي واستعمال تكنولوجيات الاعلام والاتصال، لاسيما في إدارات الخدمة العمومية، ويتعلق الأمر بتطوير نظام معلوماتي يسمح بتحديد المواقع الجغرافية وجمعها ورقمنتها وتخزينها، وذلك قصد تحليل البيانات والمعلومات المختلفة على مستوى التراب الوطني على الويب، والمتعلقة بالمرافق الثقافية والحظائر الثقافية والقطاعات المحفوظة والمواقع الأثرية والمعالم التاريخية. وقد مر هذا المشروع - يقول المتحدث - بعدة مراحل وهو في المرحلة الرابعة حاليا، والتي تتعلق بتطوير وتنفيذ منصة ويب خاصة بالخرائط التفاعلية، كما عرجت مهندس دولة لدعم البحث العلمي مختصة في نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد "بايع راسو سميحة" على نظم المعلومات الجغرافية واستخداماتها في تسيير وتثمين التراث الثقافي خلال مداخلة لها. تجدر الإشارة إلى أنّ الندوة الجهوية التي تشرف عليها وزارة الثقافة والفنون، عرفت مشاركة الحظائر الثقافية والإطارات التقنية المكلفة بإنجاز ومتابعة الخريطة الأثرية لمديرية الثقافة والفنون لولايات الجنوب. وقد أجمع المشاركون على أهمية رسم الخريطة الأثرية باعتبارها حافزا للحظائر والمديريات الثقافية لتكوين بنك معلومات رقمي للتراث الأثري الثقافي والجغرافي، حيث أشار عبد القادر حفاوي رئيس القسم الإقليمي للحظيرة الثقافية الأهقار بعين صالح، إلى ضرورة توحيد نمط الخريطة التراثية باعتماد نظام معلوماتي موحد لتسهيل عملية الجرد والتحيين المستمر للمعلومات، بالإضافة إلى تنظيم لقاءات تكوينية لإطارات الثقافة للمساهمة في إثراء الخريطة الأثرية. وفي السياق اعتبر مدير الثقافة لولاية المنيعة زكرياء بوضياف، أن الخريطة الأثرية الوطنية لها أدوار فاعلة مستقبلا اقتصاديا وتنمويا، إذ تعتبر أداة عملية للمساهمة في التنمية المحلية والإقليمية للوطن. ومن جهته مدير الثقافة لولاية ورقلة مختار قرميدة، أكد أن هذا الموعد مهم جدا، خاصة أن عملية الإحصاء والجرد انطلقت والجهود مرتكزة اليوم على رقمنة المعلومات الأثرية لتسهيل ولوج المواطن إليها أينما كان.