استعاد الفلسطينيون، أمس، الذكرى 75 للنكبة التي يُنظر إليها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على أنها فعلٌ مستمر جرّاء تفاقم سياسات التطهير العرقي والتهجير ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والإعدام الميداني والاجتياحات والتضييقات على الشعب الفلسطيني، والتي تمارسها المؤسسة الصهيونية باختلاف حكوماتها أو عصاباتها الصهيونية كما كان يطلق عليها قبل ذلك في كل أرض فلسطين التاريخية. الإجماع قائم اليوم على أن النكبة مستمرة من بن غوريون إلى بن غفير، وإن كانت أدواتها قد اختلفت، إذ أصبحت تتغلف بقوانين سُنّت ولا تزال تسن من قبل الحكومات الصهيونية العنصرية لتُلائم استمرار عملية التطهير العرقي ولترتكب جرائم الاحتلال بتغطية وبغلاف قانوني، ولتبقى بوصلة الصهيونية سارية المفعول: "أكبر عدد ممكن من العرب على أقل رقعة أرض". وفيما يشهد الكيان الغاصب حكم أكثر حكوماته تطرفاً، تعلو في الآونة الأخيرة أصوات التهديد من اليمين المتطرف بنكبة جديدة أشدّ ما يميّزها، حملة التقتيل التي تستهدف زعماء المقاومة والمدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء، مثلما حصل في غزّة قبل أيام. لكن وإن كانت النكبة مازالت مستمرّة في فصولها الدموية منذ أزيد من سبعة عقود، فإن المقاومة الفلسطينية مازالت أيضا مستمرّة، وستتواصل جيلا بعد جيل إلى أن تعود الأرض المسلوبة إلى أصحابها وتقام دولة فلسطين المستقلّة. الأممالمتحدة تحيي الذكرى هذا وقد خلّد الفلسطينيون، أمس، ذكرى النكبة لأوّل مرّة بمشاركة الأممالمتحدة وذلك بعد قرار للجمعية العامة صادر في شهر نوفمبر الماضي، ونظّموا مهرجانا في مدينة رام اللهبالضفة الغربية، تضمن مسيرة شعبية حملوا خلالها أسماء المدن والقرى التي كان يعيش فيها أجدادهم. وقال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إنه في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة "يتضاعف عدد الفلسطينيين أكثر من 10 مرات". وأضاف في بيان، "شكلت أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، تم تشريد 957 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية". وتابع الجهاز في بيانه "انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال عام النكبة وما تلاها بعد طردهم من منازلهم والاستيلاء على أراضيهم". وأوضح البيان، "سيطر الاحتلال الصهيوني خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، حيث تم تدمير 531 منها بالكامل وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه". وأضاف، "رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 51 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني، ومازالت المجازر مستمرة حتى يومنا هذا". وذكر البيان، "بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14.3 مليون نسمة في نهاية العام 2022". حق العودة لا يسقط واختار القائمون على إحياء الذكرى شعارا يلخص ما حدث في النكبة من رحيل للفلسطينيين عن بيوتهم وتمسكهم بالعودة إليها رغم طول صبرهم، الذي يشار إليه بنبات الصبار في الملصق الذي يضم علم الأممالمتحدة وعليه القرار 194 المتعلق بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. ويقارب عدد اللاجئين الفلسطينيين ستة ملايين، وينتشرون في العديد من الدول، منهم من استمروا في الحياة في مخيمات للاجئين فيها ومنهم من أصبحوا يحملون جنسيات الدول التي يعيشون بها. وبالمناسبة، ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة في مقر الأممالمتحدةبنيويورك التي وصل إليها، السبت، حيث تحدث عن الرواية الفلسطينية لما جرى في عام 1948. وقال رياض منصور مندوب فلسطين الدائم لدى الأممالمتحدة، إنه إلى جانب الفعالية التي تتضمن الكلمات الرسمية لعدد من المشاركين في إحياء الذكرى سيكون هناك عرض خاص حول النكبة. وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، أن العرض يهدف "إلى خلق تجربة غنية حول نكبة الشعب الفلسطيني، من خلال صور ومقاطع فيديو وشهادات، وحفلين موسيقيين، الأول للفنانة الفلسطينية سناء موسى، والآخر لنسيم الأطرش، عازف التشيللو والملحن الذي رشح لجائزة جرامي، برفقة أوركسترا نيويورك العربية". ويرى الفلسطينيون قرار الأممالمتحدة بإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة اعترافا بها، فيما عارضت دولة الاحتلال الصهيوني ذلك ووجهت رسائل للعديد من الدول لمقاطعة إحياء الذكرى.