«جامع الجزائر» تجربة فريدة عالميا ضمن النظام المضاد للزلازل إعادة البناء على نحو أفضل في مجال التعافي وإعادة التأهيل والإعمار أعلن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، أمس السبت، عن وضع استراتيجية وطنية جديدة لتسيير مخاطر الكوارث في الجزائر، تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الناشئة، وإلزامية التأمين، وقال «سيتم تنفيذها بعد صدور القانون الجديد الذي سيحل محل قانون سنة 2004، مع نصوصه التطبيقية خلال 2023، والذي يتزامن مع اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث، الذي تعتمده الأممالمتحدة». أكد الوزير الأول، خلال افتتاحه أشغال الملتقى الدولي حول «الحد من مخاطر الزلازل: حوكمة واستشراف»، المنظم من طرف وزارة السكن، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالمركز الدولي للمؤتمرات، أن التجارب الميدانية والدروس المستخلصة من الكوارث التي ضربت عديد مناطق العالم خلال العشريتين الفائتتين، تفرض علينا مراجعة الاستراتيجية الوطنية الحالية وتحسينها وتحيينها ضمن إطار «سينداي» للأمم المتحدة، للحد من مخاطر الكوارث خلال الفترة 2015-2030، والذي صادقت عليه الجزائر، وفق أولويات أربع، تتعلق بفهم مخاطر الكوارث، تعزيز سبل إدارة مخاطر الكوارث من أجل تحسين التصدي لها، الاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث من أجل تعزيز القدرة على التحمل، وأخيرا تحسين مستوى الاستعداد من أجل التصدي للكوارث بفعالية، و»إعادة البناء على نحو أفضل» في مجال التعافي وإعادة التأهيل والإعمار. وإدراكا منها لعواقب الأخطار الزلزالية، قامت الجزائر وبحزم، حسب الوزير الأول، بوضع تدابير وآليات للحدّ منها، عبر مخططات واستراتيجيات، تضمنها القانون رقم 04-20 الصادر في 25 ديسمبر 2004، والمتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة، تتمحور أساسا حول تحسين فهم الخطر الزلزالي، إجبارية تطبيق أحكام النظام الجزائري المضاد للزلازل في كل عمليات البناء والأخذ بعين الاعتبار لإطار التهيئة العمرانية، تعزيز أنظمة المراقبة والإنذار المبكر وتعميم الدراسات وإدراجها في المناهج العلمية والدراسية وإشراك المجتمع المدني وكل الأطراف المعنية، اللجوء إلى استغلال التكنولوجيا الحديثة، على غرار ما تم إنجازه مؤخرا على مستوى مشروع «جامع الجزائر» الذي يبقى، مثلما قال، «تجربة فريدة من نوعها في العالم في مجال النظام المضاد للزلازل، بالنسبة لهذا النوع من المشاريع الكبرى». في هذا الخصوص، كشف السيد بن عبد الرحمان عن الانتهاء من ورشة تحيين الإستراتيجية الوطنية الجديدة لتسيير مخاطر الكوارث في الجزائر، موضحا أنها سترتكز بالأساس على الاعتماد على العنصر البشري المتدخل في هذا المجال وكفاءته المحققة، وكذلك على وعي العنصر البشري المتأثر بالكارثة، كما تضع الآليات الضرورية لاستباق المخاطر والتخطيط لها والحدّ منها وتعزيز القدرة على مجابهتها من خلال الحوكمة والاستثمار بشكل أفضل مع بناء ذهنيات جديدة تعتمد على مفاهيم تسيير الأخطار وليس تسيير الكوارث. وترتكز أهم التحسينات المدرجة في مشروع القانون الجديد، حسب الوزير الأول، على التحديد الكمي للأهداف الاستراتيجية الكبرى للجزائر في مجال الحد من آثار الكوارث، في إطار التنمية المستدامة وتوافقها الكلي مع إطار سينداي واتفاق باريس COP- 21 للحد من آثار التغيرات المناخية، كما تم إدراج مخاطر جديدة، لا سيما تلك المتعلقة بالتغيرات المناخية، مخاطر الأنترنت (cybernétique) والمخاطر البيوتقنية، مع تحديد آليات التمويل ومسؤوليات كل المتدخلين، وتجسيد مفهوم «تسيير خطر الكارثة» بدلا «عن تسيير الكارثة»، ضمن بعد وقائي لا ينتظر حدوث الكارثة. تعميم الرقمنة وتعزيز الجانب التوعوي والتحسيسي أما في الجانب الوقائي، فأشار الوزير الأول إلى أن الاستراتيجية الوطنية لتسيير المخاطر، ستأخذ بعين الاعتبار تعزيز الجانب التوعوي والتحسيسي لفائدة المجتمع والمواطن وتكريس ثقافة التعامل مع المخاطر الكبرى والكوارث الطبيعية، كما سيتم العمل على توعية القطاع الخاص لإشراكه في العمل الجماعي والاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تعزيز الاستراتيجية الوطنية الجديدة، بتعميم الرقمنة في استغلال قاعدة البيانات الوطنية والمحلية المتعلقة بجرد الخسائر ومتابعة إصلاحها، توسيع مجال البحث للمراكز المتخصصة والجامعات والمعاهد وتعزيز تمويلها، على أن يتم توسيع شبكة الرصد الزلزالي للجزائر التابعة لكل من مركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والفيزياء الأرضية (CRAAG) والمركز الوطني للبحث المطبق في هندسة مقاومة الزلازل (البالغ عددها حاليا 570 نقطة رصد، قبل نهاية سنة 2023، كما سيتم استغلال المقدرات الوطنية في مجال النشاط الفضائي والذي عرف تطورا ملحوظا، وإدماج تسيير مخاطر الكوارث في قانوني الولاية والبلدية قيد الاستكمال. وتتضمن الاستراتيجية الوطنية الجديدة لتسيير المخاطر كذلك، إعادة النظر في سياسة التأمين على الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى، قصد ضمان انخراط كبير في جهاز التأمين ضد آثار الكوارث الطبيعية، الذي تم استحداثه بموجب الأمر رقم 03-12 المؤرخ في 26 أوت 2003، والمتعلق بإلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية وبتعويض الضحايا، تبلغ نسبة الاكتتاب في هذا التأمين حوالي 5%، بالرغم من إلزاميته. وأكد الوزير الأول، أن التزايد غير المسبوق والمقلق الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة من كوارث ومخاطر جيولوجية، يتطلب المزيد من رفع التحديات وبذل المجهودات لاحتواء آثارها، والتي تمر حتما، مثلما قال، «عبر الالتزام والمشاركة القوية للحكومات قصد خلق بيئة مواتية ترمي لخفض حالات الوفاة والإصابات الناجمة وكذا الأضرار الاقتصادية والحد من الأضرار على المنشآت، مع ضرورة تدعيم البلدان النامية في هذا السياق ضمن التعاون الدولي المستدام». 225 مليون دولار سنويا للتصدي للكوارث وذكر الوزير الأول، أن الجزائر التي كانت سباقة لإصدار التشريعيات الخاصة بالوقاية من الكوارث، تتكفل كلية بإصلاح آثار الكوارث ومحوها، حيث تبلغ النفقات العمومية الموجهة للتصدي للكوارث وعلى رأسها الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات، معدل 225 مليون دولار في السنة خلال السنوات 15 الأخيرة، يذهب ما نسبته 70% منها لإصلاح مخلفات الفيضانات. وبالرغم من أن الفيضانات تعد على رأس قائمة الكوارث التي وقعت بالجزائر منذ سنة 1950، إلا أن الزلازل كانت الأكثر كلفة من الناحية الاقتصادية، حيث بلغت ما يقارب 10 ملايير دولار، وكذا من حيث عدد الخسائر البشرية والمقدّرة ب6.771 وفاة، مع تضرر حوالي 1,4 مليون شخص. بالموازاة مع ذلك، نوه الوزير الأول بالتقدم المحرز في هذا المجال على الصعيد العالمي، وثمن المجهودات المبذولة من طرف مكتب الأممالمتحدة للحد من مخاطر الكوارث في مرافقته الدائمة والمثالية للتكفل الأحسن لتسيير مخاطر الكوارث، وحرصها الدائم على مواصلة العمل الجماعي لبلوغ النتيجة المنشودة، كما جدد تأكيده تبني الجزائر والتزامها بكل القرارات الأممية وتنفيذها تماشيا مع محتوى أطر العمل العالمية ذات الصلة. وشدد الوزير الأول على ضرورة المضي قدما نحو تعزيز التعاون العربي- الإفريقي والدولي المتعدد الأطراف بإنشاء آليات عملياتية دائمة ومؤطرة والعمل، بالتنسيق الدائم مع مكتب الأممالمتحدة، للحدّ من الكوارث ضمن إطار شامل ومتناسق مع الآليات الأخرى المعنية، من أجل التنمية المستدامة وتغيّر المناخ، مع تحديد وسائل التنفيذ بصفة واضحة وشفافة. وذكر أن الجزائر كانت قد بادرت مؤخرا، على الصعيد القاري، بإنشاء آلية إفريقية للحماية من أخطار الكوارث من أجل إحداث قوة مدنية قارية للتأهب للكوارث الطبيعية والاستجابة لها قصد ضمان تكفل فعلي وآني وتقديم الدعم الضروري للبلدان الإفريقية المتضررة، كما تعمل على تفعيل المركز العربي للوقاية من أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى المتواجد مقره بالجزائر. وفي حديثه مع المشاركين في أشغال الملتقى، أوصى الوزير الأول بإصدار توصيات من شأنها أن تسهم في إثراء النقاشات والتوقيع على مذكرات تفاهم للتعاون العلمي والفني ووضع خارطة طريق للتعاون متعدد الأطراف تحدد معالمها ضمن البيان الختامي، مع تشكيل تنظيم ملائم لمتابعة تنفيذه وتجسيده على أرض الواقع لنمضي سويًا ضمن مقاربة تشاركية ومدمجة. وقال، إن «هذا الملتقى الدولي، الذي يشهد اليوم ميلاد طبعته الأولى، سيتم تنظيمه بصفة دورية بالجزائر كمحطة سنوية للتقييم وتبادل الخبرات والتجارب، لرفع سقف التحدي عاليا بغية التعامل مع مخاطر الكوارث بمنطق علمي وبراغماتي».