يجد هواة السياحة الجبلية وعاشقو الطبيعة ببلدية حمام ملوان في ولاية البليدة، ضالتهم على ضفاف الوادي الممتد من أعالي جبال الأطلس البليدي والذي يزيّنه الغطاء النباتي التي تشتهر به الحظيرة الوطنية للشريعة المحمية دوليا، لترسم لوحة ساحرة آسرة كل زائر باحث عن الراحة والاستجمام بين غطاء الاطلس البلدي الأخضر. تُفضل كثير من العائلات المحافظة التوجّه نحو حمام ملوان للاستمتاع بالمياه العذبة الصافية التي تصبّ في الوادي ومصدرها الينابيع والشلالات المنتشرة جبال بلدية الشريعة وما يُجاورها، لتفادي المواقف المحرجة. في هذا الإطار، يتحدّث رب أسرة التقيناه في حمام ملوان: "إذا ما أردت أن أصطحب عائلتي للتنزه، فالوجهة ستكون حمام ملوان وأي مكان يشبهه يتوفر فيه ما نسميه نحن ب«الحُرمة"، وتابع المتحدث القادم من بلدية بوعينان: "البليدة تزخر بأماكن سياحية رائعة نستمتع بها مجانا، ونتفادى الأسعار المرتفعة المفروضة على قاصدي البحر، وكذاك الازدحام المروري الذي يؤرق المصطافين عند العودة إلى الديار، خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع". ويقول أحد الشباب الذي يبدو عليه أنه من هواة سياحة المغامرات: "ربما يستغرب البعض لو قلت لكم أنني أفضل التجول في الجبال وفي الغابات على أن أزور البحر الذي أراه مناسبا فقط للسباحة، أما هنا مثلا، في حمام ملوان، فتتوفر الراحة النفسية تحت ظلال الأشجار وخرير الماء المتدفق بالوادي والهواء النقي المنعش، راحة نفسية من الصعب ايجادها في مكان آخر، فالهدوء يمنحك الفرصة للاستمتاع بلغة الطبيعة الصامتة". وتابع المتحدث: "في السنوات الأخيرة، تطوّرت سياحة المغامرات في الجزائر خاصة في المناطق الغابية والجبلية مثل البليدة التي عرفت تنظيم عدة جولات راجلة من قبل جمعيات متخصصة، وأنا شخصيا أعشق الطبيعة ويروق لي الاستمتاع بماء الينابيع الباردة ومذاقها الرائع جدا، حتى إنني أحرص على ملء قارورات من تلك المياه العذبة عند العودة إلى المنزل". إنجاز فضاء سياحي عصري اللافت خلال جولة قادتنا إلى حمام ملوان، أن البلدية جسّدت مشروعا استثماريا في غاية الأهمية بمركز البلدية، حيث قام بإنجاز فضاء سياحي متناغم مع الطبيعة وأجّرته لأحد الخواص الذي يقوم بتسييره بتوفير بعض الخدمات بهذا الفضاء المحاذي للوادي. ودخل هذا الفضاء حيز الخدمة قبل سنة، وسعر الدخول إليه 100 دينار، وحرص القائمون عليه على توفير بعض الألعاب للأطفال الذين يأتون للتنزه والاستجمام مع ذويهم، بالإضافة إلى خدمات أخرى مثل بيع المثلجات والمأكولات بأسعار معقولة، لكن الأغلبية الساحقة لزائري حمام ملوان يصطفون في نقطتين رئيسيتين، الأولى بالمكان الذي يقع فوق الجسر الذي يبعد عن مركز البلدية بأقل من نصف كيلومتر، وهذا المكان هو ملك للخواص الذين يؤّجرون مساحاتهم المحاذية للوادي لفائدة بعض الشباب الذين يشرفون على نصب خيم منجزة بالقصب لكرائها للسياح بسعر 500 دينار. النقطة الثانية التي تطورت كثيرا في السنوات الأخيرة، وتقع في مقطع لزرق، التجمع السكني التابع إداريا لبلدية حمام ملوان، والذي يبعد عن مركز هذه الأخيرة ب 3 كيلومتر فقط، ويضم بعض المرافق المهمة مثل مسبح وملعب وحاجز مائي يزود بعض البلديات بالماء الشروب، وبمحاذاته مسبح طبيعي تشكّل بفعل المياه المتدفقة من الوادي. الأواني الفخارية ومشتلات الأزهار تتميز بلدية حمام ملوان بتوفّر حمامها التقليدي الذي يزوره السياح من مختلف أنحاء الوطن، لكن السياحة الحموية لم تعد تستهوي الجزائريين كما في السابق، بل أصبح أغلبهم يأتون للاستمتاع بالطبيعة والهواء النقي بعيدا عن ضوضاء المدينة، وللترويح عن النفس من مشقة الحياة وضغوطاتها اليومية. التدفق الهائل للسياح على هذه المنطقة في فصلي الربيع والصيف خاصة، أنعش بعض الأنشطة التجارية، والمتمثلة في الأواني التقليدية والتحف الفنية التي يصنعها الحرفيون المتخصّصون في الصناعة التقليدية، وتنتشر محلات بيعها وسط المدينة، كما يجذب صاحب مشتلة للزهور ونباتات الزينة السياح بعرض سلعته على قارعة الطريق مقابل مركز الدرك الوطني، فيما افتتح آخرون محلات لبيع المثلجات بجانب الساحة العمومية بمحاذاة الشارع الرئيسي الذي يجوبه الزائرون. أما فيما يخص المأكولات، فقد لفت انتباهنا محل متخصّص في بيع المأكولات التقليدية مثل الخبز المحضّر من الشعير، والجبن التقليدي المصنوع من حليب الماعز وحليب الأبقار، كما يعرض بعض الأطفال طاولات على قارعة الطريق لبيع الخبز التقليدي وأجبان تقليدية للاسترزاق، سواء في منطقة حمام ملوان أو منطقة مقطع لزرق. ثروة سياحية بحاجة إلى تثمين خلال جولتنا السياحة، اتضح لنا أن منطقة حمام ملوان تتشابه كثيرا من مناطق رائعة في الجزائر من حيث الجذب السياحي، فهناك أدوات جذب طبيعية تتمثل في سحر الطبيعة مثل الغطاء النباتي والمياه والمناظر الخلابة، لكن تفتقر لأدوات جذب سياحية مصطنعة بفعل الاستثمار السياحي الغائب تماما مع الأسف الشديد. وبينما نحن جالسين بساحة عمومية وسط حمام ملوان، نظرنا إلى الأعلى صوب الجبل الذي يظهر وكأنه جدار يحيط بالمدينة الصغيرة، فاستغربنا لعدم انجاز مصعد هوائي يمكن أن نستغله للصعود إلى الأعلى، ويكون أداة جذب سياحي مهمة، ويوفر النقل إلى قمة الجبل، حيث يمكن تشييد مرفق ترفيهي أو ثقافي مثلا. ولا شكّ أن تشييد فنادق متناغمة مع الطبيعة في حمام ملوان سيوفر للسياح خدمات جيدة، ويجلبهم كما ينبغي توفير مرافق رياضية ملائمة، وفي هذا الصدد يأمل المجلس الشعبي البلدي وضع مدرجات لملعب مقطع لزرق وتهيئته بالشكل الذي يسمح له بإقامة مباريات تحضيرية لأندية النخبة، فالرياضة لها علاقة وطيدة بالسياحة أيضا.