في خطوة من شأنها إثارة انتقادات دولية تعدل دولة الاحتلال قوانينها الخاصة باعتقال الأطفال الفلسطينيين والتحقيق معهم ومحاكمتهم وزجّهم بالزنازين، وتتيح للمشرع في محاكمها فرض أحكام بالتوقيف على ذمة التحقيق والسجن الفعلي على القاصرين الفلسطينيين من عمر 12 سنة. الأسبوع الماضي صادقت اللجنة الوزارية الصهيونية لشؤون التشريع في "الكنيست"، بصفتها السلطة التشريعية للحكومة في تل أبيب بشكل تمهيدي، على قانون يسمح بإصدار قرار بسجن الأطفال الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات ضدها من عمر 12 سنة. في السابق، كان الكيان الصهيوني يحاكم الأطفال الفلسطينيين الذين تقول إنّهم ينفذون ضدها عمليات أو يقومون برمي الحجارة على جنودها، بالسجن حتى انتهاء الإجراءات القانونية والسجن الفعلي من عمر 14 سنة، وتعرضهم في هذه الفئة العمرية إلى التحقيق والتعذيب والمكوث أمام القضاء مكبلين الأيدي. ومن هم دون 14 سنة يتصرف الكيان في حقهم بثلاث طرق، إما التحويل إلى مراكز للعلاج في مؤسسات إعادة التأهيل، أو السجن المنزلي أو دفع غرامات مالية كبيرة، بحسب ما يوضح مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى رياض الأشقر. يقول الأشقر "حتى أولئك الذين يحولهم الكيان إلى مراكز التأهيل الاجتماعي تنتظر حتى بلوغهم 14 سنة، ثم تعرضهم أمام المحاكم العسكرية لتصدر في حقهم أحكاماً بالسجن الفعلي، وهذا مخالف للقانون الدولي الإنساني"، مشيراً إلى أنّ مؤسسات التأهيل تشبه إلى حدّ ما السجن وفيها يمارس الكيان الصهيوني تجاه الأطفال ما يسمى "غسل الدماغ". وتحتجز دولة الاحتلال الأطفال الفلسطينيين من 14 سنة، في ثلاثة أقسام مخصّصة للقاصرين داخل زنازين سجون عوفر والدامون ومجدو، وتزج الفترة الحالية بأكثر من 487 قاصراً بينهم فتاة واحدة، أما بقية سجونها البالغ عددها 22 فلا يوجد بها أقسام للأطفال لكنها تحبس فيها أكثر من 4800 فلسطيني. السجن لمن بلغ 12 سنة وجاء تعديل القانون الصهيوني هذا بناء على طلب النائب في الكنيست يتسحاق كرويزر من حزب "عوتسما يهوديت" (القوة اليهودية)، ولقي هذا الاقتراح في البداية تحذيرات خطرة من أعضاء البرلمان إلا أنّ التحالف اليميني الحاكم في تل أبيب بقيادة بنيامين نتنياهو مصمم على المضي قدماً في تنفيذه. يشمل القانون الأطفال من 12 سنة المتهمين في ارتكاب جرائم قتل صهاينة أو محاولة الشروع في القتل، وينصّ على "في حال تنفيذ عمليات من المراهقين يجب أن تكون العقوبة أشد، ويجب تغيير النهج حتى لا يكون من الممكن إعادة تأهيل قاصر جاء لتنفيذ هجوم، بل سجنه". لكن الأشقر يرى أنّ الكيان يشمل في القانون الأطفال الذين يلقون حجارة على الجنود والصغار الذين يهتفون ضدهم أو لصالح فلسطين، والقاصرين الذين يثيرون غضب الصهاينة، وليس فقط من توجه لهم لائحة اتهام بارتكاب جرائم قتل أو محاولة الشروع فيها. عقاب من دون تسامح في المقابل، يقول النائب الصهيونى يتسحاق كرويزر إنّ "القانون الجديد يهدف إلى خلق حال من الردع ووقف الموجة الأخيرة من الأحداث التي شهدناها من عمليات نفذها قاصرون، لا توجد أية عدالة في العالم تفيد بأن يفلت هؤلاء المراهقون من عقاب صارم ورادع". ويضيف كرويزر "سنغير قواعد اللعبة، وسيشمل القرار الجميع سواء كانوا سكان غزة أم المناطق الأخرى، لأنّ هناك انخفاضاً في أعمار منفذي العمليات يجب فرض عقاب شديد ورادع، ستتم معاقبة منفذي العمليات الفلسطينيين الصغار بحد أقصى للعقوبة لا يرحم كما كان من ومن دون أيّ تسامح". يرد الأشقر على ذلك بأنّ الكيان الصهيوني ينفذ أقسى العقوبات بالأساس على الأطفال الفلسطينيين، إذ تحكم عليهم بالاعتقال الإداري وحالياً هناك 13 طفلاً تحت الاعتقال الإداري وهم أقل من 16 سنة، كما أنّ هناك أطفالاً عمرهم أربع سنوات يحكم عليه بالحبس المنزلي وغرامات باهظة. مخالف للاتفاقات الدولية حول الوضع القانوني لهذا التشريع يقول رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين صلاح عبد العاطي إنّه ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني الذي وفر حماية خاصة للأطفال، وينتهك اتفاق حقوق الطفل الذي جعل اعتقال الأطفال الملاذ الأخير، ويخالف قواعد وأحكام بروتوكول عمان المرفق بأحكام اتفاق حقوق الطفل والقاضي بحماية الأطفال. وأثار هذا القانون استياء منظمة الأممالمتحدة للطفولة "اليونيسف" ومكتب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح. وبحسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فإنّ الكيان الصهيوني هو الوحيد الذي يحاكم القاصرين الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية، وتحرمهم حقوق المحاكمة العادلة وتخفق في التذرع بأيّ أساس قانوني، وتفيد الحركة بأنّ معظم الأطفال اعتقلوا لمجرد الاشتباه من دون أوامر توقيف، ومعظمهم تعرضوا لشكل من العنف الجسدي بعد الاعتقال، وجميعهم لم يحضر أحد الوالدين معهم خلال التحقيق، كما لم يبلغ أكثرهم بحقوقهم بشكل صحيح. تحرك فلسطيني في كيان الاحتلال أثار هذا القانون حفيظة المؤسسات الحقوقية، ومن بينها لجنة مناهضة التعذيب الصهيونية التي اعتبرته وحشياً، ويحرم القاصرين المشتبه فيهم بارتكاب جرائم من جميع تدابير الحماية، كما نظرت للتشريع بأنه لا علاقة له بالأمن. ومن ناحية الفلسطينيين يقول مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة عمر عوض الله "حملنا تشريع تل أبيب الجديد إلى الأممالمتحدة، وطالبنا بوضع الكيان الصهيوني على القائمة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الأطفال، مع التشديد على أنه يجب عدم استهداف الأطفال تحت أي ظرف، وعدم منح حكومة بنيامين نتنياهو الفرصة لتقديم مبررات بأنّ هؤلاء الأطفال كانوا مخربين". واعتبر المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم أنّ هذا التشريع استخفاف بالقيم الإنسانية والأممية، لافتاً الانتباه إلى أنّ المصادقة على تشريع يجيز اعتقال ومحاكمة الأطفال الفلسطينيين من سنّ 12 عاماً، وحرمانهم من أيّ حقوق تراعي سنهم وحاجاتهم، يعدان انتهاكاً صارخاً لحقوق الأطفال، ويستدعيان إدانة عالمية وتحركاً دولياً ضدّ حكومة نتنياهو و«ممارساتها الفاشية غير المعهودة".