أنا والأوراق والأفكار في زنزانة. ما أجمله من لقاء، وما أروعها من لحظات. اجتماع استثنائي حين يخيّم الإلهام على صمت المكان، فيحلّق الكلام. حين تجعل من لحظة البؤس لحظات للإبداع. حين تخلق من رحم الحزن سعادة وفرحاً. حين تبدأ الأفكار بالانسياب عبر ريشة القلم لترسو على سطور الأوراق التي تفتح ذراعيها لاحتضان أجمل الأفكار، وأروع المعاني. تتجلى أعمق أوقات الهدوء عندما تكون في زنازين المنفى مع المنسيين الذين فرضت عليهم "إدارة السجن" عقوبات قاسية. هناك عليك أن تحفر في جبال الصمت والفراغ لتقول وجدتها. عندما تستطيع التعبير وترجمة جملة من الأحاسيس والمشاعر والأفكار على سطور أوراق يتيمة، تحاول استنزاف كل سطر وكل سنتيمتر فيها. عندما تمتلك مهارة الصيد ونصب الشباك للأفكار، فتسقط على سطور الأوراق قتيلة، تعلن بذلك انتصاراً على الفراغ والوقت و«السجان".في مثل هذه اللحظات العصيبة والحقيقية من فراغ الوقت المحاط بالزنزانة، قد تجد نفسك كاتباً، أو ربما تجد نفسك مغامراً يتجرأ على البوح عن أسرار بنات أفكاره، ويعرضها للفضح أو النشر. ربما قد تجد نفسك ساحراً في جعل هذا المكان وهذا الصندوق الأسود الباعث على الاكتئاب والتشاؤم، وهذه الزنزانة، وهذا القبر، منصة للإبداع والانطلاق، فهذا عين التحدي والإنجاز والانتصار. قد تؤدي هذه الزنزانة إلى إحداث دمار شامل لكل ما هو إنساني بداخلك، أو قد تؤدي إلى تطهير عرقي لكل ما هو جميل داخلك، أو قد تحدث خللاً في السلوك الإنساني والتصرفات العقلانية لديك كلما طالت مدة مكوثك. أن تنجح بالخروج من هذا الصندوق الأسود طيراً ناصع البياض، فأنت ساحر لا يشق له غبار. في مثل هذه الحالة، لا يسعني إلا أن أشكر الظروف التي سمحت لي بالاجتماع مع هذه المجموعة الرائعة والاستثنائية.