النّدرة وارتفاع الأسعار..هاجس صار من الماضي بدّدت الأيام الأوائل من شهر رمضان تخوّفات المواطن من تكرار سيناريو الندرة والأسعار الذي عرفته السوق الوطنية الموسم الماضي، حيث عرفت هذه الأخيرة هدوءا واستقرارا سبقه، على مجال زمني لا يقل عن ثلاثة أشهر، إجراءات وحركية دؤوبة من زيارات ميدانية، اجتماعات مكثفة وإجراءات استباقية، جسّدت من خلالها وزارة التجارة وترقية الصادرات بالتنسيق مع وزارة الفلاحة استخلاصها لدروس التجارب السابقة. وتمثّل جديد تحضيرات الشهر الفضيل لهذه السنة، في اعتماد الرقمنة بشكل شامل لجميع محاور عملية تأطير السوق المحلية من تموين وشحن وتخزين. إجراء سمح بتحديد الاحتياجات الحقيقية للسوق المحلية من خلال إحصائيات دقيقة غير مغلوطة، مكّنت في نفس الوقت من تحديد الحاجة الحقيقية من كميات السلع الواجب استيرادها لتحقيق تكافؤ بين العرض والطلب تفاديا للندرة والوقوع في مصيدة التلاعب بالأسعار. جدير بالثناء والاستحسان أيضا، هو الإستراتيجية الاستباقية الاستشرافية التي تمّت وفقها عملية التحضيرات للشهر الفضيل وحماية السوق المحلية مسبقا من أي اختلالات محتملة، كخطوة تحمل دلالات جادة عن استخلاص الدروس من التجارب السابقة واكتساب الخبرة في احتواء الأزمات. أرجع عضو المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، فادي تميم، في اتصال مع "الشعب"، الهدوء الذي عرفته السوق الوطنية من حيث وفرة السلع واستقرار الأسعار، خلال الأسبوع الأول من رمضان، إلى العمل الاستباقي والحركية الايجابية التي عرفتها وزارة التجارة وترقية الصادرات بمختلف مديرياتها المركزية والمؤسسات الواقعة تحت الوصاية، مع مطلع سنة 2024، بالتنسيق المحكم مع وزارة الفلاحة...استعدادات مكثّفة باشرت بها الوزارتان لاستقبال الشهر الفضيل، من خلال اجتماعات دورية لضبط خارطة طريق سنة 2024 وتحضيرات شهر رمضان، حيث انطلقت قبل فترة، وصفها فادي تميم، بالجد كافية اتخذت خلالها جميع التدابير المتعلقة بضمان تموين الأسواق بالمواد الاستهلاكية وضبط أسعارها، عكس السنوات الماضية، بهدف تفادي تكرار عدة سيناريوهات عكرت من صفو وروحانية هذا الموعد الديني الكريم الذي يضع المواطن، إضافة إلى واجباته الدينية، أمام واجبات والتزامات عائلية تتطلب تحضيرا وتدبيرا مسبقين من الناحية المالية خاصة، معتبرا أن جملة الآليات التنظيمية والتدابير الميدانية التي عملت وزارة التجارة وترقية الصادرات على اتخاذها مبكرا، تتقاطع جميعها عند تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بضرورة ضمان وفرة المواد والسلع الأساسية ذات الاستهلاك الواسع طيلة السنة بشكل عام وتكثيف المجهودات من أجل ضمان وفرتها وضبط أسعارها، وتتبع مسار توزيعها خلال شهر رمضان بشكل خاص. رصد اختلالات السّوق لأجل هذا وذاك، يقول فادي تميم، حرص ذات القطاع الوزاري مناصفة مع وزارة الفلاحة، على اجتياز هذا الامتحان السنوي الذي يضعه أمام رهانات الوفرة والأسعار، بكل ما يحمله الملف ويعترضه من تفرعات وانحرافات فيما يخص مسار السلع والمنتجات انطلاقا من المنتج ووصولا إلى المستهلك. مسار لا يخلو من الممارسات الجشعة لمقتنصي الفرص والتجاوزات القانونية من مضاربة وتهريب للسلع، بهدف افتعال الندرة والتلاعب بالأسعار، في حين تسهر الدولة على ضبطها والعمل على تحمل كل تداعيات اضطرابات الأسواق العالمية ومواصلة دعمها من أجل تجنيب المواطن أعباء الزيادات العالمية للأسعار، ممّا سيسمح من جهة أخرى بمحاربة التضخم كخطر محدق بالاقتصاد الوطني. وأضاف تميم أنّه وبأمر من رئيس الجمهورية تمّ تنصيب خلية يقظة من طرف وزارة التجارة وترقية الصادرات، لرصد تذبذبات السوق المحلية واختلالاتها من حيث وفرة أو ندرة المواد الاستهلاكية وتتبع منحنيات أسعارها وإبلاغ الجهات المعنية من خلال تقارير يومية. بالمقابل وضعت وزارتا التجارة والفلاحة بوضع نظام معلوماتي لإبلاغ المستهلك بمعدلات أسعار المواد الفلاحية بشكل يومي، في سابقة تحسب للقطاعين الوزاريين وتصب لصالح المواطن، تمكنه من المقارنة بين ما ينشر على المواقع الرسمية للوزارتين وما هو معروض على المستوى الأسواق الجوارية والمحلية، من حيث قيمة هامش الربح المحصل من فارق الأسعار بين سعر الاقتناء وسعر البيع، ممّا سيسهل تحديد الجهات المسؤولة عن رفع الأسعار والمساس بقوت المواطن. حرب في كل الاتّجاهات كما عرج المتحدّث إلى أسواق الجملة التي تحوّلت إلى بؤر لانتشار جشع الوسطاء بين المنتج والمستهلك، أين تتم مضاعفة أسعار الخضر والفواكه مقارنة مع أسعار اقتنائها مباشرة من الفلاح، مرجعا ارتفاع الأسعار، سابقا، إلى تعدّد الوسطاء على مستوى السلسلة التجارية، وفي ذلك عاشت السوق الوطنية أسوء الأمثلة، حيث يتذكّر الجميع واقعة ارتفاع أسعار البصل إلى 300 دج خلال الموسم الماضي، بسبب اختلالات تعود إلى غياب الإجراءات الاستباقية وخلل أصاب حلقات التموين والتخزين، وهو الأمر الذي تمّ تداركه هذه السنة. من جهة أخرى ثمّن ذات المتحدث قرار الدولة في التحكم بأسواق الجملة من حيث كمية ونوعية وأسعار السلع المعروضة بها، مما سيخفف من ممارسات الوسطاء المستهدفة لجيب المواطن، كتكملة لقانون المضاربة غير المشروعة الذي أتى نتائجه في ظرف قياسي من خلال العقوبات الردعية التي تضمنها، والتي تصل إلى المؤبد، كدليل على قدسية قوت المواطن وأمنه الغذائي. ممارسات لن تكون وزارة التجارة بغافلة عنها، بل دائمة الجاهزية لردع منتهزي الفرص وممارسي النشاط الغير مشروع مدعومة بقانون المضاربة الذي غير من معالم السلسلة التجارية بالجزائر، وأجبر السفهاء من التجار من مبارحة جحورهم. تفعيل المادة (05) من قانون المنافسة واعتبر فادي تميم، المرسوم التنفيذي لتسقيف هامش الربح - رغم أن الأسعار تخضع لقانون العرض والطلب - حسب آراء الخبراء الاقتصاديين والقوانين والأعراف التجارية، مكسبا تنظيميا يدعم المادة (05) من قانون المنافسة، الذي يسمح للدولة بالتدخل في الحالات الاستثنائية لتحديد أسعار المواد الاستهلاكية، حيث تدخّلت فعلا، بمقتضى المادة السالفة الذكر لتسقيف هامش ربح 11 مادة واسعة الاستهلاك، 04 مواد منها تنتمي لعائلة البقوليات. ودائما وأداءا لدورها الرقابي فإن المرسوم التنفيذي الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا، يسمح للأجهزة الرقابية، في حالة تجاوز هامش الربح المحدد في المرسوم التنفيذي لتسقيف هوامش الربح، بتسجيل مخالفة بالنسبة للتاجر الذي تجاهل القانون. أما فيما يتعلق برقمنة قطاع التجارة ووضع السوق المحلية تحت مجهر المنصات الرقمية والإحصائيات المضبوطة، فهو إجراء يرى المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك، أنّه سيسمح بتحديد كميات السلع المتدفقة على مستوى هذه الأخيرة، ممّا يمكن من تحديد الكميات الواجب استيرادها بناءً على ما يتم إنتاجه محليا من أجل تحقيق توازن بين الإنتاج، الاستهلاك والفرق بينهما من أجل تحديد الحاجة إلى الاستيراد من عدمها، لتغطية العجز المسجل على مستوى الأسواق المحلية دون الإضرار بنشاط المتعامل الاقتصادي المحلي، ووقوفا عند هذا المحور تحديدا، تناول المتحدث عملية استيراد اللحوم الحمراء وإغراق السوق باللحوم البيضاء البرازيلية، كمثال عن الإجراءات الرامية إلى تحقيق التوازن على مستوى شعبتي اللحوم الحمراء والبيضاء وضبط أسعارها. مرافقة التّوزيع إلى أقصى الجنوب وبالمناسبة، أشاد المتحدّث بالإجراء الاستباقي الذي اعتمدته وزرة التجارة، مقارنة مع السنة الماضية، أين تمّت العملية أياما قلائل قبل الشهر الكريم، ممّا قلّص من مفعول النتائج بفعل الترتيبات الاستعجالية التي شملت عملية الاستيراد والتوزيع، خاصة فيما يتعلق بالمناطق الجنوبية، حيث يتوقّع ذات المتحدث نتائج أكثر مردودية من الموسم الماضي - وهو ما تحقّق فعلا - مترجمة في أسعار معقولة للحوم الحمراء لا يتجاوز سعرها 1200 دج، و500 دج / الدجاجة، بالنسبة للحوم البيضاء. وفي ذات السياق، تطرّق فادي تميم إلى عملية نقل وتوزيع المواد الاستهلاكية نحو المناطق الجنوبية، مشيرا إلى أن اعتماد الرقمنة في تتبع مسار المواد الاستهلاكية من مصادر الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك سيمكّن من تحديد تكلفتها ورصد الإمكانيات اللازمة لضمانها. وقد وضعت وزارة التجارة خارطة وطنية لشبكة التوزيع الخاصة بالمواد الغذائية - تابع تميم - مع إدراج الأسعار المعتمدة لكل منتوج، محليا كان أو مستوردا، موزع من طرف تاجر جملة أو تجزئة، كما وضعت على مستوى كل مديرية ولائية سجل يتضمّن قائمة الموزعين لكل المواد الواسعة الاستهلاك، مع بياناتهم لمسار التوزيع ومستوى مخزون كل منتج، وبرنامجا للمعارض الجوارية الخاصة بشهر رمضان، بالتنسيق مع الولاة وغرف التجارة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من التجار لضمان تموين الساكنة، وتأطير تموين الأسواق بالمواد التي يكثر عليها الطلب خلال شهر رمضان، إضافة إلى تنظيم المعارض عبر كل الولايات للبيع بالتخفيض.