تحسين مستوى معيشة أكثر من 65 مليون نسمة في الدول الشقيقة الثلاثة تكتسي الاتفاقية التاريخية التي أبرمتها الجزائر وتونس وليبيا لإنشاء آلية للتشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاثة في منطقة الصحراء الشمالية، أهمية إستراتيجية قصوى للدول ثلاثتها، خاصةً في ظل تزايد تحديات ندرة المياه في المنطقة، حيث تصنف كل من الجزائر وتونس وليبيا ضمن دول التي يميّزها النقص المائي نتيجة للتغيرات المناخية وتراجع معدلات التساقط. وبحسب التقديرات، تبلغ كمية مخزون المياه الجوفية في هذه المنطقة، أكثر من 10 آلاف مليار متر مكعب، وهو ما يمثل ثروة هائلة تُتيح فرصًا واسعة لتحقيق الأمن المائي على الأمد البعيد، وتحسين مستوى معيشة أكثر من 65 مليون نسمة في الدول الثلاثة. تعاون شامل تمثل هذه الاتفاقية – حسب عديد المتابعين - خطوة هامة نحو تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الثلاثة في مجال الأمن المائي وتحقيق ما يعرف ب«الانتشار" في مجال التعاون الاقتصادي، وتُمهّد الطريق لمزيد من المشاريع المشتركة في قطاعات حيوية أخرى، مثل الأمن الغذائي حيث تسعى دول المنطقة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والعلف، وتُعدّ المياه الجوفية ضرورية لزراعة هذه المحاصيل، لاسيما في المناطق الصحراوية، وتعد الجزائر رائدة في هذا المجال. وتعد ولايتا وادي سوف وبسكرة من المناطق التي تعرف نهضة فلاحية غير مسبوقة بالجزائر، وتساهم بنسب معتبرة في الناتج الإجمالي الفلاحي في الجزائر، ويمكن أن تُساهم مشاريع استغلال المياه الجوفية في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة في الدول الثلاثة، والاستفادة من الخبرة الجزائرية في هذا المجال لاسيما وأن قيمة الإنتاج الفلاحي في الجزائر سنة 2023 تجاوزت ال 30 مليار دولار، وبنسب نمو سنوية تتجاوز ال5 ٪. مبادئ توجيهية علاوة على ذلك، أكدت الاتفاقية المشتركة على ضرورة احترام عدد من المبادئ التوجيهية لضمان إدارة مستدامة للمياه الجوفية المشتركة، من أهمها، الاحترام المُتبادل لسيادة كل دولة على مواردها المائية، والتعاون العادل والمنصف في استغلال هذه الموارد، إضافة إلى الحفاظ على التوازن بين احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، واعتماد نهج علمي في إدارة وتطوير الموارد المائية. ومن بين الخطوات الرئيسية التي تم التوصل إليها في هذا الاتفاق، إنشاء آلية دائمة للتشاور بين الدول الثلاثة حول إدارة المياه الجوفية، والتي سيكون مقرها العاصمة الجزائرية. كما تم الاتفاق على تشكيل فريق عمل مشترك لصياغة مشاريع واستثمارات مشتركة في مجالات عدة، مما يعزز التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدان الثلاثة. تكامل إقليمي وفي السياق، أكدت معظم الصحف العربية والعالمية التي تناقلت الخبر، أن الاتفاقية تُمثل نموذجًا رائدًا للتعاون الإقليمي في مجال إدارة الموارد المائية، وتُشجّع الدول الأخرى في المنطقة على تبني نهج مماثل لمعالجة تحديات ندرة المياه وتجنب الصراعات التي من الممكن أن تنشأ جراء نقص المياه أو المياه العابرة للحدود، واستغلال المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا يُعدّ إنجازًا تاريخيًا يُساهم في تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الثلاثة، ويُفتح آفاقًا واسعة لتحقيق الأمن المائي والتنمية المستدامة في المنطقة. كما أن الأهمية الإستراتيجية لهذا الاتفاق، تتجلى في قدرته على دعم الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في المنطقة؛ فالمياه الجوفية هي مورد حيوي للزراعة والصناعة والحياة اليومية، واستغلالها بشكل مستدام يمثل تحديًا ملحًّا وفرصة للتعاون الإقليمي وتعزيز الاستقرار على جميع المستويات.