عجز عن توظيف الأنماط اللغوية في التواصل التأتأة أو اللعثمة اضطراب في التواصل اللفظي يظهر لدى الأطفال، يظهر بحسب المختصّين عند الأطفال، وقد يستمر حتى المراهقة والكبر إن لم يعالج في بدايته الأولى، وتشير معظم الدراسات العلمية والمختصّة، بأنّ بداية ظهوره تكون في سنّ الطفولة وتكون غالبا في سنّ ثلاث سنوات إلى أربع سنوات، وتختفي وتتلاشى هذه اللعثمة أو التأتأة، عند حوالي 90 بالمئة من الأطفال في سنّ المراهقة والكبر، غير أنّها تبقى عند القلّة القليلة، إن لم تعالج وتشخّص مبكّرا. الاضطراب يكون في بدايته الأولى متطوّرا، أيّ يأخذ منحى تصاعديا تطوّريا، مثل تطوّر عملية المشي والجلوس لدى الأطفال وغيرها من العادات التي يكتسبها الطفل، عن طريق العادات التعليمية من طرف الوالدين أو الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه. ويرى مختصّون أنّ الأنماط اللغوية التي يكتسبها الطفل في سنّ ثلاثة أعوام إلى أربعة والنصف، هي المرحلة التي تظهر فيها أعراض التأتأة أو التلعثم اللّغوي، وتكون في الغالب من خلال عجز الطفل في توظيف تلك الأنماط اللغوية في التواصل مع الآخرين عن طريق إعادة للأصوات اللّغوية، أو من خلال إعادته للمقاطع اللغوية أو الحروف والكلمات وحتى الجمل مرات متتالية وبشكل مستمر، مصحوبة في الغالب وفقا لخبراء التخاطب بحركات وإيماءات جسدية، عن طريق تحريك الرأس أو حركة في القدمين أو ارتجاف ورعشة في الفك السفلي أو ترمش بالعينين، بالإضافة إلى حركات فيزيولوجية على غرار احمرار الوجه، وزيادة في نبضات القلب والتعرّق. أسباب نفسية وراء الظاهرة يشير العديد من الخبراء والباحثين، إلى أسباب كثيرة وراء تفاقم الظاهرة وظهورها لدى الأطفال، والتي ترجع في مجملها إلى أسباب نفسية في الغالب وقليلة ما هي عصبية قد يكون لها علاقة بنمط المعاملة للطفل من طرف الوالدين، إذ تولّد اضطراب الخوف إلى جانب البيئة التي يعيش فيها التلميذ وغيرها من الأسباب التي تمثل مشكلة كبيرة جدّا إذا لم تعالج. ويرى المختصّون أنّه قد يصعب علاجها إذا صاحبت الطفل إلى مرحلة المراهقة، ويمكن أن تسبّب له مضاعفات نفسية يكون لها التأثير المباشر على شخصية الطفل، مثل تجنّب الكلام، الانطوائية، وغيرها من المضاعفات الناجمة عن الظاهرة، فالقاعدة تقول من السهل وأد الظاهرة في مهدها إذا ما تم تشخيصها واكتشافها في سنّ مبكّرة، أيّ في سنّ الثلاث سنوات فما وفق من عمر الطفل، لأنّها الفترة الخصبة التي يكون مؤهّلا فيها أكثر من أيّ وقت آخر لاكتساب العادات وتعلّمها. المعلّم حلقة أساسية في اكتشاف الظاهرة يؤكّد مفتش التربية الخاصة المختص في علم النفس الحركي، بن روضة توفيق، في حديثه ل«الشعب" عن ما يجب أن يكون لاكتشاف ظاهرة التأتأة في بدايتها الأولى، أيّ في مرحلة الطور الابتدائي، وهي المرحلة الحاسمة بحسبه في القضاء على التأتأة لدى الطفل، باعتبارها المرحلة الأولى التي يتعلّم فيها التلميذ نطق الحروف، ويتعلّم فيها النقاش والكلام والانتقاد من طرف زملائه ومعلّمه ووالديه والمجتمع ككلّ. وأضاف الأستاذ بن روضة أنّ الاكتشاف في البداية قد يكون من طرف المعلّم عن طريق ملاحظة الطفل الذي يواجه صعوبة في الكلام وعدم سلاسة في نطق بعض الأحرف والكلام، حيث يقوم المربي على إثرها بتوجيه التلميذ مباشرة إلى طبيب المدرسة والذي بدوره يوجّهه إلى أخصّائي إعادة التربية النفسية أو أخصائي علم الأرطوفونيا. المشكلة ليست في إبلاغ الرسالة أو الكلام ويرى المفتش بن روضة التوفيق، بأنّ تشخيص واكتشاف الظاهرة في بدايتها الأولى يكون عن طريق المعلّم، فهو المفتاح الأساسي لاكتشاف الظاهرة التي يقوم بدور فعّال فيها، من خلال متابعة الطفل مع الوالدين وبالتنسيق مع الأخصّائي النفساني والأرطوفونيا قبل وبعد وخلال فترة العلاج. أما في حالة تعذّر الاتصال بالطبيب بسبب عدم اكتمال الإجراءات المتعلّقة بممارسة التأهيل الحركي والأرطوفوني بالنسبة للطفل، فهنا المعلّم مطالب باتخاذ الإجراءات والأسباب المختلفة وعرضه على أخصّائي التربية النفسية، وإبلاغ الأولياء ويتم توجيه الأولياء إلى المركز الأقرب الخاص بالتأهيل الحركي أو توجيههم إلى العيادات الخاصة. ويُلزم الأولياء بممارسة التأهيل الصحي نظرا لتأثيره على مستقبل الطفل، فالمعلم مطالب بتبليغ الأولياء بضرورة التوجه إلى الأخصائي من أجل مزاولة حصص التأهيل الصحي، لأنّ حلّ المشكلة في بدايتها مسؤولية وأمانة، نظرا لتأثيراتها المتربطة بشخصية الطفل مستقبلا، وتأثيرها على الجانب الاجتماعي، فالمشكلة ليست في إبلاغ الرسالة أو الكلام، وإنّما في التأثيرات والتبعيات المرتبطة بالظاهرة وأثرها على شخصية الطفل، التي تؤدّي إلى انسحابه من المجتمع، ويصبح الطفل منطويا على نفسه، بل قد يتطوّر إلى اضطراب التوحّد أو الرهاب الاجتماعي وغيرها من الاضطرابات والتشوّهات التي تترك أثرا بليغا في نفسية الطفل بسبب التأتأة إن لم تعالج. الخوف والصدمة من أسباب المشكلة.. واعتبر بن روضة، من بين أبرز الأسباب التي تقف وراء الظاهرة قد تكون نتيجة خوف الطفل من المعلّم أو من الوالدين بسبب الضغط المتزايد عليه، وبالتالي يلجأ الخبير النفساني في البداية لمعرفة الأسباب عن طريق جلسة صراحة مع الوالدين في طريقة تعاملهما مع الطفل في المنزل، نظرا لبعض الأخطاء التي قد يرتكبها الأطفال، نتيجة أنّ الطفل مثلا قد لا يتمتع بذكاء معين، ما يؤدّي بالوالدين إلى ممارسة ضغط زائد تظهر أعراضه في الخوف التي بدورها تولد تأزّم التأتأة. واستشهد محدّثنا بمثل ما يمارسه الآباء والأمهات على الأبناء خلال فترة الامتحانات، كما أنّ الطفل قد يعيش تلك الخلافات التي تحصل بين الزوجين، فكلّ هذه تعتبر بالنسبة للطفل صراعات لا يستطيع التعبير عنها، فالبيت يمثل بالنسبة لهم مكانا للأمان بحسبه، وعليه فإنّ هذه التهديدات والصراعات يعبّر عنها عن طريق جسمه أو عن طريق التأتأة، كونها تعتبر ردّة فعل أو طريقة تعبير خارجة عن إرادته، وتظهر في شكل تأزّم في نطق الحروف والكلام ناجم في مجملها عن الخوف والاضطراب. علاج الأسباب مهم في القضاء على الظاهرة واعتبر المفتش بن روضة في ردّه عن علاج التأتأة والتخفيف من وجودها لدى الأطفال، بالقول أنّ التأتأة هي اضطراب نفسي وفي بعض الأحيان عضوي، هو عبارة عن عدم تنظيم للكلام وعدم قدرة عن تنظيم الهواء داخل القفص الصدري ناجم عن نفاد الهواء وتنظيمه أثناء عملية الكلام، فبالنسبة لهذه الحالات يتم اعتماد برتوكول علاجي خاص يتمثل في العلاج العرضي وعلاج الأسباب المؤدية للمرض، فالعلاج العرضي للظاهرة يكون عن طريق إعادة تأهيل من خلال برمجة حصص تتعلّق بتصحيح النطق وتعليمه. أما فيما يتعلّق بعلاج الأسباب وهو الأهم فيتعلّق الأمر بمعرفة الأسباب الحقيقية ومن ثم علاجها، من خلال إزالة الصراعات التي تؤدّي بالطفل إلى التأتاة، وهذي الصراعات عادة ما يكون الطفل يتعرّض إليها. ويؤكّد مفتش التعليم الخاص، في حديثه عن الاضطرابات النفسية لدى الأطفال وطرق اكتشافها، فالمعلّم في قسم الابتدائي مهم في علاج الظاهرة باعتباره على احتكاك يومي مع التلاميذ. لذا فالمطلوب من المعلم عدم الاكتفاء بالجانب التعليمي وإنّما يتعدّى دوره الإحاطة بالجوانب النفسية والاجتماعية لكلّ تلميذ وحتى الوسط المعيشي لتلاميذ القسم الابتدائي، فكلّها عوامل قد تساعد على اكتشاف الظاهرة في بدايتها وتوجيه المصاب بالتأتأة إلى الأخصائي النفسي وبالتالي علاج الظاهرة في مهدها. وأشار بن روضة إلى أهمية وجود أخصائي نفسي أو أرطوفوني في كلّ مؤسّسة تربوية تعليمية في التعليم الابتدائي، أو مجمع مدرسي على الأقلّ يكون بشكل دائم على مستوى المؤسسة التربوية، لأنّ المختص في علم النفس الحركي يعلم أنّ كلّ المشاكل النفسية تترجم عن طريق الجانب الحركي لدى الطفل. فالمختص النفسي الحركي هو الذي يساعد المعلّم في كيفية استعمال هذا الجسم للتعبير السليم في الجانب النفسي، أمّا بالنسبة للمختصّ في إعادة التأهيل الحركي فلابدّ من تواجد أخصائي لكلّ مجمع مدرسي الذي يتولى بدوره اكتشاف هذه الحالات بالتنسيق مع المعلم الذي بدوره يكتشف الحالة ويحوّلها مباشرة للأخصّائي النفساني أو المختص في علم النفس الحركي، من خلال برنامج يتوافق مع البرنامج العام الخاص بالمؤسّسة، يراعي فيه عدم التعارض مع البرنامج الدراسي للطفل. وأضاف المفتش بن روضة أنّه وبهذا نكون قد ساهمنا بشكل كبير في القضاء على الظاهرة والتخفيف من حدّتها لأنّ القاعدة تقول "اكتشاف مبكّر علاج مبكّر"، وسلامة الطفل الكلامية تعود على مردود الطفل التعليمي، وبدرجة أساسية على شخصية الطفل الذي يستطيع التعبير بسلاسة، فالطفل يستطيع أن يعبر عمّا يختلج بنفسه ويستطيع أن ينطلق في حياته سليما والحكمة تقول جمال الرجل لسانه. اعتماد تمارين وتدريبات نفسية وحركية في العلاج أكّدت أستاذة التعليم الخاص "س، م« المتخصّصة في تعليم أطفال التوحّد والارطفونيا بأحد المراكز المتخصّصة ببرج بوعريريج، في شرحها لعملية تعليم هذه الفئة الخاصة بأنّ الأمر يتعلق بتقويم يباشره في البداية أخصائي التخاطب، يتم على إثرها تحديد طبيعة الأعراض والتي ترجع في مجملها بحسب الأخصّائية إلى أسباب نفسية بالدرجة الأولى، مرتبطة بالمشاكل الأسرية والخوف، وفي حالات قليلة جدّا تكون مرتبطة بحالات ترجع في أسبابها إلى أمراض عضوية، ويتم العمل فيها عن طريق إتباع علاج يكون بالتنسيق مع الأخصائي النفساني، من خلال إتباع خطوات تدريجية تعتمد على تمرين وترويض عضلة اللسان والحركة والرقبة والفك أو حتى الأحبال الصوتية والبطن. برامج تربوية وتحسيسية أما فيما يتعلّق بالجانب التحسيسي التربوي، فيتم بحسب الأخصائية بتجهيز التلميذ لكسر حاجز الخوف والعمل على دمجه في المجتمع، بتقديم المعلومات تكون عن طريق تكوين علاقة اجتماعية بين التلميذ والمعلّم من حيث التعامل، في حين اعتماد بروتوكول خاص بالنسبة لكسر حاجز الخجل بسبب التأتأة في الكلام، من خلال الحديث مع أصدقائه، وعبر تغيير أماكن الجلوس من أجل إدماجه مع أصدقائه إلى جانب اعتماد ألعاب تربوية جماعية تكون بين التلميذ وزملائه، والتي تهدف إلى خلق علاقة وكسر ذلك الحاجز الذي يتفاداه الطفل خلال الكلام، نتيجة حديثه أمام زملائه، أما بالنسبة للأطفال الذين يعانون من التأخر الذهني أو الإعاقة الذهنية فهنا يتم تنسيق الأعمال مع أخصائي الأعصاب من خلال اعتماد برنامج يتماشى مع الجرعات الدوائية المقدّمة. بروتوكول علاجي خاص وكشفت المتحدّثة عن حالات عرضية للتأتأة يصعب اكتشافها، وتظهر لدى الطفل خلال فترات زمنية معيّنة ثم تختفي، وهذه الحالات تقتضي معاينة الطفل بالتنسيق مع الوالدين، لمعرفة متى تحدث الظاهرة وفي أيّ وقت تتزامن، وبناء عليها يتم إعداد برنامج وبروتوكول علاجي خاص بهذه الحالة الخاصّة عن طريق معلّم التربية الخاصة. ودعت أستاذة التعليم الخاص ببرج بوعريريج، بالقول أنّه ينبغي زيادة عدد الخلايا الجوارية المكوّنة من خبراء علم النفس وعلم التخاطب، لأنّها أضحت ضرورة تقتضيها الوقائع أكثر من أيّ وقت مضى، بالإضافة إلى إطلاق الأيام التحسيسية لفائدة المعلّمين والأساتذة وبالأخصّ أولياء الأمور، من أجل تحقيق القاعدة الذهبية التي تقول "تشخيص مبكّر اكتشاف مبكّر علاج مبكّر"، وهو الشعار الذي لطالما ننصح به الآباء والأساتذة، حيث ننصدم في بعض الأحيان ببعض الآباء الذين يتعمّدون إخفاء حالات أبنائهم ويتركونها تتفاقم إلى فترة المراهقة لأسباب غريبة. وختمت الأخصّائية توصيتها" علينا أن نكون مستمعين جيّدين للأطفال، فالبيئة التي يتربّي فيها الطفل تعدّ أساسية للقضاء على الظاهرة".