يقترن إسم جيجل بميناء ''جن جن''، الذي أعطاها وهجا خاصا وسمعة عالمية، فالميناء الأول على مستوى إفريقيا، بكل المقاييس، حيث بإمكانه إستقبال البواخر الضخمة، ناهيك عن طاقة استيعاب الهائلة، تصل إلى 5,4 مليون طن، وهو الأمر الذي جعله القلب النابض للجزائر، وبوابة إفريقيا، خاصة بعد ربطه بالطريق السيار (شرق غرب). كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، حين وصلنا إلى البوابة الرئيسية للميناء، إجراءات بروتوكولية تمت، وتوجهت إلى مديرية الميناء، الحركة دائبة، شاحنات، سيارات وعمال، حوّلوا هذا الميناء إلى خلية نحل حقيقية إلى درجة أن الوقت لا يتسع لأخذ قسط من الراحة. وعلى امتداد البصر، ينبسط أمامك هذا الصّرح الاقتصادي الذي يعدّ مفخرة الجواجلة والجزائر، فالبواخر لم تعد بحاجة إلى إفراغ حمولتها في الموانئ الأوروبية ثم شحنها في أخرى، فالميناء يتسع لأكبر وأضخم البواخر العالمية، والميزة الرئيسية لميناء ''جن جن'' مساحات شاسعة وتجهيزات عصرية ورافعات بإمكانها اختصار الوقت أثناء عملية التفريغ، ولعل ما يثير الفضول أكثر، هو تلك المشاريع الإستثمارية التي ستنجز على مستوى هذا الميناء، وما سيكون لها من إنعكاسات إيجابية على الاقتصاد المحلي والوطني، وليس غريبا بعد هذا، أن يستقطب ميناء ''جن جن'' الأنظار، لما سيوفره من مناصب شغل. بداية الإستغلال بدأت عملية إستغلال ميناء ''جن جن'' سنة ,1992 ولم يتعد حجم التبادلات التجارية 300 ألف طن، تتمثل في الحديد والقمح وبعض المواد الأخرى كالخشب، وهو ما مكن في تلك الفترة من خلق مناصب عمل مباشرة وغير مباشرة، ومع مرور السنوات أخذ الميناء يتطور شيئا فشيئا، وبدأت معه البواخر تتدفق، وهو الأمر الذي ساهم في رفع حجم التبادلات التجارية، وما إن حلت سنة ,1997 حتى قفزت المبادلات التجارية إلى أرقام قياسية، خاصة وأنه خلال هذه السنة تم إقتناء عتاد خاص بالشحن والتفريغ، من رافعات وعربات الشحن والتفريغ مختلفة الأحجام وكذلك بالنسبة للعتاد البحري المتمثل في ساحبتين وزورقين للإرشاد وأربعة زوارق للربط، وقفز حجم المبادلات التجارية حينها إلى 2,1 مليون طن ليصل إلى 8,1 مليون طن سنة ,2002 وحسب الرئيس المدير العام محمد عثمان، إنه وانطلاقا من هذه السنة، بدأ التنوع في التبادلات التجارية يأخذ منحى تصاعديا، إلى درجة أن ''جن جن'' خطف الأضواء من موانئ أخرى، ولعل أهم هذه المبادلات هي القمح، الحديد، الخشب ومادة ''الكلينكر'' التي تستعمل في صناعة الإسمنت، وواكب ذلك منحى تصاعديا كذلك في عملية التوظيف، حيث تضاعف عدد العمال، بأكثر من ثلاث مرات، ناهيك عن عدد المناصب الأخرى غير المباشرة التي نتجت عن زيادة حجم نشاط الميناء. والأرقام المقدمة، تكشف بوضوح، أن ميناء ''جن جن'' وبفضل الجهود المبذولة من طرف الرئيس المدير العام محمد عثمان، حقق أرقاما قياسية، خاصة في بعض التبادلات منها الحبوب (القمح) الذي يمثل 60٪ من حجم التبادلات، حيث تقدر كمية الحبوب ب5,1 مليون طن سنويا وهو ما يمثل 25٪ مما يفرغ بالموانئ الجزائرية، وهذا الأمر يعد في حد ذاته إنجازا كبيرا، وما أصعب أن تحقق الإنجازات في ظل المنافسة الشرسة في هذا المجال، هذا دون حساب السلع الأخرى المفرغة على مستوى الميناء ، خاصة وأنه تخصص كذلك في الأنابيب بمختلف أحجامها وأنواعها، وهي الأنابيب الموجهة لنقل الغاز والمواد البترولية والأنابيب لنقل المياه وكل هذه الإنجازات جاءت في إطار إنجاز المشاريع التي قررها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، وحسب الرئيس المدير العام للميناء، فإن حجم التفريغ يقدر ب16 ألف طن يوميا، وهو رقم ضخم يكشف بوضوح الطاقات الهائلة التي يتوفر عليها ميناء ''جن جن''. في هذا السياق، وأمام التنوع في حجم المبادلات التجارية، وصل عدد الموظفين سنة 2007 إلى 300 عامل ثم قفز هذا الرقم إلى 500 عامل خلال سنة ,2008 وهو رقم ما كان ليتحقق لولا المخطط الاستراتيجي المعتمد لتطوير الميناء، والذي أعطى نتائج ممتازة، مما أهّل الميناء إلى تحقيق أرباح كبيرة. ويؤكد الرئيس المدير العام، أن إجمالي البضائع وصل هذه السنة وإلى غاية نهاية أكتوبر إلى حوالي 8,1 مليون طن، ومن المتوقع أن تصل الكمية إلى حوالي 2,2 مليون طن. مشاريع واعدة داخل الميناء من أهم المشاريع الإستثمارية المنجزة، مشروع صوامع الزيت الذي أنجز من طرف مستثمرين خواص بعد أن حازوا على حق الإمتياز داخل الميناء، وبدأ إستغلال هذه الصوامع بحوالي 70 ألف طن من الزيت الخام الذي يمر عبر الميناء ليصنع بعين مليلة، وهناك مشروع آخر يتمثل في صوامع الحبوب بطاقة تخزين إجمالية تصل إلى 300 ألف طن، وما يمكن أن يفرغ سنويا يصل إلى أكثر من 2 مليون طن من القمح، وهذا المشروع قيد الإنجاز، حيث وصلت نسبته بالنسبة لإقتناء التجهيزات إلى حوالي 60٪ على أن تنطلق عملية الإستغلال سنة ,2009 ويمكن اضافة المشاريع الأخرى الخارجية التي تعد تكميلية وتتمثل في إنجاز الطريق السيار 77 الذي يربط الميناء بالطريق السيار (شرق غرب)، اضافة إلى مشروع إزدواجية خط السكة الحديدية بين جيجل و''رمضان جمال'' بولاية سكيكدة لإتصاله بالخطوط الوطنية، ضف إلى ذلك ازدواجية الطريق الوطني 43 الذي سيساهم في تدفق حركة النقل بين جهتي الولاية الغربية والشرقية. وحسب المدير العام للميناءالذي استطاع جلب عدة استثمارات، بفضل حنكته وعقلانيته في التعاطي مع التطورات الاقتصادية، فإن مشروع ''الفر ستيل'' للحديد والصلب فهو قيد الدراسة، حيث تجري الآن عملية دراسة الأرضية داخل الميناء وسينشأ في الرصيف الغربي مع صوامع الحبوب، وعند إنجازه سيقوم بشحن وتفريغ 3 مليون طن سنويا، ومن المشاريع الاستراتيجية، مشروعين هامين يتمثلان في تضييق مدخل الميناء بحوالي 300 متر، لأن المدخل الحالي يقدر ب600 متر، وعند إنجاز هذا المشروع سيتم خفض التموجات داخل الميناء ضف إلى ذلك مشروع تمديد الحاجز الغربي ب400 متر. أما بالنسبة للمشروع الثاني الذي يعد من حيث أهميته استراتيجيا فيتمثل في نهائي الحاويات وسينجز داخل الميناء كذلك وكل الأرصفة تنجز في جهة مخصصة للتوسيع وكل هذه الأراضي تؤخذ من البحر. ويتمثل هذا النهائي في 2000 متر من الأرصفة وبعمق 17 مترا ومساحة معبدة تقدر ب78 هكتارا، وبهذه المشاريع يعدّ نهائي الحاويات هذا، أكبر نهائي حاويات في البحر الأبيض المتوسط وبإمكانه استيعاب 2 مليون حاوية سنويا، وسيجهز بأحدث العتاد لشحن وتفريغ الحاويات. وهذا النهائي سيتم استغلاله في إطار الشراكة مع موانئ دبي العالمية. شراكة مع موانئ دبي العالمية ليس من السهل أن تتحقق الإنجازات خاصة في هذا الوقت المتصف بالمنافسة الحادة، إلا أن روح المبادرة والإرادة القوية التي يتمتع بها الرئيس المدير العام للميناء السيد محمد عثمان، أتت أكلها، فالرجل وعلى مدار 30 سنة أو تزيد ظل يسعى من أجل تحقيق الأفضل، وفي هذا الإطار يقول متحدثنا ''أنني فخور ومعتز بهذا الإنجاز الذي يعد استراتيجيا على جميع الأصعدة سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد الميناء، فالشريك له خبرة واسعة في إدارة وتجهيز الموانئ الخاصة بشحن وتفريغ الحاويات وهو مرتب الثالث عالميا ويشتغل في 40 ميناءا على المستوى العالمي، فمجيئه إلى ''جن جن'' والجزائر العاصمة سيمكن هذين الميناءين من الوصول إلى مصاف الموانئ العالمية المتطورة جدا''، ولعل مسار المفاوضات التي كانت شاقة على مدار عامين ونصف، قد أعطى أكله، ولعل الأسباب التي تمت بموجبها عملية إختيار ''جن جن'' لإنجاز هذا النهائي هي أسباب عقلانية، حسبما يذهب إليه السيد عثمان، حيث يتوفر الميناء على العمق الكافي لإستقبال البواخر الكبيرة الحجم وكذا شساعته وشساعة حوض الذي مكن من إنجاز النهائي داخل الحوض المحمي بالحاجز الغربي. في هذا الصدد، يؤكد المتحدث أن إنجاز هذا النهائي سيمكن الجزائر من خفض قيمة نقل الحاويات إلى أكثر من 70٪ وهو إنجاز سيوفر للدولة أموالا طائلة وبالعملة الصعبة مقابل نقل الحاويات بثمن أقل بكثير مما هو مستعمل حاليا وسيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بصفة عامة وعلى المنطقة بصفة خاصة، حيث سيتم إنشاء 1500 منصب عمل جديد مباشر وآلاف المناصب الأخرى غير المباشرة. من جهة أخرى، أكد محمد عثمان أن الشريك الاجتماعي تم استشارته في كل مراحل المفاوضات مع موانئ دبي العالمية، ففي 7 جويلية ,2007 أكد الشريك الاجتماعي على أنه يثمن المبادرة ويوافق عليها، وهي المبادرة التي قامت بها وزارة النقل لإنشاء عقد شراكة مع المتعامل، موانئ دبي العالمية، مع إصراره فقط على إنشاء مناصب عمل، وتم إستشارة الشريك الاجتماعي في جميع المناسبات وكل الاجتماعات بالنسبة لمجالس الإدارة وأخبر بجميع التطورات الخاصة بهذا الملف، وتحصلت ''الشعب'' على نسخة من إعلان الشريك الاجتماعي لمؤسسة ميناء ''جن جن'' وأكد السيد محمد عثمان أن هذه الشراكة جاءت نتيجة للعلاقات الطيبة والأخوية بين الإمارات العربية المتحدةوالجزائر. ------------------------------------------------------------------------