مات نيلسون مانديلا وبقيت قيمه الانسانية خالدة، مات أسطورة السلام والمساواة بين الأجناس والأعراق، تاركا بلده جنوب إفريقيا يناطح أقوى بلدان العالم في الديمقراطية والتطور والازدهار. رحل رمز الكفاح ضد التمييز العنصري عن عمر يناهز 95 عاما، قضى منها 27 سنة خلف قضبان سجن جزيرة روبن تضحية بقضية عادلة آمن بها ودافع عنها. نكست دول العالم أعلامها حزنا على رحيل نيسلون روليهلاهلا مانديلا، وحظي نبأ وفاته الذي أعلنه رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، باهتمام إعلامي وشعبي منقطع النظير، وأشاد الجميع ممّن حالفهم الحظ بالعمل إلى جانب الرجل أو التواصل معه أو أخذ صورة تذكارية فقط بخصاله العالية وسعيه الدائم والدؤوب من أجل المساواة والوحدة بين البشر، وإقرار واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية. أما من قرؤوا سيرة «ماديبا» كما يلقّبه شعبه واطّلعوا على مسار نضاله وتضحياته، ورفضه المساومات والاغراءات من قبل نظام الأبارتيد، فأدركوا أنّه شخص استثنائي اجتمعت فيه صفات نادرة، خاصة وأنّ تضحياته الجسام لم تذهب سدا، حيث تمكّنت جنوب إفريقيا وفي وقت وجيز من استدراك تأخّرها وانتقلت من دولة عنصرية إلى بلد ديمقراطي تحترم فيه صوت الشعب وإرادته في اختيار من يراه مناسب لقيادته. واستطاعت المصالحة الوطنية التاريخية التي امتزجت فيها أيادي السود بالبيض، في تقدم البلد اقتصاديا وجعله أحد أبرز الدول النامية تقدّما. مواقف مبدئية راسخة يسجّل التاريخ للسجين رقم 46664، مواقف خالدة أكّدت نقاء كفاحه وصدقه، وأعطت دفعا قويا لعدالة وحجّة قضيته، فيوم إصدار المحكمة قرار سجنه بتهمة الخيانة والإرهاب، قال إنّه مستعدّ للموت من أجل المبادئ التي اعتنقها ورفضه أن يتسلّط البيض على السود أو السود على البيض في وطنه، قائلا: «كرّست حياتي لكفاح الشعب الافريقي وحاربت هيمنة البيض بقدر ما حاربت فكرة هيمنة السود. كنت دائماً أرفع عالياً نموذج المجتمع الديمقراطي الحر، حيث الجميع يعطون فرصاً متعادلة ومنسجمة، وإذا اقتضى الأمر سأموت من أجل هذا الهدف». في عام 1985، عرضت عليه صفقة تشمل إطلاق سراحه في مقابل وقف المقاومة المسلحة، إلاّ أنّه رفض العرض، وبقي في السجن حتى 11 فيفري 1990، أي نحو 27 سنة، إلى أن أدّت الضغوط المحلية والدولية إلى إطلاقه، بأمر من رئيس الجمهورية فردريك دوكليرك، الذي شاركه جائزة نوبل للسلام عام 1993. وكان بإمكان مانديلا البقاء رئيسا لجنوب إفريقيا من سنة 1994 إلى غاية الخميس الماضي يوم وفاته، نظرا لمكانته كرجل عظيم مبجّل لدى مواطنيه، الذي دافع عنهم وحمل على ظهره اضطهادهم واحتقارهم من قبل نظام الفصل العنصري، لكنه آثر اعتزال السياسة بعد نهاية عهدته الأولى كأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا عام 1999، معطيا بذلك أصدق مثال عن التداول على السلطة والحكم. «الجزائر جعلت منّي رجلا..» خصّ نيلسون مانديلا الجزائر بحيّز معتبر في مذكراته، حيث عبّر عن إعجابه الشديد بالثورة التحريرية المجيدة وإصرار مجاهدي جيش التحرير الوطني على استرجاع الحرية المسلوبة من قبل الاستعمار الفرنسي، ووقف على المعارك وأساليب القتال ضد المستعمر الغاشم في الجبهة الغربية سنة 1961، وقال إنّ «الاستعمار الفرنسي وممارساته يشبه نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا». ودخلت العلاقة بين مانديلا والجمهورية الجزائرية مرحلة جديدة بعد الاستقلال، فقد تلقّى تدريبه العسكري في الجزائر وحظي بعناية خاصة من قيادة الجيش وهو ما جعله يكتب في مذكراته «أنّ الجزائر جعلت منّي رجلا». ووقفت الجزائر دائما إلى جانب كفاح مانديلا ضد نظام الابارتيد، وأظهرت ذلك للعالم سنة 1974 عندما ترأّس وزير خارجيتنا آنذاك عبد العزيز بوتفليقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقام بطرد ممثلي نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا من أشغال الاجتماع. شخصية عالمية فريدة لا يمكن لأيّ شخصية عالمية مهما كان وزنها وقيمتها أن تزور جنوب إفريقيا، دون أن تتملّكها الرغبة في لقاء رمز الحرية والعدالة الإنسانية مانديلا، وحتى زنزانته التي قضى بها سنوات سجنه أصبحت مزارا للسياح والرؤساء، وعلى رأسهم قادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفعل ذلك بيل كلينتون والحالي باراك أوباما الذي كتب مقدّمة مذكّراته التي حملت اسم «حديث نيسلون مانديلا مع نفسه»، ويتشارك معه في كونه أول رئيس أسود يرأس الولاياتالمتحدة. وسيشارك إلى جانب ثلاثة رؤساء سابقين في تشييع جنازة الراحل إلى مثواه الأخير يوم 15 ديسمبر المقبل، وأشهر الشخصيات العالمية المؤثّرة كانت أمنيتها الوحيدة مصافحة «ماديبا» والتقاط صورة تذكارية خالدة معه. توديع بالصلاة والتأمل نزل خبر زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على شعب جنوب إفريقيا كالصاعقة، واحتشدوا في وقت وجيز أمام بيته وفي أكبر المدن، للصلاة والدعاء للرجل الرمز، وأحيوا الفاجعة بإشعال الشموع والرقص والأهازيج المخلّدة، قبل وداعه يوم الأحد القادم في جنازة لم يشهدها العالم من قبل.
مراسيم تشييع جثمان «ماديبا» ^ الثلاثاء 10 ديسمبر: تقام مراسم تأبين رسمية لمانديلا في استاد سوكر سيتي بجوهانسبرغ، ومن المقرر أن يحضر هذه المراسم الجمهور العام وعدد من رؤساء الدول والحكومات الذين يزورون جنوب إفريقيا للمشاركة في مراسم التأبين. ^ من الأربعاء 11 ديسمبر: إلى الجمعة 13 ديسمبر: يوضع جثمان مانديلا على نعش مفتوح لمدة ثلاثة أيام في مباني الاتحاد في بريتوريا العاصمة، حيث مقر حكومة جنوب أفريقيا كي يتسنى للمواطنين ولعدد مختار من الزوار والضيوف إلقاء نظرة الوداع على جثمانه. وسينقل النعش يومياً بين المستشفى العسكري الأول وبين مباني الاتحاد. وتدعو الحكومة المشيعين للاصطفاف على طول الطريق وأن يشكلوا حرس شرف عام. ^ السبت 14 ديسمبر: ينقل جثمان مانديلا إلى إقليم كاب تاون مسقط رأسه من قاعدة ووتركلوف الجوية في بريتوريا، حيث يودعه أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم. وينظّم في هذا اليوم أيضاً موكب من متاتا إلى كونو أرض أجداده، حيث تقيم قبيلة ثيمبو التي ينتمي إليها مانديلا مراسم تقليدية. ^ الأحد 15 ديسمبر: تقام جنازة رسمية في مسقط رأس مانديلا ويشيع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقابر العائلة في قرية كونو بإقليم الكاب الشرقي. وسيشارك في مراسم تشييع الجثمان عدد مختار من كبار الشخصيات ورؤساء الدول والحكومات الذين يطلبون الحضور.